المرجع الديني آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي قدس سره
شخصية علمية مميزة استطاعت ان تفرض وجودها على المشهد الحوزوي بكل تشعباته المتأبية على الحصر لكثرتها عبر عمق الفكرة وصراحة الطرح والابتعاد عن اجواء المجاملة صنع من حوله هالة خاصة كان لها اثرها الكبير في حراك الكثير من القضايا على الساحة الحوزوية و الأجمالية أيضاً. تشرفت بمحضر درسه لسنة واحدة وجدت من خلالها الأستاذ المتمرس في غربلة أراء القوم حيث المتابعة الواسعة والدقة في الطرح وتحديد مواطن التشخيص المباشرة من خلال الثغرات التي كانت تبرز في مباني الفتوى بين الفينة والأخرى.
ربما تكون معالم مدرسته مستعصية على من يقرؤه للمرة الأولى أو يلتقيه في حدود ذلك, لكن التردد عليه يسقط الكثير من الحواجز ويرفع الكثير من الموانع والتي رسم البعض منها أجوائه الشخصية.
كنت أظنه كما يتصور البعض غير أني وجدت فيه منفرداً في مكتبته الخاصة مع إشراقة يوم جديد ألطف من النسيم الرقراق حيث دماثة الخلق وصفاء السريرة ولمسة الإيمان وعظمة المرجعية الروحية والدينية.
اقتربت منه وتجاذبت أطراف الحديث معه لايكدر صفو ذلك ثقل حاشية مشبعة بأحادية الطرح وضيق الرؤيا ولا يلغي قراره إرهاصات الإملاء المتعرض , بل وجدته يأخذ بيدي إلى الكثير من الجوانب المغلقة في وجدانه ومسيرته العملية.
لذلك أخذت أذهب معه بعيداً عن حدود سؤال التلميذ الصغير بين يدي أُستاذه الكبير والكبير جداً, لكن ذلك لم يمنع بدوره أن تتنوع الأسئلة ويتقاطع النقاش بل كان لذلك كله مساحته الكبرى, فما وجدت فيه إلا ما يأخذ بيد المستفيد إلى حياض الإستفادة.
وكم كنت أتمنى أن يمتد به العمر ليعمر جوانب كثيرة من واقعنا غير أن للبداية نهاية لا بد منها, لذلك كانت السماء على موعد معه بعد مرض عضال ألم به لتقول قولتها في عام 1427هـ لتكون بذلك قد استقطعت من الكون أحدى لبناته الطيبة. مخلفاً وراءه فراغاً علمياً وحضورياً يُضرب له ألف حساب وحساب.
وإذا كانت الأمور تأخذنا إلى هذا الجانب وصوب هذا الاتجاه فإني أجد نفسي ملزماً في الإشارة إلى واحدة من اشراقاته والتي مع شديد الأسف تمت المزايدة عليها بعيداً عن حدود المراد ولو خُليت وطبيعتها لكانت أكثر أثراً وأمضى وقعاً.
إنها الوقفة العقيدية التي كان له فيها الفتوى المعروفة والتي لو كانت وحيدة لكان لها بالغ الأثر, غيرأن الذهاب بها بعيداً حدد من معطياتها وقلل من أهميتها حيث أن الفتوى وكل فتوى بطبيعتها هي التي تشق طريقها دون حاجة إلى عبثية المتطفلين عليها.
لذلك كان الصادق في فتواه والقوي في موقفه دون أدنى مجاملة غير ان المأسوف له أن تجد من يجعل من الفتوى فوق ما هو المراد ويسافر بها إلى أبعد المديات غير ضارب لحساب أصعب مما يتوقع .
واليوم والمشهد بات يعود لسابق عهده إلا عند جماعة بعينها ما عسى أن تستفيد ه من الدرس القاسي الذي يتبرأ فيه الأخ من أخيه وهجر الصديق صديقه وبات الفتق أوسع على الراتق.
هل من عودة من جديد إلى واقعية عملية تقوم على أساس المحافظة على حدود المذهب في أنقى صورة وأكثرها صفاء ؟ المرجو ذلك بحق روح شيخنا الكبير علينا جميعاً.