نص كلمة في الشهارين بعنوان: الجانب الآخر لزينب عليها السلام

نص كلمة في الشهارين بعنوان: الجانب الآخر لزينب عليها السلام

عدد الزوار: 525

2014-05-25

الجانب المكاني والزماني في حياة زينب سلام الله عليها

زينب (سلام الله عليها) لها من خصائص الكمال ما يقدمها ويميزها على الكثير من النساء، أحد الاسباب في ذلك البيئة الطيبة التي عاشت فيها، وتلك المساحة التي شغلتها فيها من الخصائص ما لا يمكن أن يكون إلا لهذا البيت، فلو وضعنا يدنا، أو جعلنا منطلقنا من خلال بيتها التي عاشت فيه، نجد أن هذا البيت مميزا في كل جوانبه وفي كل أبعاده الزمانية والمكانية؛ أما من حيث المكان سواءٌ قرأت هذا البيت في مكة فلبيت بني هاشم التقدم والسؤدد والقيادة والريادة فعليهم ينزل الضيف واليهم يلوذ الخائف وما إلى ذلك من الأمور، هذه السمات كانوا يتمتعون بها متمثلة في عبدالمطلب ومن جاء له من الأبناء. أما من حيث المكان أيضا مكة، مكة بما لها من الخصوصية بحيث سمت في مقاماتها وارتقاءاتها بعد ان شرفها الله ببيته الحرام أن جعلها منطلق الرسالة ومهبط الملائكة وجعل منها أيضاً الفتح الأكبر في معطيات هذه الرسالة في يوم الفتح  ﴿اِذا جاءَ نَصرُ الله و الفَتح[2] الا إن هذه المدينة ضغطت وقست على أهل هذا البيت إلا أنها لم تكن تلك القسوة التي صبت على أهل بيت النبي (ص) وليدة الجو العام، حتى التي كانت في شعب أبي طالب، وإنما كانت وليدة ذوات معينة أخذت على عاتقها محاربة النبي، منابذة النبي، محاربة الرسالة لكن السمو تم واستمر واستقر بمولد الامام علي عليه السلام الذي مر علينا وعليكم ذكرى ولادته الشريفة، هذا السمو وهو أن يوضع الوليد الذي هو أفضل البشر بعد سيد البشر محمد (ص) في قلب الكعبة وفوق الرخامة الحمراء التي وضعت يد القدرة عليها فان في هذا دلالة واضحة على ان هذه المدينة لها من الخصوصية والتقدم على غيرها من سائر المدن، نور إلهي تام، البيت الحرام، ونور علوي مشتق من ذلك النور وهو نور النبي الأعظم محمد (ص).

 

الجانب الزماني

 وأما الزمان فهو زمن الرسالة ولا إشكال أن زمن الرسالة هو من اشرف وأقدس واطهر الأزمنة، لماذا؟ لأنه شرّف بنور الحق، نور الرسالة، نور النبي محمد (ص)، بعده انفصل النور عن النور، بقي نور الإمامة وغاب نور النبوة فتصورا زمنا ينور بأنوار هذين العظيمين؛ النبي محمد (ص) والمولى علي عليه السلام. زينب الكبرى (سلام الله عليها) ولدت في بيت النبوة، البيت الذي كان يشرع ويسوس ويقود الوضع من حوله في داخل مكة قبل الرسالة، ولما امتنّ الله على ذلك المجتمع بالرسالة على يد النبي (ص) فان تأصيل الرسالة كان في مكة وتم فيها، هذه السيدة الجليلة أبصرت النور في المدينة المنورة، أبصرت النور في بيت التقى، في بيت العبادة، في بيت الزهد في بيت الصبر، في بيت الاستقامة، في بيت الشجاعة المنقطعة النظير، في بيت البلاغة والفصاحة الا متناهية لذلك تجد مجموع هذه الصفات الكبيرة جدا جداً تتجسد في هذه الإنسانة العظيمة الجليلة الكبيرة.

من أهم النعوت التي ينعتون بها زينب (سلام الله عليها) أنها قصيرة النسب، لا يحتاج أحد حينما يريد ان يعرف زينب (سلام الله عليها) ان يستدرج عشرة او عشرين من أجدادها، وإنما يكفيك أن تقول: زينب بنت علي وكفى، أو تقول: زينب بنت فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وكفى، أو تقول هي بنت النبي (ص) أيضاً كفاها، وكفاك ان تقول انها أخت الحسن والحسين. اين يجد المرء امرأة جدها معصوم، أمها معصومة، أبوها معصوم، إخوتها معصومين، أين تجد هذا؟ لذلك لا يستغرب الإنسان منا لما قامت به هذه السيدة الجليلة من ادوار لولا هذه الأدوار لغابت كثير من المعالم العظيمة التي نعيشها.

شذرات من حياة زينب سلام الله عليها

لولا زينب في كربلاء لما عبرت كربلاء التاريخ، ولولا زينب في الكوفة، لما استطاع احد أن يعري مقام الخلافة المسروقة، ولولا زينب (سلام الله عليها) في الشام من عساه ان يقول أو ينبت ببنت شفة او بحرف واحد بوجه ذلك الطاغية الأرعن، زينب (سلام الله عليها) تخاطب ذلك الطاغوت المتفرعن وتقول له بكل قوة: «كد كيدك، واجهد جهدك، فو الله الذي شرفنا بالوحي والكتاب، والنبوة والانتخاب، لا تدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا»[3] كد كيدك اسعى سعيك الا انك لا تتمكن ان تمحو ذكرنا وذكرنا سوف يبقى وهذا الأمر بالفعل حدث. انتم لو جردتم حادثة كربلاء من زينب سلام الله عليها وقرأتم كربلاء بغض النظر عن التضحية والدم والقهر والبكاء الدائم فان الجنبة الإعلامية لحادثة كربلاء قامت بأعبائها زينب (سلام الله عليها) تلك المرآة الصافية. كلمات الحسين بيانات الحسين، روتها زينب، فزينب لم تكن تلك المرأة الضعيفة المستكينة التي لا حول لها ولا قوة كما يحاول البعض ان يسوغ لنا مشروع زينب بهذه الطريقة لا ابدا، أصلاً لو كانت زينب فقط في ضمن هذه الدائرة لما اصطحبها الإمام الحسين عليه السلام معه إلى كربلاء، الإمام الحسين يعلم أن القتل يحصل، والسبي يحصل، والأسر يحصل، وإحراق الخيام يحصل، ورضّ الصدور يحصل، لكن هذه المرحلة تحتاج الى من يكمل دورها، الذي يكمل به الدور هو زينب. لو أردنا ان نقرأ زينب (سلام الله عليها) بانها تلك المرأة المكسورة التي لا تعرف إلاّ البكاء كيف كان لها ان تنهض بأعباء المسلمين لا يمكن هذا أبدا، انظروا الى عظمة زينب عند مقتل الإمام الحسين تضع يدها تحت ظهره وتناجي ربها قائلة: الهي ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى. قمة التسليم، التسليم لا يحصل بسهولة، انظروا الى حياتنا اليومية حينما يمرض لنا طفل نصبح في عالم ثاني، عندما نخسر ريالين الى أين نذهب، لما نفقد عزيز لا ندري كيف نتصرف، الا ان سيدتنا زينب تقول: اللهم ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى والمقتول هنا ليس إنسان عادي، بل المقتول هو سيد الكون في الكون في وجوده رغم ذلك تجري هذا الترتيب، وهل ينتهي المشوار بهذا؟ لا انظر الى كلامها مع ابن زياد، وانظر الى كلامها مع يزيد بن معاوية، وحتى عندما رجعت إلى الكوفة لم ترجع وكأنها تلك المرأة المنكسرة أبداً كانت شامخة ودخلت إلى المدينة وأحدثت في المدينة ما أحدثت من الضجة، الضجة الموجهة في قبالة الوالي في داخل المدينة لذلك مسألة دخول بشر بن حذلم إلى داخل المدينة لم تكن عملية عبثية وإنما كان الإرادة منها إعلان للتجمهر العام وإعلان الرفض لما حصل في كربلاء وإلا الأمور مبيتة في المدينة، على ان الحسين خرج على كذا وقتل بكذا الجو كان هو هذا، بقية الصحابة كانوا يرون هذا المعنى يتحدثون في هذا المجال الا ان زينب (سلام الله عليها) تأتي وتعري الأول والآخر. جابر بن عبد الله الانصاري يسوق كلام المعصوم: قتل الحسين فادمعي مدرار. البكاء في تلك المرحلة كان بكاءً على الإمام الحسين من جهة، وإعلان الرفض من جهة أخرى وهي المهم وهي الأهم، لذلك لاحظ أن زينب (سلام الله عليها) فور ما استقرت في بيتها واستقبلت الوفود من المعزين لها ابلغتهم الرسالة، الا ان التاريخ لم يعطينا ما ينبغي ولم ينقل لنا ما يجب ان ينقل من كلام لزينب في بيان ما جرى عليها، لان الذين كانوا يأتون إلى زينب (سلام الله عليها) في المدينة بعد أن وصلت ما كانوا يأتون فقط من اجل البكاء والمواساة وان كان هذا حسن في ذاته ومطلوب، لكن كانوا قد جاؤوا ليستفهموا منها، ليستنطقوا منها حقيقة الأمر، الإعلام الأموي من الخبث كان بمقدوره ان يقلب الكثير من الحقائق، ومن الطبيعي ان زينب (سلام الله عليها) باعتبارها المسؤولة، ملزمة في ان ترفع الغطاء عن تلك الألاعيب الأموية التي حاولت ان تجعل من الإمام الحسين إنسان خارجي، خرج على إمام زمانه فقتل، فكانت زينب تقول لا المسألة ليست في هذا الجانب، لذلك فتحت من بيتها داراً لتعليم العلوم القرآنية وهذه من الشذرات التي لا تطرق أسماعنا في الكثير من المحافل مع شديد الأسف، زينب لها بصمة في مدرسة التفسير، أيضاً زينب (سلام الله عليها) تعتبر أول امرأة وضعت حجر أساس لجمعية خيرية عرفها المجتمع الإسلامي هذا الامر أيضا لم يسلط التاريخ الضوء عليه فلا يوجد احد يخبرنا ويقول لنا هذا الامر ويوضحه لنا، لماذا لا نسمع و لا نقرأ الصفحات المورقة في حيات زينب (سلام الله عليها)؟ زينب (سلام الله عليها) عندما استقرت في المدينة كانت الواسطة بين المعصوم وأبناء الأمة، لأن الإمام علي بن الحسين عليه السلام كان مراقب، مراقبة لصيقة فكانت الفتاوى والآراء والتوجيهات تخرج بواسطة هذه السيدة الجليلة (سلام الله عليها).

أسباب رجوعها الى الشام وشهادتها

لما ضج الوالي من وجود السيدة (سلام الله عليها) أوعز للشرطة من حوله والمنقادين له والراكبين في ركابه والمستفيدين من عطاءه في التضييق على زينب هنالك احتمالان: الاحتمال الأول أن زينب (سلام الله عليها) تعرضت لما تعرضت إليه أمها (سلام الله عليها) اي قيل لها: إما أن تبكي على المولى ليلاً وإما أن تبكيه نهارا، فأخرجت من المدينة إلى طرف البقيع كي تبكي، وهي سلام الله عليها حينما تبكي في الحقيقة هي تبكي على واقع الأمة، الواقع المريض المأساوي. أيضاً زينب (سلام الله عليها) أريد لها أن لا تبقى في المدينة كي لا تدوم هذه الصرخة وتنسى واقعة الطف، الا ان زينب (سلام الله عليها) تنكث جراحهم ليس جراح الطف بل جراح الطرف الآخر كانوا يخشون موقف زينب (سلام الله عليها) أوعزوا الى عبدالله بن جعفر أن ينتقل معها إلى الشام حيث كانت له ضيعة او شيء في الشام فانتقل معها إلى هناك، هذا على رواية، رواية أخرى تقول انهم عندما ضاقوا بها ذرعاً دسوا لها سما وهذا ليس مستبعد أن تسم مثل هذه المرأة، لأنها كانت لسان امها الزهراء (سلام الله عليها) بعد غيابها. الطاغي يقول عن زينب بانها كانت تفرغ عن لسان أبيها، يعني هي لسان المولى علي (سلام الله عليها).

اللهم ارزقنا وجميع الحاضرين شرف الوصول إليها، اللهم فك الأسر عنها، السيدة الجليلة اسرت من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام ايضا تعود مأسورة الى الشام هذا دوران التاريخ يعني لعبة القدر في هذا الجانب. نسأل من الله سبحانه وتعالى أن يحفظ مقامها الشريف وان يبلغنا وإياكم شرف الوصول إليها وان يجعلنا من المنفتحين على حياة زينب في أكثر من بعد من أبعادها. وفقنا الله وإياكم لكل خير رحم الله موتانا وموتاكم.