نص كلمة بعنوان: ميلاد نبي الرحمة يجمع القلوب على الحق

نص كلمة بعنوان: ميلاد نبي الرحمة يجمع القلوب على الحق

عدد الزوار: 497

2014-01-28

ولادة الرسول الكريم (ص)، دروس وعبر

ولد النبي في مكة المكرمة أم القرى وفيها قضى الشطر الأكبر من عمره الشريف وفيها نزل على قلبه الروح الأمين وفيها نُبئ النبي (ص) وبعث رحمةً للعالمين في مجتمع تسود أوضاعه الطبقية، مجتمع تنهك أوصاله الكثير من النوازع، للحروب نصيب، للفقر نصيب، وللطبقية فعلها الأمضى في إرساء ذلك النبي (ص) بدأ رسالته سراً حتى ما اشتدت القاعدة بين المسلمين وترابطت جوانبها أمر بأن يعلن الرسالة فخرج النبي (ص) إلى الصفا ودعا عموم أهل مكة إلى الإسلام وما كان الطلب من السعة بمكان بقدر ما فيه من العمق والتوجيه المباشر(قولوا لا اله إلا الله تفلحوا)[1] هذه الكلمة المختصرة تختصر المسافات وتجمع بين نثار الفروع لذلك كان الرد حاسماً ومباشراً من عتاة قريش تجسد ذلك الموقف فيما صدر عن أبي لهب عم النبي (ص) إذ اخذ بيده حجرا وصك به جبين النبي[2] بطبيعة الحال إنسان يدعو الناس الى الخير، يدعو الناس الى المحبة، يدعو الناس الى التعاون، يدعو الناس الى الألفة، يدعو الناس الى إسقاط مدارج الطبقية التي تأسس على أساس منها نظام الرق ويجد هذا الرد، بطبيعة الحال يحزن وحزن النبي (ص) لم يكن على ما جرى عليه شخصيا بقدر ما كان على تلك الأمة التي لم تتلقى الرسالة كما ينبغي. الأمين جبرائيل هبط على قلب النبي مطمئناً له ومهدّأً من روعه بسورة كاملة تجسد الموقف حتى يبقى ثابتاً في الذاكرة ويعطي درسا مطمئنا لكل من يحمل لواء الاصلاح في وسط الأمة {تَبَّت يَدا اَبى لَهَبٍ و تَبّ}[3] طبعا هذا التب وهو القاطع ليس فقط وفقط موجهاً لأبي لهب وانما هو امر موجه لكل من يعترض طريق المصلحين عبر التاريخ.

نهاية العتاة الطغاة عبرة لمن أعتبر

 ونحن عندما نقرأ الشواهد تساعدنا على نفسها واستحضارها من قبيل وكلكم عشتم هذه الأحداث ولا اقل المعظم كان طاغية العراق عمل الهوائل وانزل النكبات واستأصل شأفة الحوزة عندما تقصّد رموزها من المراجع وعندما تقصّد رموزها من المؤلفين والخطباء بين قتل وسجن ونفي ومتابعة فما كانت النهاية؟ النهاية كما رآها العالم بأسره عاقبة السوء سوء بحيث عندما تم إلقاء القبض على هذا الطاغية وهي عبرة لمن يعتبر وان كان ما اكثر العبر واقل الاعتبار كما يقول امير المؤمنين علي عليه السلام[4] عندما القي القبض عليه تلفظ بكلمات نابية على الذين دخلوا عليه في السرداب وكان من ضمنهم موفق الربيعي وهذه شخصية معروفة وسأله سؤال واحد قال له: لماذا فعلت ما فعلت بالسيد الشهيد الصدر الاول ؟ فقال له: أي صدر وأي رجول تتكلم عنها ـ أي اقدام ـ لكن عبارته كانت هي رجول (أي ارجل) تتكلم عنها!؟ الطاغوت يبقى طاغوت ولو كان في اسوء حالاته فما كان من موفق الربيعي الا أن رفع قدمه ووضع حذاءه على وجه هذه الطاغية. هذه عاقبة السوء الله سبحانه وتعالى لامثال هؤلاء الطغاة بالمرصاد سواء طال الزمان أو قصر.

النبي الأعظم (ص) زرع روح التعاون بين أبناء المجتمع

لذلك النبي (ص) اندفع في رسالته حتى جاء عام الفتح وفتحت مكة واذا { اِذا جاءَ نَصرُ الله و الفَتح ٭ ورَاَيتَ النّاسَ يَدخُلونَ فى دينِ الله اَفواجا}[5] الى آخر السورة بعد ان كانت مكة مصدر الإزعاج ومنطلق الحروب مع النبي لكن هذه المدينة بالنتيجة فتحت وبفتحها فتح على الاسلام فتح كبير، بعد هذا الفتح النبي (ص) عمد الى عمل مهم وقلّما يسلط الضوء عليه ألا وهو زرع روح التعاون بين أبناء المجتمع الاسلامي المجتمع المسلم، لأن الاسلام دخل في مجتمع متعدد الأطياف حيث كان فيه العربي، فيه الحبشي، فيه الفارسي، فيه الرومي، أيضاً فيه الغني، فيه الفقير، فيه طبقة أسياد وفيه طبقة ارقاء، فيه المهاجر وفيه الانصاري، فيه من حظي بشرف المساهمة في ملحمة بدر الكبرى فيها من حرم من ذلك« النبي (ص) بعد أن ثبت قواعد الاسلام وأسس للأخوّة بين المسلمين تحرك في زرع هذا الجانب في وسط الأمة ألا وهي الروح الجماعية على حساب الروح الفردية لماذا؟ لأن روح الجماعة تدفع في اتجاه التعاون فيما بينهم على العكس من ذلك الروح الفردية فانها تنزع لهدم ما يؤمل أن يكون هو السائد ألا وهو الاجتماع والالفة. المجتمعات تبدأ صغيرة ثم تكبر بدء المسار يمكن أن يساس بالعقلية الفردية ولكن مع تقدم المجتمع وتقاطع الخطوط فيما بينها العمل الفردي لا يؤدي غرضاً ولا يجسّد المفاهيم الكبرى التي أصّل لها النبي على نحو المصاديق في الخارج لذلك جاءت النزعة الاجتماعية، انصهار الانسان في المجتمع يعني بناء مؤسسة تدلل على أن ذلك الاجتماع لم يكن عبثياً لذلك تشكلت مجموعة من المؤسسات التي تعنى بشأن الانسان المسلم سواء كان ذكراً أو أنثى، كبيراً أم صغيرا،ً حراً كان أو عبدا،ً في المدينة المنورة كان هذا الامر ثم انبسط على سائر الانصار لكن هذا لم يلغي ما للروح الفردية من اثر في هدم البناء.

الرسول الكريم (ص) يشدد على الروح الجماعية في مقابل الأنانية

 لذلك النبي (ص) كثيرا ما كان يشدد على أن هذه الروح لا ينبغي أن تحظى بمساحة تتمدد من خلالها على حساب المجتمع على حساب الروح الجماعية، في حياتنا نحن يفترض أيضاً أن نترك لروح الجماعة مساحتها لتحدث ما يؤمّل المجتمع من وراء اجتماع تلك الروح أو الأرواح التي تشكل مجتمعاً، أحياناً يندفع جماعة في سبيل تحصيل ذلك الغرض ويوفقون بادئ ذي بدء ولكن لان هذه الجماعة لا تلتفت الى أن الروح الواحدة الفردية في تكوينها قد توجد لها موطأ قدم حال أنها في النسيج العام تحدث خللاً وهذا محسوس وملموس، مؤسسات مدنية تعنى بالشأن الخاص، مؤسسات مدنية تعنى بالشأن العام، يسلط الضوء عليها، تحظى ببريق عام، أياديها تمتد هنا وهناك لكن فترة من الزمن ثم تنهار أين يكمن الخلل؟ يكمن الخلل أن الروح الفردية أحدثت انقلاباً على الروح الجمعي من الداخل ودونكم كثير من المشاريع التي يفترض ان يكتب لها البقاء؛ لأنها تؤدي غرضا مدنيا وانسانياً واضحا وبينا حال أنها لا تحظى بصفة الديمومة لماذا؟ لأن الروح الفردية تمكنت من الجماعة وأحدثت الخلل في أوساطهم. النبي (ص) كان يكرر هذه الآية على مسامعهم أي المسلمين [6] يقول لهم: انني خلال فترة معكم وبين ظهرانيكم، لكن بعد فترة سوف أذهب عنكم، تمسكوا أنتم بالمبادئ، تمسكوا بالاصول، تمسكوا بالقيم، الخلود لم يكتب الا لمن بيده الخلود وهو الله سبحانه وتعالى {و ما مُحَمَّدٌ اِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ} سوف لا يأتيكم رسول بعد ذلك  {اَفَاِن ماتَ اَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلىٰ اَعقـٰبِكُم} كان يحدث المجتمع بمدى تأثير النفسية الفردية وما لها من اثر في الجمع لذلك قد يقول قائل: انا لا أتصور بناء ثلاث وعشرين سنة يتهدم من خلال شخص أو شخصين! نقول له: ولم لا؟ أصلاً يتصور الانسان احياناً أن الجماعة هي واقعاً جماعة في حال انها ليست جماعة بل هي جماعة ذئاب والعياذ بالله والقرآن أيضاً ينبه عن هذا المعنى {تَحسَبُهُم جَميعًا و قُلوبُهُم شَتّىٰ}[7] فهذه الروح الفردية والنزعة كانت موجودة لذلك ما ان غاب هذا الرسول المرسل بالرحمة العامة للعالمين الا حصل ما حصل؛ انقلبت المفاهيم، تحولت الأخوة الى عداوة فيما بينهم، تحولت المحبة الى بغضاء، تحولت المشاريع العامة الى املاك شخصية، عاد المجتمع الى الوراء خلال ايام معدودة! لماذا؟ لان الانقلاب معنوي قبل ان يكون انقلاب ماديا، انقلاب على الاساس الذي به يمكن ان يحفظ للاسلام ما له من القوة ألا وهي الإمامة فنسأل من الله سبحانه ونحن نعيش ذكرى مولد النبي (ص) في هذه الايام المنورة بأنواره أن نهتدي بهديه كما أراد {لَقَد كانَ لَكُم فى رَسولِ الله اُسوَةٌ حَسَنَةٌ}[8] إذا لم نقتدي بالرسول فبمن نقتدي اذن؟ مناسبة المولد ليست فقط من اجل أن نضيء المكان ومن اجل أن نجتمع في المكان ومن اجل أن نعلي الصلوات وهو حسن في حسن في حسن وثوابه لا يحصيه الا الله بل أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة هو الصلاة على محمد وآل محمد كما تقول الروايات[9]  لكن حيات النبي كلها دروس وعبر. وقد صح النص الصادر من أمير المؤمنين علي عليه السلام (يد الله مع الجماعة)10] اجتماعنا اليوم وتعاوننا مصداق للجماعة التي تحضى بتأييد وتوفيق من الله سبحانه وتعالى والتفكك الذي يحدث في داخل الأسر ما هو الا انقلاب، ارتجاع، نكسة، تخلي عن الثوابت، ابتعاد عن مداليل القرآن، تنكر لهدي السنة وعلى هذا فقس ما سواه...

 جمع الله بيننا وبينكم على قلب واحد على حب محمد وآل محمد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته