التحامل على الإمام الحسن (ع) هدفه شق صف الموالين
التحامل على ريحانة رسول الله!
ذكرى شهادة الامام الحسن(ع) الامام المظلوم، الامام المسموم، الامام صاحب الظلامة، صاحب القبر المهدوم. الامام الحسن والامام الحسين هما من نورٍ واحد، نورانية الحسن هي نورانية الحسين ونورانية الحسين هي نورانية الحسن، ولا نستطيع ان نقرأ الحسن (ع) في كل جوانب حياته ما لم نقرأ الامام الحسين (ع) من جميع جوانبه، وكذلك الأمر لا نستطيع ان نقرأ الامام الحسين (ع) بنهضته، باهدافه، ما لم نقرأ الامام الحسن (ع) قراءةً كافية، شافية، واعية، الامام الحسين (ع) لأن المشهد الذي ارتبط به مصبوغٌ بلون الدم وللدم حضوره، الصفحات التي تكتب بالدم صفحاتٌ لا يستطيع التاريخ ان يلغيها أو يطويها لأن الدم يعني الديمومة، يعني الخلود، فكيف اذا كان الدم من نحرٍ هو الأقدس في وقته؛ نحر الامام الحسين (ع).
ربما إن تسليط الضوء على المشهد الكربلائي قد سحب جزءاً كبيراً من الضوء الذي كان يفترض ان يسلط على مسيرة الامام الحسن (ع) الجهادية، حتى نجد أن البعض ممن كتب عن الامام الحسن (ع) نعته بنعوتٍ هي غاية في الظلم والجور والتعدي، ربما يلتمس العذر لمن زرع بذرة هذا الأمر، لكن لا ادري الى أي مدى يلتمس العذر لمن يردد تلك المفردات او يثبتها في طيات كتاباته او منطوقاته.
فالإمام الحسن (ع) طارده الظلم منذ أول يوم ابصر فيه مجريات الأحداث بعد وفاة النبي(ص)، ولم تترك له مساحة كافية كي يتنقل في جنبات ذلك المجتمع الذي عاش فيه كما ينبغي بمعنى ان يفرغ عما استودع. نحن نعلم ان الأئمة ^ يولدون وهم في تمام الكمال، لا يعيشون ضرباً من التطور الذي يلتمسه سائر الناس في مسيرهم الصعودي والتكاملي. لا، بل إنهم من نورٍ واحد ومن عالم الانوار، وهُم هُم.
افتراءات على الامام الحسن (ع)
اتهم البعض الامام الحسن (ع) بكثير من القضايا التي لم يكن ثمة مبرر منها الاّ لإحداث صدعٍ في اللحمة الواحدة لاتباع مدرسة اهل البيت ^، فمثلاً اتهم الامام الحسن (ع)في ضمن ما اتهم انه عثماني الهوى، وان ميوله عثمانية، وانه يقف على طرف نقيض مع الامام علي (ع) وهذا الكلام موجود ومدوَّن. صحيح أن بعض الكتاب تناول تلك الاتهامات ايضاً بالنقض، لكن في النتيجة هذا الكلام موجود، حتى قالوا ان الامام علياً امير المؤمنين (ع) دخل ذات يوم على الامام الحسن (ع) وسلم عليه، النص يقول: فالتفت الى ابيه وقال له: لكنك قصّرت في امر فلان يعني الخليفة الثالث، ثم قال للإمام علي (ع) حسب زعمهم: لقد اشركت في دم عثمان! تصوروا أن الامام الحسن يقابل الامام عليّاً بهذا المنطق، كما يدعي هؤلاء. تصوروا الى اين وصل بهم الظلم والجناية التاريخية حتى يدّعوا هذا الادعاء، فما لم يحكّموا ضميرهم حينما تقايض الكلمة والرواية والنص بالعملة المادية، حينها سيكون الامر مشكلاً.
طرق معرفة أهل البيت (ع)
من أراد ان يعرف أهل البيت (ع) كما هم، فعليه ان يلتمس منهم ذلك، فنفس البيت يعرّف عن خصائصه ومميزاته. في حياتنا اليومية، حينما يخطب شخص من جهة معينة او من بيت معين، يسأل عن بيت المخطوبة، فيذهب مثلاً إلى شخصٍ ليسأله عن هذا البيت ما هي خصائصه؟ وما هي مقوّماته؟ وكمثال على ذلك: لابد وأن يسأل من القرية التي تسكن فيها المخطوبة، ثم اذا ما حصلت عند الخاطب القناعة، فلابد بعد ذلك ان يسأل من داخل اُسرتها، حتى تتضح الرؤيا اكثر فأكثر. لذا، فمن اراد ان يتعرّف على أهل البيت(ع)، فالطرق التي تدلّ على ذلك موجودة. وبالطبع، إن الطرق هنا كثيرة؛ منها طريق القرآن وهو صريح وواضح، ومنها طريق أهل البيت (ع) أنفسهم، فهم قدموا لنا ما يكفي لأن يعرّفوا نفسهم للأمة، وهذا هو الطريق الثاني.
أمّا الطريق الثالث فهو طريق الاعداء! والأعداء ايضاً يقعون على قسمين أو ثلاثة أقسام: فقسم منهم متحفظ، وقسم منهم حاقد، والثالث المنصفون منهم الى درجةٍ ما، وليس بشكل مطلق كما لا ينطلي ذلك على أهل الفطنة.
حينما نقرأ القرآن الكريم لم تتعرّض الآيات العامة إلى الامام الحسن(ع) ولكن الامام الحسن هو من ضمن تلك السلسلة النيرة التي تبدأ بمحمد وتمر بهم واحداً بعد واحد؛ من محمد الى محمد حتى تختتم بالخلف الباقي محمد، فإمّا أن نقرأ الامام الحسن (ع) من هذه الجهة او من خلال الرجوع إلى روايات اهل البيت في حق أنفسهم، او نذهب الى اعدائهم؛ الطرف النقيض، فهم كما قلنا على ثلاثة اصناف: صنف حاقد؛ لأن الحاقد لا يرى للامام الحسن (ع) ولا للامام علي (ع) ما يستوجب ان يحتاط في خطابه معه، لذلك سوّلت له نفسه أن يصفه بمذل المؤمنين حاشاه الله، أما القسم الثاني وهو قسم ينأى بنفسه، وكما يُقال اليوم: الدولة الفلانية تنأى بنفسها؛ ليس معناه أنه تكليف لا ديني أو لا شرعي أو لا اجتماعي؛ بل إن هذا تخلص من الواقع، يقولون: الوقوف على التل اسلم، فهو يعلم أن علياً هنا، ومعاوية هنا، لكن الوقوف على التل اسلم! إذاً، فما هو معنى (التكليف)؟ وأين ذهب القول: (الحق مع علي يدور معه حيث ما دار)؟ أين النقيض؟ يقول: لا، إن الوقوف على التل اسلم! وابتُلي الامام الحسن(ع) بهذا الصنف من الناس.
وهناك جماعة أخرى لها شيء من الانصاف، حينما يكتبون يحاولون ان ينصفوا، لكن في الحدود التي لا يكشفون معها عن جميع الاوراق، فهذه الكتابة أو هذا الخطاب المشحون والذي فيه شيء من التعبئة للجمهور سواء كان في الشام او لواحق الشام، اصبح له اثر في بناء نفسيات الجمهور.
جرأة الشامي وعظيم خلق الحسن (ع)
لذلك، حينما يأتي الشامي الى المدينة يتعامل مع الامام الحسن (ع) وفق ذلك المعطى، يتعامل مع اهل البيت (ع) وفق ذلك الزاد الثقافي الذي كان يحمله في تلك المرحلة.
ايها المؤمنون، ايها الأحبة! نحن في فترة زمنية ما عادت تقبل او ترضى للانسان ان يتعاطى مع الاشياء باسترسال، وانما عليه ان يتوقف على اكثر من محطة من اجل التقاط الانفاس لكي يراجع حساباته فتكون لديه نظرة استشراف للقادم، هذا شيء مهم. ولو تخلت الامة عن مشرب التوقف عند محطات الانتظار والمراجعة، واندفعت نحو الاسترسال او في نهج الاسترسال، فسوف تخلف وراءها الكثير من النفايات؛ النفايات التاريخية الثقافية التي يترتب عليها جنايات على الافراد وعلى المجتمعات وعلى الأمة بما هي امة.
من الشواهد على هذا: الشامي الذي جاء ملقماً من ذلك المنبر الذي لا يعرف الا معنى الشحن والتعبئة للجمهور ضد الطرف الآخر، فشاهد الامام الحسن (ع) يوماً في الطريق، فعلم انه الامام الحسن بن علي، وكان للامام الحسن(ع) اشراقة خاصة تميزه عن غيره من الناس، لذلك كان الامام(ع) اذا توقف في الطريق، انقطع الطريق، واذا سار في الركب توقف الركب، يأخذ الناس بمجاميع، فهذا الشامي صار ينال من الامام (ع) وفق الطريقة والنهج والتربية الاموية في الشام، أما الامام الحسن (ع) فكان ذا ادب وخلق رفيع ينمّ عن ادب الرسول الأعظم’ وخُلُقه العظيم؛ وهو ادب السماء، فالقرآن يتجسد، ولا يمكن أن نتصور الإمام الحسن(ع) إلا كقرآن متجسد يمشي على الارض، وهكذا الأمر في باقي الأئمة من أهل البيت^؛ حيث لا يمكن أن نرى أحدهم الا كقرآن متجسد يمشي على الارض، ولا يمكن لنا أيضاً أن نقول ان القرآن بوحده يمثل صورتين بنفس الوقت: الصورة الكاملة الناطقة الحاكية من جهة، ومن جهة اخرى القادرة على محاكاة ما جاء فيه من مفاهيم عالية كمصداق خارجي يمشي على الارض.
هذه الرواية يرويها المبرد وابن عائشة وتنقل بطرق متعددة ان شامياً رأى الامام الحسن (ع) راكباً، فجعل يلعنه والحسن لا يرد؛ ساكت! دعونا نستفيد اليوم من هذه الرواية ونستلهم منها العبر بوقفات سريعة جداً حتى لا نأخذ من وقتكم، تقول الرواية: فلما فرغ الشامي ـ أي: انه افرغ جميع ما لديه من لعن وجهه إلى الامام ـ اقبل الحسن (ع) عليه وضحك ـ لنرى اليوم هل هذا المنطق موجود عندنا حينما يختلف بعضنا عن الآخر في فكرة او مصلحة ما؟ ـ فابتسم الامام الحسن (ع) بوجه ذاك الشامي، ذاك يلعن الامام والامام يقبل عليه ويبتسم في وجهه!
نعم، فالابتسامة في بعض الأحيان مفتاح واكسير لكثير من عقد الحياة، يمكن للانسان أن يوظفه في محله، لكن الانسان احياناً لا يستطيع أن يوظفه حتى مع زوجته، بل هو عبوساً قمطريراً ـ والعياذ بالله ـ حتى مع عياله وأطفاله. والناس عادةً لا تحتمل هذا، فالابتسامة نعمة، والبعض يستحيل ان يفرّط في جزء منها. والبخل لا يقتصر على الامور المادية فقط، والكرم ليس شرطاً أن يتجلّى في الولائم والموائد الفاخرة، ونحن لسنا بحاجة ولائمك أيها الانسان بل نتوقع منك مجرد ابتسامة بوجه اخيك وصدر رحب يتسع إليه، واقبال منك اليه.
فقال له الامام: ايها الشيخ ـ لاحظوا ان الامام لم يقل له: ايها الشامي، بل ابتسم ضحك في وجهه واعطاه وزناً وقيمة واعتباراً ـ اظنك غريباً ـ أي ان ظاهرك لا يدل على انك من اهل المدينة، والا فما الامر؟ ـ قال له: اظنك غريباً ولعلك شبّهت ـ يعني شبّهتني بأحد، ويريد الامام ان يقول له ان الاوارق عندك غير مرتبة فحصل عندك خلط واشتباه ـ فلو استغثتنا اغثناك ـ اتريد مساعدة؟ فنحن مستعدون ولو سألتنا اعطيناك
نحن اناس نوالنا خضل
يرتع فيه الرجاء و الامل
تجود قبل السؤال انفسنا
خوفاً على ماء وجه من يسل
ولو استرشدنا ارشدناك ـ فنحن معالم الطريق، نحن الادلاء على الله، لا تذهب بعيداً وتنأى بنفسك عنا ـ ولو استحملتنا حملناك ـ فانت قادم من بلد بعيد وليس لديك ما يوصلك الى اهلك، ونحن مستعدون لحملك وايصالك إلى مبتغاك ـ وان كنت جائعاً اشبعناك ـ أحياناً اذا جاع احدهم، يحمله جوعه على الكفر، أليس كذلك؟ فاذا جاع كفر، وتوجد عدة شواهد تدل على هذا.
ثم يتابع الامام بقوله: وان كنت عرياناً كسوناك وان كنت محتاجاً اغنيناك ـ فهل جئت من الشام أو من غير بلدك فقيراً؟ فإن كنت كذلك، نحن نتكفل بايصالك إلى بلدك مرة اخرى، لاحظ جود أهل الكرم، فهم اصوله ومنابعه ـ .
وان كنت طريداً آويناك، وان كان لك حاجة قضيناها لك ـ فانت قادم إلى المدينة وقد لا تعريف بيت صاحبك ـ .
فلو حرّكت رحلك الينا وكنت ضيفاً الى وقت ارتحالك، كان اعود عليك لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ـ فأهل البيت هم سادة الدنيا ـ ومالا كبيراً ـ فوقع هذا الشامي طبعاً على قدمي الامام الحسن (ع) يقبّلهما، قائلاً: الله اعلم حيث يجعل رسالته.
نحن اليوم حينما نجلس احياءً لذكرى الامام الحسن أو احد المعصومين(ع)، فالأحرى بنا أن نستفيد من هذه المشاهد ونستلهم منها الدروس والعبر، فنحن بحاجة إلى جميع ذلك، ولا يقلل هذا من اثر الدمعة والثواب عليها، لكن هذا هو المهم، فهذا هو زادهم^، نسأل من الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا واياكم، وان ينفعنا واياكم بهم.
والشاهد من وراء هذا الدرس هو كيفية رد فعل الامام الحسن(ع) مع واحد يلعنه، لنتعلم ما هو الاسلوب الذي يجب أن ننتهجه نحن مع مثل اولئك الاشخاص.