آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي
لقد كان لموعد الصلاة خلفه عند طلبة العلوم الدينية في صحن السيدة الطاهرة المعصومة طعمها الخاص.
حيث القداسة تلقي بظلها الوارف على محي الخاشعين من خلفه.
لعل الزائر للضريح الطاهر يضع على رأس أولويات زيارته شرف الصلاة جماعة ضمن صفوف المؤمنين من خلفه. مع إلقاء نظرة على محي وجهه المشرق بنور الإيمان الصادق والعبادة الخالصة.
يتساوى في ذلك الفلاح الكادح والفقيه المسلم الكل يعيشون نفس الشعور وعين الاحساس لذلك ترك رحيله فراغاً ظاهراً وبيناً في العبادة ذات البعد الروحي.
وأما حلقات درسه فهي الحلقات التي أبت إلا أن ترسم لها لوناً خاصاً من ألوان التفرد فحُضَار درسه طبقات متفاوتة.
حيث يوجد من يحضر ليتشرف بعد أن بات مجتهداً مسلماً, وبعض وجد ضالته المنشودة حيث الخبرة المتجذرة تفرض نفسها على قسمات بحثه, وبعض نظر إلى ضرب الاختصاص حيث الترجمة تقف عوناً وظهيراً لعلم الرجال العمدة في قبول النص الديني ورفضه وما من أحد إلا يُسلم له باليد الطولى فيه والقدم الثابتة.
وآخرون ممن وجدوا في محضر درسه بركة العلماء وسيرة الكبار فلازموه ملازمة المستفيد من هديه وكريم أخلاقه.
وعندما كان الناس يعيشون حالة من الضائقة كان بالنسبة لهم الدواء الناجع في ذلك.
وأتذكر أول مرة ألقيت من خلالها نظرتي الأولى على صفحة محياه عندما كنت في مدينة قم المقدسة زائراً قبل انتصار الثورة . وعلى ما أتذكر أن حركة الجماهير كانت تتخذ من محضر صلاته انطلاقتها الأولى وحراكها الواسع.
ولازلت أتذكر واقع المسيل للدموع و أحياناً أصوات الرصاص الذي كان يتمازج مع هتاف الآلاف من الحناجر الغاضبة . مع أوراق تملأ الساحات فيها من عبائر الرفض والتحدي الشيء الكثير لنظام كان يعد أيامه الأخيرة .
وبعد إشراقة كل يوم جديد كانت الأخبار تنتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم عن قتيل هنا وجريح هناك مع أعداد وفيرة من المحتجزين . ومع حلول المساء كان المشهد يعود من جديد وكأن شيئاً لم يحدث قبل ليلة واحدة والمكان نفسه والزمان هو الزمان.
وشاءت الأقدار أن انخرط في السلك الحوزوي لاجد نفسي وجهاً لوجه أمام تلك الإشراقة الملكوتية . وذلك عندما أردت اعتمار العمامة وذلك سنة 1405هـ.
ولا أنسى ارباته على كتفي بكفه الحانية المرشدة "الطريق طويل والصبر مفتاح الفرج" بهذه الكلمات رسم في معالم ما كنت أصبوا إليه.
نظرة واحدة إلى وجهه المشرق بالإيمان كفيلة في أن تغادر بك من عالم المادة المتعلق بالعنت إلى عالم التجرد الروحي حيث أبعد الآفاق فيما لا عين رأت.
للسيد المرعشي قوة جذب روحي كبيرة لا يتوفر عليها الكثير من أولئك الذين قضوا الكثير من أعمارهم بحثاً ومجاهدة.
لقد كان وبكل حق مستحق يمثل في هديه وسلوكه سلفاً صالحاً مبارك ,لعلك لا تجد من يمثله خير تمثيل إلا هذا الإنسان العظيم في جوهره المتواضع في سيرته.
لقد كان ليوم التعمم على يديه بالغ الأثر على نفسي حيث وجدت فيه خيمة وارفة ظلالها.
قلب عطوف ينبض بكل الحب لطلاب العلوم الدينية . يُخجل الإنسان تواضعه الكبير وحبه الصادق الذي تعبرعنه بعض مفردات تجري على لسانه الرطب بذكر الله كثيراً.
ولد في مدينة مشرفة هي النجف الأشرف وتلقى معارفه فيها على أيدي الجهابذة من أعلامها في مقدمتهم مؤسس الحوزة القمية الشيخ الحائري وعلامة الأصول الميرزا النائيني.
برع في الكثير من العلوم حتى الغريبة منها. وعندما حط رحله في مدينة العلم والحكمة قم المقدسة عرض مخزونه العلمي على أجلاء فضلائها من بحثة الخارج ومجلسه الخاص.
رسم معالم التخصص داخل أروقة الحوزة عملياً بعيداً عن الضوضاء المفرطة عندما اعتنى ببعض مُريديه وتلامذته في بعض العلوم الخاصه كالهيئة والحساب والطب والأنساب. وقد تخرج عليه جمع منهم .
أما مكتبته الخاصة فهي الدليل القاطع على ولعه بالعلم والمعرفة حيث تضم اليوم بين جنباتها نوادر المخطوطات.
التحق بالرفيق الأعلى بعد رجوعه من إمامة الجماعة في صحن السيدة الجليلة المعصومة فاطمة بنت الإمام الكاظم.
حيث صدم الناس المؤمنون بنباء نعيه المفجع فهرع الناس وثبة واحدة بين صارخ ونادب ومصدوم بفداحة الخطب وذلك سنة 1411هـ ودفن في مبنى المكتبة العامة.
لذلك فلا وجه للاستغراب في أن تتاح لي فرصة رثائه بل ربما يعد ذلك من الدين الواجب رده . كيف لا وقد أقرضني ديناً ثقيلاً لا توفيه كلمات كهذه ولكنها بضاعة المقل.