نص كلمة بعنوان:قبسات من مظاهر عظمة إمام المتقين عليه السلام

نص كلمة بعنوان:قبسات من مظاهر عظمة إمام المتقين عليه السلام

عدد الزوار: 451

2013-03-18

في الحديث الشريف عنهم (ع) عن جدهم المصطفى (ص): «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار»([2]).

ما انفك النبي (ص) من أن كان في مكة والرسالة لم تزل في مهدها، إلى أن قرب التحاقه بالرفيق الأعلى، يؤكِّد ما لعلي (ع) من قيمة سامية بالنسبة لهذا الدين الحنيف الخاتم لجميع الرسالات.

ويمكن للمرء أن يقرأ علياً (ع) عدة قراءات:

القراءة الأولى: قراءة السماء، فهو النبأ العظيم، قال تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُوْنَ ~ عَنِ النَّبَأ العَظِيْمِ([3])، فالروايات في مدرسة أهل البيت (ع) تعطينا بياناً شافياً لمدلول النبأ العظيم في الآية الشريفة، الذي يعني بالمطابقة علياً (ع) .

ومن خلال الرسالة المتمثلة بنبي الرحمة (ص) نجد أن الروايات من الكثرة بمكان، منها ما هو من طريق العامة، ومنها ما هو من طريق الخاصة، وقد تواترت واتفقت على ما لعلي (ع) من التقدم في عين الله.

والرواية التلي تلوتها مستفتحاً بها الكلام فيها بينة على هذا المدعى.

أما من خلال روايات أهل البيت (ع) فحدِّث ولا حرج، بل حتى في حديث علي (ع) عن نفسه فيما تستوجبه الضرورة من بيانٍ لحقيقة الحال لرفع جهالة في موطن، أو اكتساب حق أصّلت له السماء، أو لدفع مظلمة يراد لها أن توجَّه إليه أو إلى أحد من أطراف المنظومة الإسلامية، يشير إلى أنه مفردة متميزة بين تلك المفردات من حوله.

ثم جاء العلماء والعظماء والكتّاب والمستشرقون والباحثون، يبحثون عن الشذرة المميزة بين مجموع الشذرات، فقد قدَّموا النبي محمداً (ص) على أنه الشخصية الأكمل والأتم، لكن من لا يعتقد بالإسلام ديناً أدخل علياً (ع) والنبي (ص) في دائرة المفاضلة، حتى تمايل بعضهم إلى أن علياً (ع) هو الرقم الأول بين بني البشر، وهذا ما لا نقبله ولا نقرّه ولا نسلم به، ولا نرتب عليه أثراً بقدر ما نشير إشارة إلى أن علياً (ع) أدخل الباحثين في دائرة الإرباك، وأفقدهم رصيد التمييز، وما هذا إلا دليل قاطع على أن الإمام علياً (ع) في عظمة كينونته لم يكن مكشوفاً، إنما بقي في دائرة السرية. نعم، شعّت من جوانب شخصيته أنوار دلل عليها عطاؤه وجهاده وبذله وتضحياته في أكثر من ميدان وميدان، لا سيما في تلك الميادين التي انهزم فيها من يدّعي لنفسه الكثير من الموقعية والتميز والتفرد.

علي (ع) كعبٌ عالية في العلوم والمعارف، أنّى يجاريها أو يدانيها أحد؟ وهو في جهاده ونضاله يقف وحده في كفّةٍ، فيما يقف المسلمون جميعاً في الكفة الأخرى، فترجح كفته، بل يرجح ميزانه بضربة مرجِّحة، كما في ضربته يوم الخندق.  

وهكذا نجد أن علياً (ع) أعلمهم وأفقههم وأعبدهم وأزهدهم، ولو فتشت عن منظومة الصفات الكمالية ستجد أن الشواهد الخارجية الدالة على مصداقيتها والمنطبقة عيناً بعين، هي في علي (ع). حتى أن القرآن الكريم استخدم مفردة موجزة، إلا أن فيها من الدلالة ما يبين أن علياً (ع) هو الأكمل، وهو قوله تعالى: ﴿وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ([4]). فالمقايسة بين أمر وآخر، والمناظرة والمقابلة والمماثلة بينهما، ما لم تكن الصفات موجودة في الطرف الذي يراد له التشبيه في مساحة قريبة من المشبه به، لما صحَّ التشبيه، بل إنه يصبح معيباً.

لذا فإننا نقول بملء أفواهنا، وبكل قَطع، وهو ما في داخلنا، ويطفو على صفحات وجوهنا، ونصرح به أمام البشر، وبين يدي الله تعالى عندما يحشر البشر: إن علياً (ع) هو نفس النبي (ص) والنبي (ص) هو نفس علي (ع) بصريح القرآن، إلا أنه لا نبي بعد محمد (ص).

ولكن، هل لأحد أن يقول: إن زيداً من الناس لرسول الله (ص)، كرسول الله من نفسه؟ أو أنه نفس النبي (ص)؟

فعلي (ع) صفة كمال، ومفردة كمال، وهو الصراط الذي من اجتاز عبره فاز برضوان من الله أكبر، ومن تعثر في عبوره فإلى دركات جهنم، دركة بعد أخرى حتى يصل إلى قعرها، ويجاور من يجاور فيها.

ربما يُسحَر البعض من خلال طور العبادة، من حيث التقلب فيها والتمظهر بها، إلا أن هذا ليس نهاية المطاف، وليس الميزان الذي على أساسه نحكم في مساحة التقديم والتأخير على أن فلاناً أفضل من فلان، لأنه يصلي نوافل أكثر مثلاً، أو يتبتّل أكثر من غيره، أو أن آثار السجود في وجهه، فهذا ليس دليلاً، إنما هو ظاهر يمكن أن يوحي بالصلاح.

لذا فإن الحديث الشريف يقطع علينا هذا الاستنتاج فيقول: «لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإنّ ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته»([5]).

أي أنه يضع للتقويم مقاييس أخرى غير التعبد وكثرة الركوع والسجود، وهي صدق الحديث وأداء الأمانة، فلو خان المؤتمَن، أو كذب المتحدث، ذهبت أعماله الأخرى من عبادة وركوع وسجود وصلاة في الليل وغيرها أدراج الرياح، بمعنى أنها لم يعد لها أثر في سلوكه وبنائه الشخصي، بل لا قيمة لها عند الله سبحانه وتعالى.

هذا هو ميزان الشرع، وميزان محمد (ص) وعلي (ع). فإن كان علي (ع) هو ميزان الأعمال، فهذا هو ميزانه، حيث ورد في زيارته الشريفة عن صفوان الجمال: «السلامُ على ميزانِ الأعمال»([6]). فميزان علي (ع) هو الصدق في الحديث وأداء الأمانة.

والأمانة صنفان: المادي والمعنوي، فالمادي ما كان من مال أو ودائع، وأداؤه مهم وضروري، وهو أحد مقاييس الصلاح كما مرّ، وهناك صنف معنوي، وفي هذا الجانب المعنوي ما هو أكثر أهمية وخطورة. فالإيمان بأهل البيت (ع) أمانة مستودعة في رقاب البشر، ليتبين كيف يتعاملون ويتعاطون معها؟ وإلى أين يصلون بها؟ فالبعض قد يتصور أن أداء الأمانة في دائرة الولاء والبراء تتمثل في جانب التمظهر بالطقوس الدينية المذهبية، فمن كتب شعراً فيهم مثلاً فقد كرّس الولاء، أو أن من يلطم بشدة كان أكثر صدقاً في ولائهم وحبهم، والحال ليس كذلك بالطبع.

لذلك تجد في الحديث الشريف: «من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح بعوضة غُفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر»([7]). أي أنه لم يلحظ جانب الكمّ، إنما لحظ الكيف، فهذا المقدار القليل إذا كان بصدق وإخلاص فإنه يكفي للخلاص من نار جهنم.

إن الدمعة التي تغسل الداخل أولاً قبل الخارج، ترسم لوحةً نورانية في عالم النفس، قبل أن تصل النوبة إلى عالم الشهود، وهذا هو المهم في الأمر.

يقول النبي الأعظم (ص) لعلي (ع): «يا علي، لو أن عبداً عبد الله مثل ما قام نوحٌ في قومه، وكان له مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله، ومدَّ في عمره حتى حج ألف حجة، ثم قتل بين الصفا والمروة، ثم لم يوالك يا علي، لم يشَمَّ رائحة الجنة، ولم يدخلها.

أما علمتَ يا عليُّ أن حبك حسنة لا يضر معها سيئة، وبغضك‏ سيئة لا ينفع معها طاعة.

يا علي لو نثرتَ‏ الدرَّ على المنافق ما أحبّك، ولو ضربتَ خيشوم المؤمن ما أبغضك، لأنَّ حبَّك إيمان وبغضك نفاق، ولا يحبك إلا مؤمنٌ تقيٌّ، ولا يُبغضك إلا منافقٌ شقيّ‏»([8]).

فالولاية لعلي (ع) حسنة لا تضر معها سيئة، إلا أن ذلك لا يعني أن يفعل الموالي ما يريد، إنما تصح بشرطها وشروطها، وقد تسلب هذه الميزة من العبد عند آخر لحظة من حياته بسبب ذنوبه.

ثبتنا الله وإياكم على ولاية أمير المؤمنين علي وأبنائه البررة، وأبعدنا عن دائرة من لا يرى علياً (ع). اللهم احشرنا في زمرتهم وارزقنا شفاعتهم، وعرف بيننا وبينهم في مستقر الخلد، إنك ولي ذلك.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.