نص كلمة بعنوان: سماحته يشارك نخبة من المثقفين أمسيتهم خارج المحافظة

نص كلمة بعنوان: سماحته يشارك نخبة من المثقفين أمسيتهم خارج المحافظة

عدد الزوار: 574

2014-03-08

الازدواجية في التدين؛ بين المعتقد والشعائر، وبين السلوك والاخلاق

﴿اِنَّ الدّينَ عِندَ الله الاِسلـٰمُ[2]

جاء في الحديث الشريف عن النبي الاعظم (ص) الدينُ المعاملة[3]

أولاً أنا أشكر الأخوة الأحبة في هذا الملتقى الطيب المبارك لإتاحتهم الفرصة كي أمثل بين أيديكم حتى نتبادل أطراف حديث في واحد من المواضيع ذات القيمة ومن عنوانها تفرض ذلك الواقع، نسأل من الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وينفعكم وسائر الأخوة بهذا. طبعاً عنوان الجلسة وكما هو المعروف: الازدواجية في التدين ما بين المعتقد والشعائر من جهة وبين السلوك والأخلاق من جهة أخرى.

 لا إشكال أن الإسلام دين الفطرة وعندما يكون الإسلام دين الفطرة فلابد وان يتماشى مع متطلبات ذلك الإنسان الذي يعيش وفق فطرته، الخروج عن دائرة الفطرة يعني الانحراف. الاستقامة هي من انحلت عن قوة الفطرة التي فُطر الإنسان عليها سواءً رجعنا مع النص الديني في أيامه الأولى حيث آدم عليه السلام أو توسطنا قليلاً عندما أخذت المطالب الدينية لوناً من ألوان البحث والاستدلال على أساس من إشراك العقل في استنطاق النص فهذه تمت على يدي شيخ الأنبياء إبراهيم عليه السلام أما قبل ذلك فكانت الأدلة عقلية صرفة، أو تقدمنا أكثر عندما فرضت المادية أطنابها فرضاً على الواقع وتسللت إلى وجدان الإنسان وتمرد الانسان في الكثير من مساحاته على الفطرة التي أن يفترض عليه أن يتحرك على أساس منها كما حصل في الفترة الزمنية التي عاشها كليم الله موسى عليه السلام

الجانب المادي سيد الموقف في فترة الكليم موسى عليه السلام

 نحن نعلم لو رجعنا قليلاً إلى بعض من كتب في قصة الحضارة نجد أن هذه الفترة الزمنية التي شغلها كليم الله موسى عليه السلام هي من أكثر الفترات التي تسيّد فيها الجانب المادي المشهد يعني مشهد الحياة، مما اضطر للسماء أن تجهز موسى عليه السلام بما يأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار وهذا أيضاً واضح وبين ومن شاء أن يستعرض الكثير من الشواهد فدونه الكتب الكثيرة والطويلة والعريضة و أتصور ان موسوعة قصة الحضارة تفي في هذا الجانب، فكان عنصر المادة قوي وإسقاطه قوي. النبي كان بمستوى الحدث ومن الطبيعي ان يكون بمستوى الحدث، الذين يقفوا في قبالة النبي موسى عليه السلام أيضاً كانوا يمتلكون من المقدرات المادية التي يمكن ان تستصحب وراءها ومن حولها الكثير من الأفراد مما يشكل ضغطاً على النبي نفسه، بالنتيجة كان لهذا أيضاً إسقاطه في الخطاب الديني واعتنى القرآن الكريم بموسى عليه السلام في قصته مع قومه شديد الاعتناء لذلك تجدون أن موسى ربما يكون هو الأكثر حظوةً من الحضور في النص القرآني لأسباب كثيرة ومنها هذا الجانب.

الجانب الروحي يضفي على المجتمع في فترة نبي الله عيسى عليه السلام

 ثم جاءت فترة عيسى عليه السلام وفترة عيسى أيضاً لا تقل أهميةً ولكن أضفى عليها الجانب الروحي وكان للاهوتي دوره في اخذ المجتمع أو محاولة إرجاع المجتمع إلى الفطرة التي ابتدأ على أساس منها يتلمس واقعه في الحيات، بعد عيسى إلى النبي الأعظم الخاتم محمد (ص) هي عبارة عن قرابة ألف سنة من الزمن هذه الألف سنة تقريبا من الزمن كانت كفيلة في أن تغيب الكثير من معالم النص الديني وبطبيعة الحال بغيابه يغيب الخطاب نحن عندنا نص ديني وهو ذلك التي انزل من السماء أو تحدث به النبي على انه سنّة أما الخطاب هو من يحمل هذا النص الخطاب هو لمن يحمل النص لذلك يتأثر النص الديني من خلال الخطاب يعني مقولة الكلام أو مقولة الخطاب

الرسوم الاعظم (ص) بعث على حين فترة من الرسل

النبي (ص) بصريح القرآن جاء على فترة من الرسل[4] يعني فترة فيها توقف، مما يدلل على أن مسيرة الأنبياء لم تكن منقطعة من آدم حتى عيسى عليه السلام أما بعد عيسى إلى النبي الأعظم (ص) فكانت فترة خالية من الرسل يعني النص الديني المرتبط بالسماء بالمباشرة المعبر عنه بالمعصوم لم يكن موجودا في تلك الفترة والتي كانت قرابة الألف سنة هذه الفترة من الزمن كانت كفيلة في أن يأخذ الناس مشاربهم في الحيات فمن جهة كان يشتد العامل المادي ومن جهة اخرى الجانب الروحي، في جهة يحصل تلاقح بين المسارين، في جهة ثالثة... وهكذا. الله سبحانه وتعالى أرسل النبي (ص) فيما كان له خصائصه في زمان له خصائصه برسالة لها خصائصها أما المكان فهي جزيرة العرب وجزيرة العرب لها من الخصائص ما لا تتوفر عليه الكثير من المناطق حتى التي طرقتها رسالة السماء لماذا؟ لأن الجزيرة العربية امتن الله سبحانه وتعالى عليها ببيته الشريف وهذا الموضع كان مقدساً ومن هنا أنا لا اتفق مع من يقول أن الجزيرة العربية كانت تعيش جهلا مطبقا وانه لا علاقة لها بالعلم والمعرفة، أنا لست مع من يميل إلى هذا الرأي او يحاول أن يثبته، مع شديد الأسف يتلقفه الكثير منا على نحو المسلمات لا لشيء إلا لأنه ورد في نصوص وحاول المستشرقون أن يثبتوا هذا الأمر ويفرضوا منه واقعاً على ذهنية الإنسان العربي خصوصاً في الجزيرة العربية على العكس من ذلك تماماً يعني أكثر ما يستدل به على حضارات الأمم هو عبارة عن:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد *** تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد[5]

يعني هنا كان نصب وهناك جبل منحوت، ففي الجزيرة العربية توجد اشياء لا تتوفر في الكثير من الدول أو كان هناك الأدب الذي تتبارى الأمم فيما بينها خصوصاً الأمم المتقدمة كالحضارة عند اليونانيين وغيرهم بالآداب فبجانب النقش كان الأدب، الجزيرة العربية أيضاً حظيت بمجموعة ممن رفعوا لواء الأدب ودوّنوا مكارم الأخلاق قبل أن يأتي الإسلام لذلك القرآن لم يقل جئناك لتبني الأمة على أساس من الأخلاق وانما جاء على أساس: ﴿واِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظيم[6]؛ و إنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق[7] إذن أصول الخلق النبيل المتوافق مع الفطرة كان موجودً بناءا عليه لابد وان يكون الخطاب الديني أيضاً في هذا السياق فالجزيرة بهذا المعنى لها هذه الخصوصية، أيضا كون البيت الحرام موجوداً هناك؛ يعني قد طرق مكة المكرمة حتماً وجزماً الكثير من الأنبياء ونحن لا ندخل في حساب العدد، لانه قد نحاسب عليه يعني كيف تقول هذا العدد؟ لماذا لا يكون أكثر من هذا؟ لماذا لا يكون اقل؟ او النصوص التي وردت ضعيفة، او غير ذلك لكن حتما جزما ان هناك سيل من الأنبياء قد تقاطروا على مكة المكرمة ووضعوا لهم بصمة في ذلك المجتمع.

السماحة في الشريعة

 في مكة المكرمة كانت الرسالة، الخطاب الديني من خصائصه المهمة سهولة التشريع لاحظوا أن التشريع الذي جاء به النبي (ص) لم يكن مرفوضا بل كان مقبولاً؛ لأنه يتماشى مع الفطرة وسمة السهولة على النص واضحة لذلك يقول (ص): بُعثت بالشرعة السمحاء[8] هنا نكتة وهي ان هناك سماحة في تلك الشريعة، وان السماحة إذا ما سادت في البيت بات البيت في أحسنُ حالاته، والسماحة اذا سادت في المجتمع بات المجتمع في أحسن حالاته، والسماحة إذا تسيدت الموقف في بيت الحاكم او السلطان انبسطت سماحته على أبناء شعبه وهكذا في سائر المساحات سعة وضيقاً. النبي (ص) سماحة الرسالة التي جاء بها تتوافق مع سماحة نفسه. لذلك متى يجمح الإنسان؟ يجمح عندما يحقق انتصارا كاسحاً. النبي في دخول مكة حقق الانتصار الكاسح لكن ما الذي صدر، الذي صدر هو العفو العام لأولئك العتاة حيث خاطبهم (ص) بهذه المقولة المعروفة: اذهبوا فأنتم الطلقاء[9] ولم يكن الذي ما قدموه من العنت والمحاربة والمنازلة مع النبي ومعاكسة الاتجاه قليلاً بل كان بمقدار يقول عنه الرسول (ص): ما أوذي نبي مثلما أوذيت[10] رغم ذلك الرسول (ص) يقول: اذهبوا هذه السماحة العملية التي يبرزها النبي هي سماحة الرسالة. لكن متى تعقّدت الأمور؟ تعقّدت عندما تقدم الإنسان المتدين بالشريعة، فعندما تقدم الإنسان المتدين بالشريعة بدأت تضاريس تعقيد الإحكام الشرعية. دخل رجل على النبي (ص) وهو في منى وقد وضع النبي (ص) السواك في فمه الشريف يحركه ذات اليمين وذات الشمال فقال له الرجل: يا رسول الله أواجبٌ ذلك؟ فحوّل النبي وجهه عنه في الجهة الثانية، فقام الرجل ووقف في وجه النبي وقال له: يا رسول الله أواجب ذلك؟ فحول النبي (ص) وجهه عنه ثم جلس بين يدي النبي فقال له: يا رسول الله أواجب ذلك؟ فقال النبي (ص): أما والله لو قلت لكان واجباً اتركوني ما تركتكم[11] إذن الإشكالية لم تكن في الشريعة أو في المشرع وإنما كان الإشكال في الإنسان المتدين في ثقافته التي يتحرك على أساس منها من تلك الحركة ينطلق السؤال، السؤال اما أن يؤخذ في جانب التعقيد وهذا واضح وبين وله إسقاطاته وكثير من النصوص ايضا ربطته وثبتته لأنها صدرت أحكام ليس ثمة مجال للمشرّع ان لا يعطي جواباً في مسألة كما هو النبي كما هو الإمام المعصوم عليهم السلام فكانت هذه الأمور تأخذهم إلى هذا الجانب، إذن سهولة التشريع عطّلت بفعل الإنسان المتدين، الإنسان غير المتدين أصلاً لن تشمله مساحة كثرة السؤال، المبتلى بأمر كثرة السؤال هو الإنسان المتدين، فهذا الإنسان المتدين أيضاً ليس بالضرورة ان يكون إنساناً مثقفاً وواعياً ومدركاً، بل أحياناً يكون التدين مبني على حالة من الدروشة! والدروشة لا أساس ولا عمق علمي ومعرفي وفكري وثقافي لها.

السهولة في الشريعة

 الأمر الثاني إمكانية التطبيق؛ الشريعة هي رسالة سهلة سمحة بسيطة جداً جداً مع أنها عميقة في ذاتها الا ان التعاطي معها مرن وسهل التطبيق على كل من دخل الإسلام. لاحظوا العبارة التي صدرت من النبي لأول وهلة عندما أُمر بالصدع بالرسالة صعد رسول الله (ص) ذات يوم الصفا فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: مالك؟ قال: أرأيتكم إن أخبرتكم ان العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقونني، قالوا: بلى، قال: فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قد جئتكم بخير ما جاء به وارد إلى أهله قولوا: لا اله إلا الله تفلحوا ـ هو لم يطلب من عندهم شيء أصلاً سوى طلب الإقرار لله سبحانه وتعالى بالوحدانية! لكن ردّت الفعل كانت عنيفة وسريعة وقاسية في نفس الوقت، حيث حمل عليه ابو لهب وضرب النبي (ص) بحجر على جبينه، ـ وقال له: تبا لك ألهذا دعوتنا، فنزلت سورة تبت يدا أبى لهب.[12].

 

 

أهمية الاحكام الثانوية واسباب تطورها

إذن كانت الأمور في هذه السهولة وبهذه البساطة لم يكن فيها شيء أكثر من هذا، وكان المبنى الأساس هو الإقرار بالتوحيد لذلك لاحظوا ان أغلب التكاليف والتشاريع العبادية جاءت في فترات متأخرة، أصلاً جاء معظمها في المدينة ولم تكن مكية يعني أكثر عمر الرسالة الذي قضاه النبي في التبليغ كان في الجانب الأول ولم يكن في الجانب الثاني وحتى عندما كان في المدينة أيضاً لم يكن منصبّا بكله وكلكله على الجانب العبادي وإنما في آيات التكاليف العبادية في القرآن تقريباً خمس مائة آية كما هو موجود في كتب تفاسير أحكام الآيات، وما عدى ذلك هي في شؤون الحياة يعني أكثر من سدس القرآن لم يصرف في الجانب العبادي وإنما صرف في الجانب المعاملي وهذا أمر مهم وفي غاية الأهمية طبعاً حصلت طوارئ على الأمور استوجبت أن تتعقد كثير من الأمور أنا لا أطيل الكلام والشرح كثيرا في هذا الامر حتى لا يخرج الوقت من أيدينا

ازدياد الناس

 الأمر الأول تكثرت حاجيات الناس فعندما تكثر الناس تكثرت حاجياتهم وهذه حالة طبيعية الأحكام الوضعية بالمناسبة في الشريعة أكثر من الأحكام التكليفية المباشرة التي تنحل عن الخطابات المباشرة كآيات قرآنية أو احاديث شريفة أنا قبل أن أتزوج لست مكلفا بالكثير من التكاليف لكن عندما أتزوج تأتي التكاليف الوضعية تفرض نفسها على واقعي، قبل ان اتخذ دارا الجار غير موجود الآن أنا أصبحت في دائرة التكليف مع الجار، عندما ادخل في وظيفة ادخل في مساحة ثانية، في التجارة في مساحة ثالثة وهكذا الأمور تتوالى.

تطور حركة الاستنباط عند المدارس الإسلامية

الأمر الثاني هو تطور حركة الاستنباط عند المدارس الإسلامية سواءً كان في المدارس الشيعية بتشعباتها الثلاث المعروفة الإمامية والزيدية والإسماعيلية وهي الأطراف الثلاثة الموجودة اليوم أو في المدرسة السنية في أقطابها الأربعة المعروف وهي المذاهب الأربعة، هذه المدارس التشريعية في حركة الاستنباط ذهبت بعيداً ولكي لا اكشف مستوراً حتى بات تحريك العنصر المشترك في استنباط الحكم الشرعي على حساب النص نفسه إلى هذا الحد يعني أنا عندما اودع النص عندما اقرأ النص عندما يقرع النص إسماع الفقيه قبل مائة وخمسين سنة يختلف تماماً عن قرعه في زمننا هذا وهذه إشكالية ما لم يتم الالتفات لها والتيقظ سوف تدخلنا في نفق مظلم ولو بعد حين لماذا؟ لأننا متى ما فصلنا الزمن عن آثاره في الحكم الشرعي ومتى ما فصلنا المكان أيضاً عن أثره في الحكم الشرعي ومتى ما فصلنا القضية عن كينونتها وقتها لا نستطيع أن نتعامل مع التشريع لذلك لاحظوا في رسائلنا العملية الأحكام منصبة في الأغلب الأعم الأكثر على التكاليف الأولية حال أن المفترض ان مساحة التكاليف الثانوية وهي تشغل اكبر مساحة ان تحظى بحظوة معتد بها دونك الرسائل العملية جميع الرسائل العملية ـ وأنا مسؤول عن كلمتي لأنها مدوّنة ومسجلة وسوف تسمع ـ الرسائل العملية تبني أو تضع يدها في الكثير من الفتاوى ان لم يكن في جميع الفتاوى على نحو الحكم الأولي أما الأحكام الثانوية التي لها حاكمية واضحة وبيّنة على الأحكام الأولية كثيرة فهذه لا تلامس ولا يتم الاقتراب منها إلا على نحو الاجابة الإنشائية شخص يسأل من شخص يعطيه الحكم الأولي، يأتي الآخر بقرينة صارفة عن المراد الأول يعطي حكم آخر، أما مساحتها مساحة غير محفوظة، هناك شيء أيضاً مهم في الحوزات العلمية وينبغي أن يلتفت له ألا وهو؛ ان الحوزة باتت تمثل مفردة حاضرة في الوسط يعني مجريات الأحداث العامة استوجبت هذا الواقع ولا يمكن للحوزة ان تتنصل من كونها تعني هذه المفردة، السؤال المطروح اليوم هو: هل فعلاً الحوزة العلمية الآن تتحرك على أساساً من هذا الإدراك أم أنها تتغافل مع علمها ان ذلك يفترض ان تقف عنده طويلاً وترتب الأثر بناءا على المعطيات؟ هذه إشكالية كبيرة في ذهنية الإنسان الحوزوي اليوم طبعاً ليس كل من هو في الحوزة ،هناك قامات ولها خصوصياتها ولكن في الأغلب الأعم الأكثر نجد ان الحوزة لا زالت تراوح مكانها في الكثير من الحالات في دائرة استنباط الحكم الشرعي لا زالت تراوح مكانها حال ان الأمة تكثرت وتكثرت حاجياتها بناءا على تكثرها، كما اشرنا في تأسيس الكلام تعقدت المطالب فيما بين الناس بناءا على ان القضايا تعقدت أيضاً فيما بينها يفترض ان يكون هنالك مزواجة بين أمرين بين العمق والمرونة المحافظة على أصول الاستنباط بناءً على أنها أمور متوارثة طرا عليها التطوير بطبيعة الحال طرا عليها التطوير ولكن ما نحتاجه هو النقلة؛ لأن المجتمع يعيش نقلة نوعية يفترض ان تكون المفردة الخاصة وهي الحوزة أيضاً تعيش هذه النقلة النوعية حتى لا يحصل ثمة فجوة بين الطرفين، هي تسأل الجماعة عن تكليفها فتنتظر حتى فترة طويلة، بالمناسبة اذكر شاهد في المقام؛ عندما دخلت المركبات او السيارات للحياة في مناطقنا ودولنا وبدأت السيارات في العمل طبعاً كانت إيران متقدمة علينا باعتبار ان النفط خرج في إيران قبل ان يخرج بدول الخليج فالسيارات كانت متوفرة في إيران فطلب ساسة إيران في ذلك الزمن من مراجع الحوزة في قم المقدسة ان يكتبوا رسالةً في أحكام المرور باعتبار ان هذا المطلب جديد والحاجة تستدعيه والحيات تطورّت ووصلت السيارة يعني ان هناك أمور سوف تحصل من قبيل التجاوزات على الغير والحوادث و... فقدمت مجموعة من المسائل للسيد محمد حسين الطباطبائي البروجردي (رضوان الله تعالى عليه) السيد محمد حسين الطباطبائي البروجردي كان احد أقطاب الحوزة في قم وصاحب مسجد أعظم الذي يجاور مرقد السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام وقبره في المسجد نفسه وكان استاذاً لكثير من المراجع الكبار في قم امثال السيد الإمام الخميني والشيخ الأراكي والسيد الگلبايگاني وهاشم آملي (رضوان الله تعالى عليهم) وغيرهم كثيرين من تلامذته، كتب رسالته في أحكام المرور يعني الكلام حول هذا الموضوع قد مضى عليه ستين سنة حال إنك الآن تسأل عن مجموعة ترغب في ان تكون هنالك رسالة في أحكام المرور لا تجد إلا النادر على ان المسائل اليوم قد تعقدت أكثر وأكثر مما دخل فيها الشيء الكثير واستدعى الخوض فيها وبيانها، لكن الذي حصل اليوم هو ان الجماعة لم يكونوا كما أظن يعني لم يكونوا قد اعدوا نفسهم وفوجئوا بهذه النقلة التي حصلت في وسط المجتمع لذلك نجد ما يمكن عن نعبر عنه حالة من الصراع، لماذا نحن لا نكون صريحين مع أنفسنا! حالة من الصراع والتجاذب موجودة سواءً كان هنا في مناطقنا او كان في النجف او كان في مدينة قم والتي تعتبر من أهم المراكز والمعاقل العلمية، اليوم الصراع موجود، البعض قد يلحي باللوم على رجالات الدين من الدرجة الثانية او الثالثة او الرابعة، الإشكالية ليست من هؤلاء الجماعة، بالنتيجة هؤلاء يرجعون إلى جماعة معينة، أشخاص معدودين ومحسوبين، ولكي تستطيع أنت ان تجمع الكل على الكل عليك ان تبدأ بالدائرة الأصغر حتى يجتمع عليها الكل اما إذا بقيت الدائرة الأصغر تعيش خللاً وفجوة فبطبيعة الحال يحصل تداعيات وتحصل أفراد وتحصل جهات ويحصل تعصب ويحصل صراع ولو لم تكن هناك يد قابضة ربما يكون هنالك انفلات غير محمودة عقباه، فهل ينتظر الجميع هذا الواقع المر؟

التدين الحقيقي والتمظهر بالدين

بالنسبة للعنوان الذي طرحه الأخوة وقرأناه قبل قليل، مفردة التدين، والتدين حالة خاصة فقد جاء في الحديث الشريف عن امير المؤمنين علي عليه السلام انه قال: إن للقلوب إقبالا وإدبارا فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض،[13] يعني أنا لست مكلفاً بأكثر من هذا الشيء عندما يتحول التدين إلى تمظهر على حساب الواقع يعني الضياع، لأن المؤمّن والرابط والضابط له غير موجود، إذا رأيت الإنسان يتخبط في هذه المساحة، مساحة التمظهر بالدين يعني تراه في كل يوم هو في شأن، هذا اليوم له شكل وحالة معينة ويوما آخر بحالة وشكل مختلف، تارة مع هذه الجماعة وتارة اخرى مع تلك الجماعة فتراه متخبطاً، وهذا التخبط موجود حتى في الشعائر والتي هي عبارة عن ممارسة عامة وهي اقرب للعادات منها للتكاليف، فالذي نتعاطاه اليوم في الأغلب هي عادات ألبست ثوب الشعيرة، اما عندما نحلل هذه الممارسة نجد أنها لا أصل لها، لم تؤسس لها آية، ولم تفرّع لها رواية، ولا أصول جذرية لها في فتاوى مراجعنا ممن تقدم قبل قرون، وإنما هي حالة طارئة؛ أي شخصٌ أعجبه هذا السلوك، مارسه إمام جماعة تعتقد فيه، تميل إليه، ترى فيه الرمزية، صارت تتعاطى ذلك السلوك، مع مرور الأيام أصبح مقدساً ومن يقترب اليوم من المقدس كمن يقترب من النار والعياذ بالله وهذه إشكاليه وإشكاليه كبيرة فهي ممارسة عامة، الناس يشتدون ويضعفون في تعاطيها بقدر ما يتمظهر الإنسان بالتدين بقدر ما يحتاج إلى ان يتسلح بسلاح الشعيرة، الشعيرة المخترعة المبتدعة في الكثير من الحالات ودونك الممارسات والطقوس.

الدين، سلوك، يتحرك مع الانسان

على العكس من ذلك الاخلاق، السلوك؛ فإنها نهج ومطابقة، القرآن يقول ﴿ طه ٭ ما اَنزَلنا عَلَيكَ القُرءانَ لِتَشقىٰ[14]، كثرة الصلاة تمظهر، كثرة الذهاب للحج تمظهر، الإصرار على أداء الوظيفة بالطريقة المعينة تمظهر، القرآن لم يمدح النبي على كثرة صلاته وعبادته هذا القرآن بين أيدينا بسم الله انظروا ماذا يقول؟ القرآن لم يمتدح النبي (ص) في جهاده بل قال: ﴿لا تُكَلَّفُ اِلّا نَفسَكَ[15] لكن انظروا الى القيمة الأساسية وهي قيمة الخلق، فلا يوجد أكرم من النبي ولا أشجع من النبي ولا اعبد من النبي ولا اعلم من النبي لكن القرآن لم يخاطبه ويقول له: وانك على علم عظيم او انك لفي قوة شديد، او انك شديد البأس بل بالعكس قال له: ﴿واِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظيم[16] الخُلق ليس كلاماً ولا تنظيراً ولا استعراض من خطيب أو مؤلف، الأخلاق سلوك، تطبيق عملي لذلك النبي (ص) في الحديث عن الصادق عن النبي (ص) انه قال: لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإن ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته.[17]، يعني انظروا الى أداءه لوظيفته فقد يقوم الليل ويتهجد في الأسحار ولكن ظالم لنفسه، لا يتمتع بما انعم الله عليه، هذا نوع من أنواع الظلم، عبوساً قمطريراً في وجه زوجته نوع من أنواع الظلم، وان قام الليل وصام النهار وتلا القرآن وتصدق بما تصدق! الدين ليس فقط هذا المربع، بل هو سلوك يتحرك مع الإنسان في جميع جوانب حياته؛ في قيامه، في قعوده، في ذهابه وإيابه، في منطقته، في فعله لذلك نرى الإمام الصادق عليه السلام يقول: كونوا لنا زينا، ولا تكونوا علينا شينا[18] ؛ او كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم فمجرد الكلام؛ تعالوا، اذهبوا، اجلسوا، قوموا، هذا الأمر جيد، هذا الأمر غير جيد! هذه الامور لا تقدم ولا تؤخر! عليك انت تنظر لترى هل توجد مطابقة بين ما يقول الانسان وما يفعله! قل له تعال وتكلم عن الغيبة، له استعداد ان يأتي اليك بخمسين رواية لكن ليس لديه استعداد ان يعطي ساعة من مطابقة في القول مع الفعل، يسأل عن شخص كيف هو؟ ما هي اخباره؟ وضعه باي صورة؟ و... لكن في الاثناء يقول كلمة تكون بداية للخوض في طعنه وانتقاصه.

 

الازدواجية هي حالة طارئة على الانسان

الازدواجية أيها الأحبة ليست أصيلة في سلوك الإنسان هي حالة طارئة وحيث أنها حالة طارئة يمكن ان يتغلب الإنسان عليها لكن متى يتغلب الإنسان عليها؟ يتغلب عليها اذا ما اعد للشيء عدته ماهي العدة؟ العدة: التدين الواعي، الثقافة الواعية، الشعور بالمسؤولية ليس اكثر من هذا، المتدين على وعي يعرف مقاصد الشريعة، يتماشى مع مقاصد الشريعة، صاحب فكر واعي، لا تأخذه الرياح يميناً وشمالاً كما يريد ان لا يحاكم عليه ان لا يحاكم عليه، عليه ان يقرأ وان يتدبر حين القراءة، وعليه ان يستظهر بعد التدبر، وعليه ان يتزاوج مع أفكار الآخرين.

الانفتاح على الآخرين وعدم الانغلاق على النفس

واحدة من نكبات هذا الزمن هي الانغلاق على النفس مع دعوى الانفتاح، عندما تأتي لشخص سوف يقول لك: لا نحن غير منطويين ولم نغلق ابواب بيوتنا امام الآخرين! صحيح انت لم تغلق باب بيتك، إلا انك اغلقت نفسك، انفتح على الآخرين، فان منشأ السدود الموجودة والمصطنعة التي تفرض علينا واقعا ازدواجياً يراد لو ان يكون ثابت ومستقر هو هذا الجانب، جانب عدم الانفتاح على الآخرين حتى في دائرة إبراء الذمة، نحن نتكلم مع الطبقة المتدينة وهؤلاء هم المعنيون بهذا الكلام، مثلاً جاءني: ان زيد من الناس تكلم على عمر من الناس، وصلني الخبر فما هي اقصر الطرق لتقصي الحقيقة؟ أنا اريد ان اعرف عمر من الناس وأسأل منه عن الموضوع لكن ماذا افعل أنا؟ اذهب الى خالد من الناس وأبدأ معه واقول: هل عرفت ماذا قال زيد و...؟ ماذا سيحدث حينها؟ سوف يتم توسيع دائرة القضية وتتوسع ويدخل في هذه الدائرة اناس آخرين. فمن السهل على الإنسان ان يجلس في المجلس ويغتاب ويسقّط ويحارب ويهاجم ويدمّر لكن من الصعب عليه ان يستظهر الحقيقة. هنا قضية تحضرني وفيها اختم كلامي لان الوقت تقريباً شارف على النهاية هذه القضية مهمة جداً، لان فيها درس وفيها عبر السيد محمد باقر الحكيم (رضوان الله تعالى عليه) شهيد المحراب انا سمعتها منه مباشرة ومن غير واسطة يعني كنا في المجلس فالسيد محمد باقر نفسه يقول: أراد احد الأشخاص ان يوجد حالةً من النفرة بينه وبين السيد الجزائري إمام جمعة الأهواز باعتبار ان تلك المرحلة كانت مرحلة حرب وكان هناك معسكر وترددات وأمور وما إلى ذلك... فجاء احد الافراد وهو رجل دين إلى السيد محمد باقر الحكيم الذي كان يتخذ من طهران مقراً له ونقل له بان السيد نعمت الله جزائري تعرض للمجلس الاعلى (الذي كان يرأسه السيد الحكيم) وتعرض بشخصكم الكريم في اليوم الفلاني في المكان الفلاني و... التفت إليه سيد محمد باقر الحكيم رحمه الله وقال له هل لديك الاستعداد ان تقول ما قلت لي للسيد نعمت الله الجزائري ؟ فأجابه الشخص بالإيجاب، ما الذي حصل؟ الذي حصل ان السيد محمد باقر الحكيم يقول استقلت الطائرة من طهران إلى أهواز ولم انم تلك الليلة وحضرت في محضر السيد الجزائري إمام جمعة الأهواز وذكرت له الموضوع من أوله إلى آخره فذكر له السيد نعمت الله الجزائري انه لم يكن في صدد إنسان اسمه السيد محمد باقر الحكيم والقضية لم تكن تعنيكم لا من قريب ولا من بعيد وكانت في صدد وجهة أخرى! رجع السيد الحكيم إدراجه إلى طهران استدعى ذلك الرجل وقال له: نقلت للسيد الكلام والسيد قال لي: الكلام لم يكن في جهتي ولم يكن في طرفي! ضريبتها ماذا كانت؟ هو ان رجل الدين قام واعتذر من السيد ولكن هل هو هذا حل؟ لنأتي بعكس القضية، لو حصلت لنا مثل هذه القضية ولم نذهب نحن لتقصي الحقيقة ما عسى ان يحصل ولو ان السيد الحكيم لم يذهب ما الذي عسى ان يحصل؟ لا يعلم به الا الله سبحانه وتعالى، فمشكلة هذه الأمور موجودة وتحكم الأمة، الا انها حتماً سوف تعود إلى واقعها الطبيعي وفي ثوب جديد والعودة الحميدة للدين قريبة بما يؤمّن للإنسان عهدة التكليف ويؤمّن له عدم التقاطع مع مصالحه اليومية ومتى ما تحملنا المسؤوليات يمكن ان يتحقق ذلك الشيء، متى ما فتحنا باب المنافسة العلمية المعطّلة مع شديد الأسف على مصراعيها وقتها نكون استطعنا ان نقطع مسافة في هذا الطريق من خلال هذا نستظهر الانتظار الواقعي لإمام العدالة الكبرى، غير هذا الطريق لا يمكن ان نصل الى المقصود، بناء الذات شيء مهم، إعداد الموارد وهي متوفرة، وبناء المجتمع المهدوي المصغّر مهم، حيث يمكن ان اشكل من بيتي مجتمعاً مهدوياً مصغرا ليكون بمثابة العدالة الصغرى التي من خلالها استشرف العدالة الكبرى المنتظرة ثم تتسع الدائرة معنا، غير هذا الحجر الأساس في هذه القضية، أتصور إننا سوف ننتظر طويلا وتأتي أجيال وتنتظر أطول ممن انتظرنا. اسأل من الله سبحانه وتعالى ان يأخذ بأيدينا وأيديكم إلى ما فيه الخير والصلاح ارجوا أن أكون قد تقيدت في الوقت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.