البلاء بين العقاب والعاقبة واعتلاء المراتب العالية

البلاء بين العقاب والعاقبة واعتلاء المراتب العالية

عدد الزوار: 722

2014-02-09

وبين أن البلاء حسب روايات أهل البيت لا يتعدى واحدًا من ثلاثة الأول حصيلة لما تجنيه أيدي الناس من كبائر ما ينهون عنه، ونتيجة لسيئات أعمالهم،  فيحل بهم ما يحل من صنوف البلاء من تفشي الأوبئة ونقص في الأموال والأنفس والثمرات ، مستنداً لقوله تعالى "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"، وأضاف إليها آية الفساد من سورة الروم "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس"

واعتبر أن الصنف الثاني من البلاء هو ما يبرمه القضاء الإلهي الصرف وهو في مراتب منه ما يحل بساحة الظالمين المتجبرين، مؤكداً أن الظلم ليس اسما علما يراد به الطغاة والسلاطين دون غيرهم من الذين يتحكمون برقاب الناس ويتسلطون على أرزاقهم , بل إن الأب وهو أب قد يظلم نفسه حين يتسلط على من يعول، كذلك رب العمل والواعظ والمرشد، وكل من يطلق عليه راعٍ وتحت راحتيه من يُسأل عن مسؤوليتهم إن قليلاً أو كثيراً, فإن قام بدوره كان محسناً وإن قصر كان مسيئاً، فكل له وزر يتأبطه بين ذراعيه أو يعكفه فوق ظهره.

وابتغى سماحته من كل ذلك أن يأخذ الإنسان العبرة والعظة، وأن يحذر من النهايات الزلقة ففرعون أُبقي جسده تذكرة لأصحاب العقول كأكبر شاهد على انتقام الله من المتجبرين مهما عتو طغياناً وجوراً.  

وأوضح في شرحه للآية الكريمة "كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون" أن هنالك فسق وجور وتعدي وانتهاك و مصادرة للحريات منها ما يتخذ قوالب تتعدد وتتشكل كل بحسبه وهي أمور قد تصدر من طبقة المؤمنين، فقد يضرب الأب ابنه تأديباً لمصلحة نفسه، وقد يتعداه إلى التشفي فيتسبب له بعاهة من كسر أو احمرار أو زرقة، والحال كذلك مع الزوجة التي قد تنتهك حرمتها فيحاورها صفعاً بيده و يقذفها بحمم من آفات لسانه ويطولها بالضرب ويسكتها بالشتم ويشبعها ضيماً و قهراً. مبيناً سماحته أنه قد يتغلب الموروث الجاهلي فيتناسى الناس الشريعة المحمدية السمحاء  فتسحق المرأة وتصادر حقوقها ويتمادى الزوج فيظلم ويتعسف ويتطرف بحجة القوامة التي لم يسافر في معناها، ولم يعِ منها غير التسلط والسيادة.

وجاء حديث سماحته المفصل عن البلاء وصنوفه، تذكيراً لما مُنيَ به الإمام الحسن العسكري من بلاءات شديدة،  في مصادفة ذكرى ميلاده الأنور، وقد أفرده أعداء الله بكثير من التضييق والمحن الصعاب والتعدي عليه حياً وميتاً إلى يومنا هذا ما جعله الأكثر عرضة للأذى عليه السلام من بين سائر آبائه الأكارم، حتى جاء على لسانه أنه ما مني أحد كما مني هو في حياته، لدرجة تبلغ به أن يكتب إلى بعض شيعته يأمرهم بألا يسلمن عليه أحد ولا يشير إليه بيده ولا يومئ، فإنهم لا يأمنون على أنفسهم ".

وانطلق سماحته من العسكري يتحدث عن أمه الزهراء التي نشهد قريباً الذكرى الأولى لاستشهادها، معلناً أنها

 مدرسةٌ إلهية بما تحمل الكلمة من معنى، وأن علينا ألا  نضيق عطاءها بل نحافظ على حرارة المأساة وجميع الخطوط المتقاطعة فيما جرى عليها سلام الله عليها ولا نتنازل عنه قيد أنملة، مستطرداً أن مصابها وإن كان فجيعة وجريمة لا تغتفر البته إلا أنه لا يمكن أن نحصر الزهراء في مصيبة ودموع، وفي حياتها ما يفيض بالعطاء و أنه لو تحتذي البشرية بها لما احتاجت لمن يصونها أو يصول عنها. وأن الزهراء تعني فيما تعني في مشيتها وفي قيامها وقعودها وفي إعراضها و اعتراضها وفي استدلالها و منطقها "محمد" صلى الله عليه وآله وتحكي من النبي نبوته التي هي منطق السماء على الأرض، وتحكي علياً عليه السلام  في تمظهره بالحق الذي  يدور معه حيث دار, مؤكدا أنها ضحت بما ضحت وقامت بما قامت من دور كي نعيشها بالحيثية التي أرادتها هي لا ما نريد نحن, وأنه من المهم الأهم أن نسلط على معارفهم ومعطياتهم عليهم السلام من أهل بيت لا ينطقون عن الهوى.

وعوداً على ذي بدء فقد أشار سماحته إلى أن هناك ابتلااءات تصيب شريحة مخصوصة من البشر لا تتعدى أصفياء الله من الأنبياء والأولياء يبتليهم الله بأشد ابتلاءاته ليرتقي بهم في المراتب التي خصصها لهم. وقد خصّ سيد الشهداء بمرتبته العظمى التي لم  ينلها إلا بدمائه ودماء خيرة الله في أرضه, فبالابتلاء أصبح الإمام الحسين سيد الشهداء وسفينة النجاة وقدوة ونبراس تهتدي به الأجيال تلو الأجيال.

ونوه سماحته أن تكليف الموالي تجاه الإمام الحسين لا ينتهي بحضور المجالس ولا تجزِ عنه الزيارة و اللطم والبكاء

فمن أراد أن يقرأ الأنبياء والرسل فليقرأ حسيناً. فهو المصلح الذي لولا نهضته المباركة لضاعت جهودهم سدى ولساد الظلم وتربعت الشياطين على المنابر والمحاريب والكنائس ولصدحت المنائر بالأغاني والأهازيج.

فجاد بنفسه، والجود بالنفس أقصى غاية الجود. كان خروجه عن هدف سامي ضحى من أجله بكل غال ونفيس وجاد بدمه ودماء الأطهار من بنيه وأبناء ذويه وخلانه, جاء بزينب الكبرى  جذوة الإيمان ورابط النبوة والإمامة، التي لو جردت قضية كربلاء من وجودها لما بقي من ثورة الإمام عيناً ولا أثرا، واسترسل يتساءل منذا الذي قارع الظالمين الذين ولغت أيديهم في دماء الطاهرين غير زينب ابنة أمها  سلام الله عليها من سافر بمبدئها  من نشر ظلامتها؟؟