ما استفتحت به من الآية الشريفة هو رأس مطلب أسس له القرآن الكريم وأكد عليه النبي الاعظم محمد لكن هذا التأكيد من النبي  وبناءا على ما اثبتته الايام لم يحظى بأذن صاغية من معظم ابناء الامة التي بذل النبي الاعظم من أجلها الغالي والنفيس، وقد ضحى بأقرب قرابته ومن الاعز على نفسه وهو الحمزة بن عبد المطلب سيد شهداء عصره وسيد شهداء المسلمين في مرحلته الزمنية، وكذلك عبيدة ابن الحارث شهيد بدر من الهاشميين، كل ذلك لم يشفع للنبي والقرآن طالما كان يمسح عن قلب النبي الكثير مما يوجه له مباشرة ايام حياته وما تعقبه لم يأتي وليد امر عابر او حدث عابر وانما جاء وليد ما تم تقديمه وتأسيسه قبل ذلك.

مأساة هدم قبور الائمة الاطهار

من الامور التي كان يفترض ان يراعى فيها النبي ويتجسد من خلال تلك الرعاية مصداق القربى أي المحبة في القربى هو تعظيم من ينتسب للرسول الاعظم (ص) وما يضاف اليه لكن مع شديد الاسف على العكس من ذلك تماماً وكأن القرآن وكأن النبي (ص) وصّى بالعكس من ذلك.

في هذا الشهر الفضيل اكثر من ذكرى تضاف لأهل البيت ^ الا انها تشترك في جهة واحدة؛ الذكرى الاولى هي ذكرى هدم القبور الطاهرة والقباب المنورة على اضرحة المعصومين في جنة البقيع في الثامن من شهر شوال. الذكرى الثانية ذكرى شهادة الحمزة بن عبدالمطلب × سيد شهداء عصره وايضاً هو الآخر صاحب قبر مهدوم لا قبة ولا علم يدلل عليه وكذلك ذكرى شهادة امام مذهبنا الصادق من آل محمد × وهو ايضا يشترك مع ما تقدم من المناسبات في مسالة وهي أنه ايضاً جرى عليه ما جرى واستتبع بعد وفاته بهدم القبة من على قبره الشريف. عندما نرجع الى النصوص الشريفة من العامة والخاصة من السنة والشيعة من محدثي الفريقين نجد ان كمّا هائلاً من الروايات يعني وتهتم بمسالة القبر وحرمة القبر وما على الانسان الذي يرغب في الحقيقة الا ان يرجع الى باب غسل الميت وما يتفرع عنه من فصول ومسائل حسب التقسيمات وخطط العمل للتأليف التي انتهجها المؤلفون المحدثون ليعرف ذلك.

النبي (ص) مثلا كان ينهى ان يطأ الانسان المسلم القبر برجله ـ قدمه ـ يدل هذا على أي شيء؟ هل يدل على ان من في القبر لا قيمة له ولا حيثية له ام ان هذه البقعة بغض النظر عما هو فيها لها قيمة بحيث تستدعي الرسول ان يعطيها هذه الخاصية؛ ثم نسال: هذه البقعة قبل ان تصبح قبرا هل كانت لها هذه الخاصية ام لا؟ واذا كان ذلك فلماذا الرسول لا يعطي هذا المعنى، مثلا في الحديث (لان اطأ على حد السيف احب الي من ان اطأ القبر بقدم)[راجع كتاب سبل الهدى والرشاد، للصالحي الشافعي، ج 8، ص382] لماذا؟ ـ يعني اذا كان هناك سيف حاد اضع رجلي عليه واقطع انه هناك اصابه ودم يراق، احب اليّ واهون على نفسي من ان اطأ قبر احداً. ماذا يدلل هذا؟ هذه رسائل من الرسول للامة التي تعي لكن مع شديد الاسف...

هذا من جهة النصوص، اما من جهة سيرة المسلمين؛ فقد جرت على تعمير القبور، واذا كانت المسالة مسالة اقامة الدين والشرع وتطبيق الحكم والتكليف الشرعي فحكم الامثال فيما يجوز او لا يجوز واحد، اذن ما هي الخصوصية التي تخرج قبر النبي| من عموم هذه المسائل؟ لماذا قبة قبره باقية؟ لماذا لا تسوى بالتراب أسوة بغيرها من القباب والشرك واحد وليس اثنين، الشرك واحد فإذا كانت قبة ولي او امام او تابعي او صحابي او عظيم تؤدي الى هذه النتيجة وتعد بانها احد مصاديق الشرك الذي ينبغي ان يدفع والمنكر الذي ينبغي ان يرفع بسم الله هذه قبة النبي موجودة نحن لا نعرف من الدين بانه يقسّم ويجزأ ويساق حيث تكون المصلحة او الرغبة او التوجّه، بالنتيجة قبور صحابة عليها قباب في اكثر من موطن وموطن، قبر الخليفة الاول عليه قبة، قبر الخليفة الثاني عليه قبة، قبور بعض أمهات المؤمنين في الشام عليها قبة، قبر الامام علي× عليه قبة، قبر الخليفة الثالث ـ واسال التاريخ عن موضع قبره ثم بعد ذلك اسال ـ، خال المؤمنين كاتب الوحي الخليفة الخامس ايضا له قبة في الشام، وهذا مما جرى لطبقة الفقهاء وائمة المذاهب، أي امام مذهب ليس له قبة؟ كلهم مجموعون على الشكر؟ كيف يكون هذا؟ نحن نسال ونقول: الامام احمد وهو امام المذهب والذي اتكأ على رواية شاذة والراوي لها غير معروف ابو العجاج الاسدي الذي لم يؤثر انه روى حديثا فهو ليس من طبقة المحدثين ولكن بالنتيجة هذا الامام العظيم امام المذهب الحنبلي فتلامذته اعرف بمبناه وادق في قراءة المسالة التي افتى بها أليس من الحري بتلاميذه ان يسوي بقبره الارض بادئ ببدء؟ والامام الشافعي له قبة تناطح السماء علوا وارتفاعا. الامام مالك الى عهد قريب و... حسناً فأئمة اهل البيت ^ يجب ان يدفعوا ضريبة وهذا شيء طبيعي، طبعا نحن نستغرب اذا لم يكن ذلك واذا كان فلا استغراب في ذلك بعد ان تبنى ذهنية على الاعوجاج. نحن جميعا نقول ونسمع ونستغرب كيف تمت الجرأة على هدم قبور الائمة ^؟ لماذا لأننا ما عشنا تلك المرحلة ما قرانا النفسيات وما وقفنا على خصائص المشهد السياسي والتشكل والتغيير الذي لف العالم باعتبار هذه افرازات ما بعد الحرب العالمية الثانية لكن كلنا رأى بأم عينيه ما جرى على ضريح الامامين العسكريين وهذا شاهده الجميع في العالم. ولم تكن ردّت الفعل متناسبة مع قوة الحدث على كافة الاصعدة، فاين ما تنظر وعلى أي صعيد لا ترى تعاطي يتناسب مع قوة الحدث كما ينبغي وهذه اللابالية أو عدم القيام بالواجب كما ينبغي أو دفع المفسدة المحتملة بناء على هذا المسلك ايضا تسبب بان يجري اليوم على الامة بكاملها لذلك بدل ما يصرّ في الامر على ان الشيعة عبّاد القبور نحن نقول السنة عبّاد القبور.  فنحن اذا ما قسّمنا العالم الاسلامي الى مليار واربع مائة وخمسين مليون مسلم فلنعتبر منها ثلاثة مائة او اربع مائة مليون اتباع مدرسة اهل البيت^ فالبقية ليسوا من اتباع مدرسة اهل البيت وهؤلاء الباقين قسمهم على اربع رؤوس من المذاهب الكبيرة اخرج منها مذهب، تبقى ثلاثة مذاهب اضرب عددهم فتكون النتيجة خمس وسبعين بالمائة من المليار يبقون كلهم يطوفون حول القبور ويتبركون بالقبور، اضف اليهم قرابة اربع مائة مليون من الشيعة يعني يصبح العدد فوق المليار مسلم كلهم يصبحون بشخطة قلم وفتوى طائشة من المشركين والكفرة؛ لانهم يطوفون بالقبور وهؤلاء ليس شيعة هم سنة. اليوم نشاهد ما يجري في الصومال، قبل سنتين هدمت قباب ائمة الطريقة الصوفية ونبشوا قبور الموتى وهذا يعد هتك صريح وواضح انت هدمت القبة حسناً، لكن لماذا نبش القبر؟ أليس هذا قبر مسلم يحرم بإجماع المسلمين نبش قبره؟ نبشوا القبور واخرجوا عظامهم وحرقوا قسما منها وذروها في الرماد.

هذا السناريو اليوم في حالة توسع على اكثر من موقع و بلد ففي مصر وفي تونس وفي ليبيا وفي المغرب الذي هو بلد التصوف بامتياز، بلد مالك صاحب الامام والمذهب المنفتح وهذا الشيء موجود في سوريا ولما تبسط السلطة وتحسم الامور ايضا نفس الشيء ضريح سبط الامام الحسين المحسن؛ يعني حتى التعامل مع القيمة الاثرية الي هي قيمة انسانية سامية والتي هي من خلالها تقرأ ثقافة المجتمع، حضارة المجتمع، وعي المجتمع، تقدم المجتمع ايضا هذه مسقطة من الحسابات. انا اقول القادم أسوأ ما لم تعي الامة دورها وتنهض بمسؤولياتها والا القادم اخطر لماذا؟ لان الفكر مؤصل له وعندما يتأصل الفكر من الصعب التخلص منه. واتفاقا المذهب الحنبلي بما هو مذهب لا يرى هذا الراي ولا يتجه هذا الاتجاه وانما المذهب حُمل هذا الشيء والقراءة للنص وتوجيه الفتوى كان مسيسا بامتياز منذ ذلك اليوم.

نسال من الله سبحانه وتعالى ان يحفظ للمسلمين اماكنهم المقدسة، كمساجد للمسلمين عامة، اضرحة للمسلمين عامة، حسينيات لشيعة اهل البيت ^ ان يحفظ هذه الاماكن فهي مصادر تؤمن لنا حالة من الثبات والاستقرار والتمسك والوقوف على خصائص ونحن سائرون عليه نحن نقترب شيء فشيء من عصر الظهور قد لا نوفق في رؤية المهدي × قد حتى ابناءنا لا يوفقون او يوفقون لا ندري لكن نحن على مقربة لسنا كمن كان قبل مائة سنة او مائتين او ثلاث مائة سنة قبل، لا نحن الآن اقرب، ومن جهة اخرى فان الامام × سوف يسوى امره بين يوم وليلة وفي رواية في ليلة واحدة يسوى امر المهدي[1] متى يظهر لا نعلم اما في ليلة يسوى امره، صيحة والسلام.

الدعوى لتأسيس مركز للحوار بين المذاهب

فنسال من الله سبحانه وتعالى ان يرينا خصوصا بعد هذه الاشراقة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين في المؤتمر الاخير من دعوى لتأسيس مركز للحوار بين المذاهب، طبعا بغض النظر الى اي مرحلة سوف تتقدم هذه القضية، وكيف يتم التعاطي معها، طبعا هناك من يريد ان يئد هذه القضية وهي في مهدها هذا موجود ويوجد هناك ضغط شديد، الا ان نفس اطلاق هذه القضية من قبل خادم الحرمين الشريفين تعتبر انجاز بحد ذاتها، لماذا هي انجاز؟ لأنها تتضمن الاعتراف بجميع الاطراف هذا مكسب بحد ذاته، هذا مكسب كيف اذا اخذت واقعا خارجيا مضاف على ان مذهب اهل البيت المتمم لأربعة عشر قرن من الزمن اليوم بات يتحرك وبشموخ فلا يمكنك ان تلغي لابد من الجلوس والحوار والتحدث مع البعض لأرى ما عندك وترى ما عندي ونتبادل وجهات النظر.

نسال من الله سبحانه وتعالى اذا لم نوفق بان نتشرف بالنظر الى الامام المهدي عجل الله فرجه ان يوفقنا بان نتشرف في ان نرى القباب النورى على اضرحة اهل بيت النبوة. نسال من الله ذلك وهذا ـ المفروض ـ ليس مطلب بل هو حق نسال من الله سبحانه وتعالى ذلك وفقنا الله واياكم.