نص كلمة بعنوان: سماحته يلبي دعوة من طلبة العلوم الدينية بقم المقدسة

نص كلمة بعنوان: سماحته يلبي دعوة من طلبة العلوم الدينية بقم المقدسة

عدد الزوار: 771

2014-05-25

طالب العلم.. الواقع والمسؤولية ([1])    

تهذيب النفس:

في الحديث الشريف: «العلمُ نورٌ يُقذف في القلب»([2]).

هنالك كلمة سمعتها من أحد مراجع الطائفة، هو آية الله العظمى المحدث الكبير، صاحب كتاب كلمة التقوى، الشيخ محمد أمين زين الدين (قدس سره الشريف) وكان ذلك في النجف الأشرف، في منزله في منطقة الحنّانة، ظهيرة يوم حارٍّ من أيام الصيف في شهر تموز، وقد كنت في معرض خدمته، فطلبت منه نصيحة أنتفع بها في دنياي وآخرتي، فأبدى أولاً امتناعاً لفترة طويلة، ثم رفع رأسه وقال بعبارة مختصرة، عظيمة الدلالة: عليك بتهذيب النفس، وتحصيل الدرس. ولم يزد على ذلك شيئاً.

يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَاتَّقُوْا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ([3]).

لكل شيء في الحياة مقدماته، ومتى ما انتظمت تلك المقدمات استطاع الإنسان أن يقتنص النتائج، وإذا ما تخلفت، أو ساء حالها، أو لم يمكن الربط فيما بينها، فلن تكون النتيجة مرضية، حيث أسس المناطقة لقاعدة أن النتيجة تتبع أخسَّ المقدمتين.

والكثير من النصوص، من الأحاديث الصادرة عن آل بيت النبوة (ع) تشترك في أن العلم نور، وأنه يحتاج إلى وعاء ومرآة ينطبع وينعكس عليها، وذلك الوعاء هو النفس التي تحركنا في جميع جوارحنا، وتتحكم في كل مشاعرنا.

وأرباب الأدب والحكمة، وأصحاب المدارس المتفرقة، أقرب ما يقرّبون النفس من خلاله إلى أفهامنا هي المرآة، من حيث كونها عاكسة. وحيث إن المرآة جسم، فإنه يعرض عليها الشيء الكثير، والصورة المنتزعة منها هي عين الصورة المنتزعة من النفس بعد الانطباع. نعم، هنالك فرق بينهما، في كون الأصل من اللامتناهي المسبوق بالعدم، والمرآة من المتناهي، ولكن بالنتيجة هنالك شيء مهم، وهو أن هذه المرآة لو وضعناها في إحدى زوايا بيوتنا أو مدارسنا، فإنه يترتب على ذلك أن نحافظ على صفائها، كي تتم الاستفادة منها كي لا يحصل نقض الغرض من وراء وضعها. وإذا أعطيناها من العناية القدر الكافي فإننا نستطيع أن نستفيد منها في ترتيب وضعنا، والتأمل فيما نحن فيه من خلال المرآة.

أما القلب، فهو الأساس المكوِّن لهذا الجسم الذي يصحبنا في هذا العالم، ونتقلب في أجواء العالم من خلاله، لأن العالم من حولنا هو وجود مادي، ولكي نتحرك فيه لا بد من قالب مادي ينسجم معه من حيث السنخية، بل هو منه وإليه.

والنفس المتصرفة عبارة عن قالب مثال لا يحس ولا يدرك بالحواس المادية، إنما بتلك الإشراقات.

وإذا تراكم الغبار على المرآة فلا نستفيد منها أبداً، فربما حصلت فيها نكته سوداء ثم اتنتشر السوداء شيئاً فشيئاً، حتى يستحوذ عليها إذا ماتركناها أياماً أو أسابيع. وبقدر ما يمر من الليالي والأيام، بقدر ما يسوء حالها، فلا نستفيد منها.

وبقدر ما قربنا النفس من خلال المرآة، فإنها تبقى بمثابة المثال، والمثال يقرِّب من جهة ويبعّد من جهات. فالنفس أهم في حكايتها للواقع.

كلنا يأتي إلى معاهد العلم، وقضيتنا مربوطة بالله تعالى من جهة، وشعور بالمسؤولية من جهة أخرى، ورغبة في الترقي وطلب الكمال الإنساني من جهة ثالثة.

والانطلاقة في بدايتها سهلة، ولكن تعترض طالب العلم المحصّل الكثير من العقبات، وبقدر ما يكون مجداً تعترضه العقبات. وليست هذه حالة عبثية إنما على قاعدة: «فإذا مُحِّصُوا بالبلاء قَلَّ الدَّيانون»([4]).

وقفات لا بد منها:

إنها مجموعة من الحالات التي تعترض طالب العلم من أجل أن تدخله في حالة من الامتحان الحقيقي إن تجاوزها فتحت له الأبواب. ولدينا هنا مجموعة من الأمور التي ينبغي أن نذكّر بها:

1 ـ أن لا ننسى سبب الخروج من بلادنا، وعلينا أن نستحضر هذه الحالة، فلماذا خلفنا الأهل والمال والأصدقاء وتراب الوطن الذي تشكلنا من عناصره، وغير ذلك، وجئنا إلى حاضرة العلم الكبرى في هذا الزمن، وهي قم المقدسة؟

إذا استحضرنا هذه الحالة، وأوجدنا لها صورة مقربة في الذهن، أعطتنا دافعاً كبيراً، وإذا انسلخت هذه الصورة من ذهنيتنا تباطأنا في حركتنا في تحصيل الملكات.

وهذه الحالة تحتاج إلى مساعدة، وهي منوطة بمن تقدَّمنا. ففي الزمن السابق، ما كانوا يرضَون لطالب العلم أن يدخل أروقة الحوزة العلمية حتى يرتبط بشيخ يأخذ بيده، ثم بعد ذلك يطلقونه في أجواء الحوزة العلمية.

وقد يتصور البعض أن الصراعات الفكرية التقليدية النمطية والجهوية هي وليدة اليوم، أو وليدة عقود يسيرة، وليس الحال كذلك، فقد كانت هذه الحالة موجودة، واشتد أوارها بعد ثورة العشرين في العراق، ويكاد المرء يصل إلى نتيجة، أن ضرباً من الانقسام قد حصل في تلك المرحلة، فهناك تيار متشدد، وآخر منفتح، وكانت بينهم الكثير من الجدليات.

ولكن لنسأل: ما هي النتيجة؟

إن الاختلاف أمر طبيعي ومقبول وأرضية صالحة وصافية، ولكن إذا ما وضعناه في حدوده، أما إذا ما تركناه مجنحاً، يأخذ المساحات يميناً وشمالاً، عندئذٍ ينقلب الاختلاف من حالة صحية في وسطنا إلى حالة مرضية. وهذا ما نعيشه ونشاهده ـ مع شديد الأسف ـ هنا أو في المواطن الأخرى، فليس هو بدعاً في مكان دون آخر.

فوجود الشيخ، أو المتقدم علمياً على طالب العلم، أمر مهم، فمن يتقدمنا في العلم والحضور، ويكون من الأتقياء الورعين الجادين في تحصيلهم، إنما هو نعمة، لا بد أن نشكر الله عليها. وطريقة الشكر لا أن نتقلب في الألفاظ لنسوق المعاني، إنما نوجد حالة فعلية في الواقع الخارجي، تدلل على أننا نؤدي الشكر.

فشكر العامة من الناس في كثير من الأحيان، لا يتعدى ما يصدر عن اللسان، لكن الشكر من طالب العلم ينبغي أن يكون مطابقاً للواقع.

في الحديث عنهم (ع): «من علمني حرفاً فقد صيرني عبداً». فهذا رسالة لنا، عبرت القرون فوصلت بين أيدينا، فكيف نفتحها؟ وكيف نتعاطاها؟ وهو الأهم من فتحها.

فإذا كنا نريد حقيقة أن نستمر في مسيرتنا التحصيلية، فعلينا أن نستحضر هذا الحديث، لأن احترام الأستاذ وتقديره واحد من أسرار البركة في تحصيل العلم. ففي الزمن السابق كان الطلبة يتسابقون فيما بينهم على تقديم أحذية الأساتذة لهم، ويرون في ذلك قربة إلى الله سبحانه وتعالى وتجسيداً لمنطوق هذا الحديث. والأهم من ذلك ترويض النفس في أن لا تجمح.

إن الإخلاص أمر مهم لا بد أن يصاحب أعمالنا منذ البداية للنهاية، ونحن في دائرة تهيّئ لنا جميع ما يساعدنا على تحصيل هذا المفهوم المقدس (الإخلاص في العمل) فمن ينتظرنا لا ينتظرُ على أساس ما حصلنا عليه من العلوم، بأن درسنا المقدمات، ثم السطوح، ثم البحث الخارج، وما إلى ذلك، بقدر ما يطلب منا النفس المصفّاة، وبقدر ما نحمل من التقوى والورع، وبقدر ما نكون حريصين على أن نخرج منهم بحال ونعود بحال أخرى، وإن كنا سابقاً في حال حسن، لأن الجميع من بيوت طيبة ولله الحمد، وقد عاشوا التربية والرعاية والعبادة وما إلى ذلك، لكن المأمول أيضاً أن يعود إليهم الطالب في شكل آخر.

فالسيد الإمام (قدس سره) مع أنه من أئمة الكمال والسير والسلوك والعرفان في أبعاده الثلاثة: النظري والعبادي والعملي، إلا أن من صحبه في حياته، وتتلمذ على يديه يقول عنه: إنه عندما انصرف من الحج، عاد إلينا إنساناً آخر، وكأننا لم نتعرف عليه من قبل. لأن العرفان العبادي تجلى في جميع المواطن التي كان يتنقل فيما بينها، فللميقات أثر، وللحرم أثر، وللمشاعر أثر، وللشعيرة بما هي شعيرة أثر.

نعمة الفراغ:

أيها الأحبة: لا بد أن نتذكر دائماً أن الله تعالى منَّ علينا بنعمة عظيمة جداً، ألا وهي نعمة الفراغ، فهناك يومٌ نودعه لنستقبل يوماً آخر، وفي ذلك ما فيه من الفراغ، الذي يحتاج أن نملأه.

والفراغ الطبيعي لطالب العلم، يفترض أن يكون في آخر الليل، ويفترض أيضاً أن يشغله بأفضل الأعمال، وهي الصلاة.

إن الله تعالى ينتظرنا في السحر، إذا ما هدأ الليل، وسكنت نجومه.

أنقل لكم هذه النصيحة عن أستاذي آية الله العظمى الشيخ المكارم (حفظه الله تعالى) في أحد دروسه إذ يقول: أنا لا أدعوكم لصلاة الليل، بقدر ما أدعوكم إلى دقائق من التأمل في السحر.

ومن باب الفضول كنا نسأل: إن هذه ليست مانعة جمع، فهل هناك ما يمنع من الجمع بين صلاة الليل والتأمل؟ فكان الأستاذ المربي الكبير يجيب: أنا جازم أنكم تؤدون صلاة الليل، أما لحظات التأمل، ففي نفسي منها تأمل!.

أيها الأحبة: قبل وجود هذه المدرسة كانت مدرسة (المهدية) هي مجمع طلبة العلم، وكانت الحالة في جانبها المادي خلاف ما هي عليه اليوم تماماً، فكانت حرب الثماني سنوات، وانقطاع الكهرباء، وعدم وجود الماء الصالح للشرب، وعدم وجود الغاز، والشهرية لم تكن تؤمِّن أدنى ما يمكن أن يؤمَّن، والاتصال بالبلد غير ممكن، إلى غير ذلك من الأمور التي كانت تضغط على طالب العلم في جانبه المادي.

كما أن هنالك ضغوطاً كبيرة في جوانب أخرى، منها عدم القدرة على التواصل المباشر مع الأهل ومعرفة الأخبار، وهذا فيه جانبان، أحدهما حسنٌ، وهو الاطلاع على أخبار الأهل عن كثب، والاطمئنان عليهم، والآخر سلبي، ينشأ من كون طالب العلم، بقدر ما يتلقى من الأخبار، بقدر ما يكون لديه انشغال وصارف عن المراد الأول الذي أشرت إليه بادئ بدء.

ويذكر هنا أن الشيخ محمد مهدي النراقي، صاحب كتاب جامع السعادات ـ الذي يعتبر وصية العلماء في الزمن السابق لطالب العلم، بأن يكون في مكتبته هذا الكتاب ـ أنه هاجر إلى النجف للدراسة، وبقي فيها خمسة عشر عاماً، فكانت تأتيه الرسائل من أهله آنذاك، فيضعها تحت وسادته، فلا يفتحها، فسُئل عن ذلك فقال: أخشى أن تُحدث لي مشكلة تشغلني عن درسي، أو تجعلني أعود إلى مسقط رأسي!. ولما همّ بالرجوع إلى مسقط رأسه في كاشان، جمع الرسائل ففتحها، فوجد إحداها تنبئه عن وفاة أمه!.

فهل نحن اليوم، مع هذه التقنية الحديثة، على علاقة ممنهجة موجهة؟ وهل أننا نستفيد من هذه التقنية أو أنها هي التي تستفيد وتُستقطع منا؟

في الحوزة العلمية توجهات متعددة، وليس من حقنا أن نحكم على هذا أنه في المسار الصحيح، وذاك في المسار الخاطئ، ونُسقط ذلك على المشهد بكامله، إنما على الإنسان أن يكون بصيراً في أي مسار يسير، وأن يكون في بصيرته متعاملاً مع جهة واحدة، كما في قول الحكماء: صانع وجهاً واحداً يَكفِك سائر الوجوه.

فلا تخشَ أنك إن كنت مع سماحة السيخ الفلاني فإن الشيخ الآخر سوف يأخذ منك موقفاً، إنما المدار والملاك في صحة الموقف أو عدم صحته، أن يكون مقبولاً أو مرفوضاً عند الله تعالى. فإن كان مقبولاً عند الله كفاني عناء الطرف الآخر الذي أتهيبه وأخشى أنه يقبل أو لا يقبل، أو يسبب لي مشكلة ما، أو يُحجم. فالمصانعة يجب أن تكون مع واحد فقط، وهو صاحب الميزان الحق والعدل والاستقامة.

إن أغلى ما بين أيديكم من رأس المال اليوم هو الوقت، فهو مهم جداً، وهو كالسيف، إن لم تقطعه قطعك. وورد عن أمير المؤمنين (ع) قوله: «الليلُ والنَّهارُ يَعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما»([5]). فبصمة الليالي والأيام فينا واضحة، ولكن ما هي بصمتنا في الليالي والأيام؟.

لقد سبقكم الكثير من الطلبة الذين استقروا في مدينة قم لعقود، لا لسنوات، لكنهم خرجوا خالي الوفاض، لأن الأمور تلبست عليهم، فقدموا المهم على الأهم، وقدموا غير المهم على المهم.

في قم أكثر من قامة وقامة بمقدورها أن تأخذ بأيدينا إلى الطريق المستقيم، وهي عبارة عن هؤلاء الرجال الذين هذبوا أنفسهم، وبنوا معارفهم على على أساس من المعادلة.

وعلى نحو المثال ليس إلا، آية الله إلهي، والشيخ حسن زادة آملي، والشيخ إبراهيم الجناتي، وغيرهم كثير، فلماذا لا تكون لنا علاقة مع أمثال هؤلاء؟

ضيافة الكريمة:

أقل التقادير أن تكون لنا علاقة من هذا النوع، فكلنا هنا ضيوف على كريمة آل محمد (ص)، وهي كريمة حقاً، والكريم هو من يعطي ولا يَسأل مقابلاً. ثم إنها مضافة إلى أكرم من عرفه الوجود، وهو هذا البيت، وتلك الإضافة تعطيها شيئاً من الرمزية، فالكريم ليس فقط في حدود مفردة من مفردات الكرم، إنما يفترض أن يكون في جميع المفردات، فهو في المادة سخي العطاء، وفي المعنويات لا يبخل في أن يفيض، وهذه السيدة الجليلة إنما صحّ إطلاق هذا اللقب عليها، لأنه منتزع من حياتها في وا قعها وبعد مماتها.

بل إنه لولاها لما استقر قرار للعلماء المترددين عليها، ولم يكن هنالك علماء إلا عندما كانت.

إن هذه السيدة الجليلة قد ينشغل عنها المرء في كثير من الأحيان مع شديد الأسف، ففي الفترة التي كنا فيها كان السيد المرعشي (رحمه الله) يقيم الصلاة في الصحن الخارجي ليلاً، والداخلي ظهراً، وكان معقد علماء قم في تلك الصلاة، إذ تجد العشرات من المجتهدين، والعشرات من السالكين والأساتذة المتقدمين، فحيث رميت ببصرك وقع على قامة من القامات، فالدروس كانت هناك مفتوحة، ولشدة الزحام تجد أن هذه الحلقة رفدت ظهورها بظهور الحلقة الثانية، والجميع منصهر في دائرته، لكن الأصوات تعلو إلى ما شاء الله، وكان الطالب ضمن تلك الدوائر يعيش حالة خاصة.

سألني البعض ذات مرة: كيف يفهم بعضكم بعضاً وأنتم كأنكم في مجلس عزاء؟ فهذا يتحدث وذاك يتحدث والصوت مرتفع! فقلت له: عندما تُوفَّق للحج، وتقف لرمي الجمرات، فأنت تقذف حصاةً بين عشرات الآلاف من الحصى، لكنك تستطيع أن تشخص، لأنك مشغول عن تلك الآلاف المؤلفة من الحصى، بتلك الحصيّات التي بين يديك. فهذه مثل تلك، والملاك عينه، إذ إننا إذا انشغلنا بما بين أيدينا وحرصنا على تحصيلها فإننا نصل، وإلا فإننا لا نصل.

ولكي لا أطيل عليكم أقول: صلوا الحاضر بالماضي، ففي الماضي دروس وعبر، أما اليوم فحركةٌ وتحصيل، فعليكم بمدّ الجسور واستنطاق الماضي. فإن جلستم عند من سبقوكم بعقود، فخذوا من تجاربهم، وأفيدوا منها، حتى لا تقعوا فيما تجاوزوه، أو ما وقعوا فيه.

يذكر أن صاحب الميزان قدم امتحاناً في الكفاية في النجف وأخفق، ثم قدم امتحاناً آخر وأخفق، وكلنا يعرف ما هي الذهنية التي كان يتمتع بها ذلك الرجل. فعقد العزم على أن يترك النجف ويعود إلى مسقط رأسه في تبريز، وكان ذلك منه. فصادف مجيء السيد علي القاضي الطباطبائي، وهو ركن من الأركان في العرفان، فرأى السيد الطبطبائي في حقل من الحقول، وبيده مسحاة، فقال له: ليس مكانك هنا، إنما مكانك في النجف. فرجع إلى النجف، وارتبط بالسيد القاضي، فأصبح قبلة أنظار المحققين في الحوزات العلمية وخارجها، وكتب حاشيته على الكفاية، فكانت على قصرها مشبعة بالبحث والتحقيق.

أليس في هذا درس وعبرة، في أننا مهما أخفقنا فعلينا أن نبحث عن الحلول والمخارج؟ وأن لا نعيش حالة من اللوم والجلد لأنفسنا؟

أيها الأحبة: لديكم باب مفتوح فلا تغلقوه، وهو باب هذه السيدة الكريمة. أكثروا من طرق بابها، وتعلقوا بها، وهي كفيلة أن تأخذ بأيديكم، وتعبِّد لكم الطريق، وأن تميط عنكم الأذى، ولكن علينا أن نقترب منها، ونعطيها شيئاً من وقتنا.

أسأله تعالى أن يكتب لنا ولكم التوفيق والسداد، فربما تمر الساعات عليكم وتُقَطَّع ولا تشعرون بقيمة هذه المرأة العظيمة، وهو ما أقرؤه أنا بنفسي، وإلا فإن حسن الظن فيكم كبير.

إنني اليوم عندما أخرج من البيت إلى حرم هذه السيدة الجليلة المعصومة (ع)، أقول في نفسي: لو أن الأيام تعود! ولكنها لن تعود. فقد كنا في ريعان الشباب، ملؤنا القوة والفتوة والنشاط، والحضور والاستعداد، وإن شاء الله المسؤولية.

أسأله تعالى أن يكتب لكم الخير والعلم والتوفيق والتهذيب، وأن ينفع بكم البلاد والعباد في مستقبل الأيام.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.