نص كلمة بعنوان: شهر شعبان شهر أفراح آل محمد عليهم السلام

نص كلمة بعنوان: شهر شعبان شهر أفراح آل محمد عليهم السلام

عدد الزوار: 435

2013-06-20

﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ([1]).

شهر شعبان، شهر رسول الله محمد (ص) يكتنز بين جنباته الكثير من المناسبات الفضيلة التي تستدعي أن يستجاب من خلالها إلى نداء الحق في تعظيم الشعائر، بل يُعدُّ إحياء مراسم آل بيت النبوة (ع) من أجلى مصاديق إحياء الشعائر، سواء في أفراحهم، أم أحزانهم.

وثمة موازنة ينبغي أن تكون سيدة الموقف بين شطري الفرحة والحزن، فمناسبات الأحزان لها مواقيتها ومستوجباتها وما يترتب عليها، وكذلك مناسبات الأفراح، وتلك الموازنة تعني أن الإنسان المؤمن الموالي المحب استطاع أن يمسك بعناصر الكمال التي أراد أئمة أهل البيت (ع) أن يوصلوها للأمة.

فذكرى ميلاد الإمام الحسين (ع) هي مفتتح الذكريات في هذا الشهر العظيم، وقد قال فيه رسول الله (ص): «حسين مني وأنا من حسين»([2]) وهذا الشهر هو شهر رسول الله (ص) ، فالاستجابة في التعظيم لها مستوجباتها من عدة نواحٍ.

والذكرى الأخرى هي ميلاد قمر بني هاشم، العباس بن علي (ع) ، العبد الصالح العارف بالله ورسوله وأئمته، وهو رمز في التضحية والإباء والإخاء والعظمة بكل ما تحمله العظمة من معنى.

والذكرى الثالثة هي ميلاد الإمام السجاد (ع) صاحب الزبور الأقدس، والصحيفة النيرة، ورسالة الحقوق الخالدة. وبميلادة يكتمل العقد.

وتعظيم الشعيرة يعني الانفعال والتفاعل معها، فلا يكفي أن ينفعل المرء بالمناسبة، إنما يفترض أن يكون متفاعلاً. فالانفعال لا يتعدى حدود المكان في المجلس أو الحفل أو الجماعة، فما إن ينفضّ المجلس حتى تنتهي دائرة الانفعال، أما التفاعل فهو ما يأخذه الإنسان من الحفل إلى خارج دائرته. وأهل البيت (ع) هم مصابيح الأمة وأعلام الهدى ومنائر التقى، كلامهم نور، وفعلهم نورانية، وصمتهم حكمة، والجمع بين هذه العناصر الثلاثة هو الذي يُفترض أن يكون متواجداً في مجالس الذكر المقام عليهم، سواء أخذ طابع الفرح، كما في الليالي القادمة، أم الحزن، كما في ذكريات شهاداتهم (ع)، فإن خرجنا بالزاد من الحفل، فهذا يعني أننا انتقلنا من دائرة الانفعال إلى دائرة التفاعل، وهي المنشودة المتوخاة من وراء إقامة المجالس والمراسم.

وقد باتت المجالس في تعاطيها تأخذ أدواراً وألواناً وأشكالاً ونمطيات مختلفة، فمنا من يريد أن يستغرق في ذكرى الفرح، في جانب الأشعار والكلمات والأناشيد، فهل هذه هي الاستجابة الحقيقية لنداء الحق: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ([3])؟

لا شك أنها استجابة في جانب من جوانبها، إلا أن هذه الحركة لا تستطيع أن تنقل الإنسان من دائرة الانفعال إلى دائرة التفاعل، إنما تبقى في حدود الأول.

ومن الأمثلة البسيطة على ذلك، أن الشاعر عندما ينشد القصيدة، وتكون متضمنة لاسم النبي الأعظم محمد (ص) فلا شك أن السامع يرفع صوته بالصلوات، رجاء الأجر والثواب، ولكن هل يستصحب هذه الحالة من الصلوات إلى خارج المسجد أو الحسينية؟ وهل يبقى يعيش الأجواء التي كانت فيها؟

وهناك جماعة أخرى تأخذ مجالس أهل البيت (ع) إلى الحالة التقليدية ذات الطابع النمطي المستغرق في نمطيته، وهذا أيضاً لا يستطيع أن يقدم لنا زاداً، لأنه عبارة عن تلاوة السيرة، وإيراد الروايات، وما إلى ذلك، وليس بعد ذلك شيء، لا سيما أن بعض الروايات المدرجة في هذه النُّسَخ هي من الروايات الضعيفة العليلة السقيمة جداً.

إننا اليوم لا نعيش في الماضي، إنما تُسلَّط الأضواء علينا من كل حدبٍ وصوب، فأي كلمة أو هفوة أو خطأ في إيصال موروث أهل البيت (ع) للأمة والعالم، يكلف الخسائر الكبيرة جداً، فلو كانت الرقابة سابقاً في مستوى معين، فلا بد أن تكون اليوم أكثر شدةً وحكمة وتماسكاً واستحكاماً.

وهناك جماعة ثالثة باتت تعايش الوضع، وتجاري الواقع، وتُحدث النقلة، وتتعاطى النص القرآني الذي ذكرتُه سابقاً في حركيته، فالتعظيم عندها يعني الاستفادة من المناسبة. أي أن الآية والرواية الصحيحة وبيت الشعر ذا الدلالة، والحديث الذي يتماشى مع حيوية النص الصادر عنهم (ع) والمتماشي من جهة أخرى مع الواقع الخارجي من حوله، كل ذلك يستدعي انفتاحاً على الموروث، ولا بد أن ننفتح على الموروث.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى علينا أن نقترب من المجتمع أكثر، ونلامس أوتاره، ونتحرك ضمن حدود محيطه، وأن تكون الصراحة سيدة الموقف، بعيداً عن المجاملات وأخذ الخواطر، لأنها لم تبنِ صرحاً في يوم من الأيام، حتى من يجامل أبناءه في البيت، ما عسى أن ينتج أولئك الأبناء إلا الضعة والمسكنة واستجلاب العطف من الآخرين، أما إذا كانت الصراحة سيدة الموقف مع الكبير قبل الصغير، فعندئذٍ يرشد المجتمع، وسوف ينتقل تعظيم الشعائر من دائرة الفعل إلى دائرة التفاعل.

وهذه المناسبات الثلاث المتماسكة التي يجمعها أكثر من عنصر وعنصر، يفترض أن لا تمر بنا الليالي والأيام فلا نستصحب منها موعظة واحدة، ولا نقرأ معالم هدف أمامنا.

نسأل الله تعالى أن يكتبنا وإياكم في زمرة الراكبين في أكبر سفينة، وهي سفينة الحسين (ع) وأن يأخذ بأيدينا الدالُّ على السفينة، وهو قمر بني هاشم (ع) وأن يشفع فينا من له الشفاعة.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.