نص كلمة بعنوان: دروس وعبر من حياة الائمة المعصومين عليهم السلام

نص كلمة بعنوان: دروس وعبر من حياة الائمة المعصومين عليهم السلام

عدد الزوار: 645

2014-02-10

دروس وعبر من حياة الائمة المعصومين عليهم السلام

﴿واِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظيم[1] بارك الله لنا ولكم المولد السعيد لسيد البشرية، خاتم الرسل محمد (ص)، وذكرى مولد إمام مذهبنا الإمام جعفر بن محمد عليه الصلاة والسلام.

 في حياة الأئمة عليهم السلام دروسٌ وعبر، على الإنسان المسلم أن يتعرف عليها إذا ما أراد أن يعيش عيشةً كريمة تسودها المحبة، والسعادة، بيت النبي (ص) أشرف البيوت وأكمل البيوت وأنور البيوت، وروايات اهل بيت العصمة سلام الله عليهم تؤكد لنا هذا المعنى بان المقصود من البيوت في هذه الآية الشريفة: ﴿في بُيوتٍ اَذِنَ اللهُ اَن تُرفَعَ و يُذكَرَ فيهَا اسمُهُ[2] هي بيوت محمد وآل محمد[3] لماذا هي؟ لأنها الأنموذج الأكمل؛ ولأنها المدرسة المستجمعة لكل عناصر الكمال، بيتٌ، يستجمع العصمة في جميع جوانبه، والعصمة تتحرك بحركة أهله؛ فالنبي الأعظم أصل العصمة كما أنه أصل النورانية وهو أول مخلوق خلقهُ الله سبحانه وتعالى في عالم الأنوار،[4] الإمام علي عليه السلام وهو المعصوم الثاني وفيه جميع مكامن العظمة وهو من ذلك النور الأول، النبي يقول (ص): عليٌ مني بمنزلة النور من النور[5] الزهراء سلام الله عليها ركن العصمة الوثيق والرابط بين النبوة والإمامة والزهراء سلام الله عليها لها خاصيتها بين نساء البشر لذلك توّجتها السماء سيدة عليهن بما فيهن النساء الكاملات، الإمام الحسن أبو محمد عليه السلام مدرسة ومنارٌ من منارات العصمة، الإمام الحسين عليه السلام الركن الوثيق ومنه انحلّت كوكبة الإمامة المعصومة إمام بعد إمام حتى الخلف الباقي من آل محمد (ص) وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً وعلى هذا جاءت الأحاديث من الفريقين من الخاصة عن محمد وآل محمد ومن العامة عن النبي وفق وسائطهم التي اعتمدوها،[6] لكنها تصب في اتجاه واحد أن المهدي لابد من ظهوره وأنه من ذرية النبي وأن الله يملأ الأرض قسطاً وعدلاً وأن العدالة الكبرى إنما تتم على يديه والسعادة العظمى إنما تتحقق في دولته الكبرى.

مدرسة الاخلاق

 النبي الأعظم (ص) صاحب المناسبة الإمام الصادق عليه السلام صاحب المناسبة النبي فيه كل الكمالات بل هو أصلها والقرآن اختزلها وجمعها في صفة هي أكثر مساساً وحاجةً لبني البشر ألا وهي مدرسة الأخلاق إذا تخلّق الإنسان بالخُلق الكريم تفتحت أمامه أبواب المعرفة، وإذا عرف الإنسان سار في اتجاه الهداية وإذا اهتدى الإنسان حقق السعادة الكبرى؛ لذلك القرآن يقدم لنا النبي (ص) من خلال هذه الجهة ﴿واِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظيم معنى ذلك أن الأخلاق ولا أقل على نحو النسبية كانت موجودة والناس يتعاطونها فيما بينهم من قبيل احترام الصغير للكبير هذا الامر كان موجودا قبل الإسلام كحالة، الإسلام رشّده وظّفه في سبيل الهدف الأسمى، أيضاً حفظ حقوق الجار كان من الخُلُق الكريم لذلك كان الكثير من العرب فيما مضى لا يتخذون لبيوتهم أبواب اعتماداً على أن الإنسان في مرحلته الأولى يحكمه الخُلُق النبيل في المرحلة الثانية المحافظة على حق الغير والجار أولى لذلك أصلا كانوا يفتخرون أن بيوتهم ليست لها أبواب حتى أن البعض منهم ما كان يخشى على بيته! لماذا؟ لأن الخلُق السائد بين الناس وقتئذ في معظمه كان بهذه المثابة حال إنه لم يصل إلى صفة الخلق العظيم يبقى في دائرة الخلق النسبي شاعرهم يقول:

 

مـا ضر جـارٌ ان يجاورني               أن لا يكون لبابه سترٌ

أعمى إذا ما جارتي برزت            حتى يواري جارت الخدر[7]

الجار لشدة احترامه لحرمة جاره كان يقول لا داعي ولا مستوجب لأن يضع جاري باباً على بيته مخافة على أهل بيته، أنا أمر على بيته وإذا ما كان الباب مفتوحا أنا امر كالأعمى مغموض العينين. هذا خلق نبيل، أيضاً كان إكرام الضيف صفة سائدة إكرام الضيف أيضاً هي صفة من صفات الأخلاق الكريمة لذلك العرب تقول لا يسود بخيل[8] بل العرب بناءاً على هذا الاصل لم يؤمّر عليهم، بل في مقام التزاحم بين وجهائهم يقدمون الاندى يداً.

الشجاعة أيضاً من الصفات الكريمة ذات الطابع الخُلقي النبيل إذا ما وجّهت باتجاهها، ومن صفات العرب الشجاعة والنخوة والكرم وحفظ الجار والغيرة على الشرف وعلى العرض على أن هذه الأمور صفات كمال إلا أنها مع التدقيق تحاط بصفتين من السلب لنأخذ مثال الشجاعة؛ لا يختلف اثنان على أن الشجاع له قيمة لكن هذه الصفة أحياناً يحكمها أحد عاملين؛ إما عامل الإفراط، أو عامل التفريط فيسقط الشجاعة الموجودة في داخل ذلك الإنسان الموصوف بالشجاعة إلى دائرة النقص كيف؟ إذا غضب الشجاع تهوّر والتهوّر صفة سلبية، فحينها يتحول القتل الموظّف والمؤمّن من خلال الدين إلى فتك، إلى ظلم، إلى جور فتصبح الشجاعة موظفة في غير محلها، والعكس صحيح شجاع في قبيلته شجاع في قومه يشار إليه بالبنان ولكن عندما يجيء العدو ليداهم تحوّل ذلك الشجاع إلى جبان وتحيط به حالة من التخلي عن الدور المناط به واذا بحالة الخوف التي تسيّدت موقفه أسقطته من مربع الشجاعة إلى مربع الجبن؛ فالتهور وجبن الإنسان بينهما شجاعة إذا تخلص الشجاع من هاتين الغائلتين فهو الشجاع التي يحمل صفة الشجاعة في إطار الخلق، فلا يتخلى عن واجب ولا يسرف في القتل وأنت إذا أمعنت النظر في هذا تجد أن النبي (ص) وأهل البيت عليهم السلام وضعوا هذه المفردة في موضعها من قبيل: «لا تُجهز على مدبر» حال أنه في الزمن قبل ذلك كان يعقبون وراءه ولا يرفعون اليد حتى يعمل السيف الا ان اهل البيت عليهم السلام يقولون لا اذا ما ألقى السيف وولى مدبراً يجب ان يترك «ولا تجهز على جريح» كانوا يقتلون الجريح ليتخلصوا منه «ولا تقتلوا أسيراً»[9] وكانوا يقتلوه ليسلبوه ويسلبوا ما وراءه؛ لكن النبي شذبها ووظّفها هنا خلف خلق عظيم، سائر صفات الكمال هي محوطة عادةً بصفتين سلبيتين لذلك القرآن امتدح النبي وأراد أن يقدم منه للأمة قدوة ﴿لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ الله اُسوَةٌ حَسَنَةٌ[10] أسوة حسنة يعني قدوة نتمثلها في حياتنا في مجالسنا في بيوتنا مع زوجاتنا مع أبنائنا مع أصدقائنا مع من يعملون معنا في دوائر العمل مع إخواننا في الوطن مع إخواننا في الإسلام مع إخواننا في الإيمان لابد ان يكون التعامل بناءا على الخلق الكريم النبيل على ما عمله النبي (ص).

اهل البيت عليهم السلام قدوة ينبغي التمسك والاقتداء بهم

 الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة يقدم لنا أهل البيت على أنهم القدوة التي ينبغي أن يتمسك بها الإنسان وان يسير وفق هديها ووفق عطائها فيقول عليه السلام: انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى. فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا. ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا...[11] يعني تأملوا في سيرتهم في حياتهم في ما كتبه التاريخ عنهم إذا تلاحظون ما من شخصية جاءت إلا واختلف عليها من حيث كمالها إلا هذه الكوكبة النيرة اذلم يختلف عليها حتى الخصوم، فالخصم لعلي لا يستطيع ان يقدح في علي، الخصم للإمام الحسين أيضاً لا يستطيع ان يقدح بالامام عليه السلام لذلك عندما قال لهم الإمام الحسين حينما اراد ان يلقي الحجة عليهم عَلى مَ تُقاتِلُوني، عَلى حَقٍّ تَرَكْتُهُ، أَمْ عَلى سُنَّة غَيَّرْتُها، أَمْ عَلى شَريعَة بَدَّلْتُها؟! فقالوا: بل نقاتلك بغضاً منّا لأبيك![12] لم يطرحوا عذرا مقبولا لأمر قام به الإمام الحسين وحاشاه ان يقوم بأمر لا يتوافق مع الضابط الشرعي لا إنما قالوا: نقاتلك بغضاً منا لأبيك هذه ليست حجة مقبولة ومعقولة بل هذه حجة عليهم يعني صرحوا بألسنتهم أنهم يقتلون ابن الزهراء بغضاً للزهراء يقتلون ابن الإمام علي بغضاً لعلي يقتلون ابن النبي بغضاً للنبي هم يقولون نحن لا نتقول على ألسنتهم، هم يدينون أنفسهم بأنفسهم، إنما نقاتلك بغضاً منا لأبيك. الإمام علي عليه السلام يقول: انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم يعني الزموا طريقتهم، منهاجهم، دستورهم كيف كانوا يتصرفون، تصرفوا انتم كذلك وفق ذلك الطريق الذي رسموه ووضعوا عليه العلامات الإرشادية أو الإشارات الإرشادية يميناً وشمالاً هو طريق مستقيم لكن هناك من يتنكب الطريق، يحيد عن الجادة العلامات التي نصبوها تعيد الإنسان إلى النصاب، إلى الطريق المستقيم، الصراط المستقيم نحن نقرأ في كل صلاة ﴿اِهدِنَا الصِّرٰطَ المُستَقيم[13] ما هو الصراط المستقيم؟ هو النهج الذي رسمه محمد وعلي والكوكبة النيرة عليهم السلام هذا هو الصراط المستقيم، واتبعوا آثارهم ـ أو أثرهم ـ يعني اتبعوا الروايات لتي جاءتنا عنهم والتي تبين سلوكياتهم في ميدان القرب وفي ميدان العمل. الإمام علي عليه السلام يصرح ويبين السبب فيقول: فلن يخرجوكم من هدى إذا التزمتم سمتهم واتبعتم أثرهم لن يخرجوكم من دائرة الهدى ومن دائرة الحق، ولن يعيدوكم في ردى، عكس الهدى الضلال العياذ بالله وما وراء الضلال إلا الخسران المبين وهو التردي، التردي في الحياة والتردي بعد الممات، يعني لا يتصور احد بأن التردي يكون فقط في هذه الدنيا بل حتى في الآخرة تتبعه حالة التردي والعياذ بالله، نعم قد تدركه الشفاعة، لكن هذه الشفاعة تكون وفق معطيات، وهذه الشفاعة لا تدركه بقدر ما يكون ذلك الإنسان ثابت اليقين، مستقر الإيمان النتيجة حسنة، العاقبة طيبة، هذه النتيجة لها مثبتات لذلك نحن ندعو دائما بان يثبتنا الله على القول الصالح، اللهم ثبتنا على ولاية أميرا لمؤمنين عليه السلام، كثيراً ما نردد: اللهم ثبتنا على ولاية أميرا لمؤمنين والمعصومين من آله ولا ينبغي ان تكون هذه المقولة مجرد لقلقة لسان بل تحتاج إلى تجسيد عملي، بمعنى ما أمرونا به نمتثل به، نطبقه، وما نهونا عنه نبتعد عنه، وإلا مجرد القول باني على نهج علي وفي الواقع اسير على خلاف نهج علي هذا مشكلة ومشكلة كبيرة جداً على الإنسان أن يحاسب نفسه عليها. الإمام الكاظم عليه السلام الإمام السابع من أئمة مذهبنا الحق له رواية يلفت من خلالها انتباه شيعته ـ اللهم اجعلنا منهم وثبتنا على ذلك ـ يقول عليه السلام: ليس منا من لم يحاسب نفسه في اليوم والليلة مرة ـ في رواية ـ في الأسبوع مرة[14] لماذا؟ الروايات الاخرى تبين لنا ذلك فتقول: لأن أعمالكم تعرض علينا[15] اليوم ينتهي الأسبوع ويمضي لكن هذا الملف وهذا التقرير لعملي مثبت وباقي، فكما ان هذا الشيء في جانبه المادي موجود فنرى مثلا في حياتنا اليومية؛ في الإدارة في الوزارة في المؤسسة لابد للإنسان وللموظف ان يرفع تقرير عن عمله، في الجانب الأخروي أيضاً هذه الأعمال تعرض لكن تعرض على من؟

عرض الاعمال علی امام زماننا

 تعرض على الأئمة المعصومين، وبالنسبة لنا تعرض على الخلف الباقي عليه الصلاة كل أسبوع فينظر الإمام المهدي في صحائف أعمالنا فيرى ما هي بذور المحبة التي بذرناها في الأسرة وفي المجتمع وفي الأمة وما هي بذور السوء والعياذ بالله التي زرعناها في وسط الأسرة، في وسط المجتمع، في وسط الأمة، يضع الدوائر عليه الصلاة والسلام، يضع علامات القبول والرد ونحن لا نلتقي هذه النتائج ولا نقف على المحصلة إلا يوم القيامة ﴿يَومَ نَدعوا كُلَّ اُناسٍ بِاِماٰمِهِم[16] نحن إمامنا المفترض الطاعة علينا اليوم هو الخلف الباقي صلوات الله عليه يوم القيامة أعمالنا تختم بختمه الأكبر، وقتها الإنسان مسؤول عن نفسه، فان قدم الحسن جاء له قالب المثال النوراني يدفع عنه وما نقص من عمل يثقّل له، والعكس صحيح كما في الدنيا عندنا معايير وموازين في الآخرة ايضا هناك معايير وموازين؛ لكنها أكثر دقة لماذا؟ لأن اليوم في موازيننا إلموجودة والتي نستخدمها لو وضعت الإحسان في ميزان ما ترى تغيرا يعني لا تتغير كفة الميزان أكثر من ثانية ضع عليها المحبة ما يتغير شيء ضع عليها الصدق ما يتغير شيء ضع عليها الأمانة ما يتغير شيء؛ لأنها أشياء غير محسوسة معاني تجسدت اعطت ثمرها، لكن في الآخرة يأتون بالإحسان ترجح الكفة، يأتون بالأمانة يزيد ثقل الميزان، يأتون بحب الأب لأسرته والتوسيع على عياله يثقل الميزان، تأتي خدمات الإنسان لأبناء مجتمعه لمن يعمل معه في الدائرة لمن يعيش معه في الحي لمن تحسب له يثقل الميزان، العكس صحيح أحيانا يكون رجحان والعياذ بالله في الطرف الآخر يأتون لأعماله فيضعون الصلاة باعتبارها اكثر شيء يثقّل الميزان واذا بالصلاة ايضاً لا يكون لها ذلك الاثر والوزن لماذا؟ لأنه حینما صلى الصلاة ما كانت هذه الصلاة خالصة لله تعالى وقربةً له، وعندما جاء إلى المسجد لم يكن مخلصاً لله، وحينما عزا لم يكن معزياً لله، وإنما ليقال بأن فلان حضر الصلاة او حضر العزاء او تصدق او... فيوم القيامة سوف يقولون له اذهب إلى من عملت له! الم تأتي إلى المسجد لأجل فلان؟ اذهب لفلان خذ أجرك منه والعياذ بالله! وقتها الندم والحسرة الكبرى، هناك أشياء نعملها في كل يوم سهلة خفيفة على اللسان لكنها ثقيلة في الميزان لو اهتمینا بها فسننال الخير الكثير، الروايات عن أهل البيت عليهم السلام تبين لنا جزء من هذه الاعمال الخفيفة على اللسان والثقيلة التي ترجح الاعمال يوم القيامة فيقول امامنا الصادق عليه السلام: أثقل ما يوضع في ميزان الإنسان،  أو في رواية ، المؤمن يوم القيامة الصلاة على محمد وآل محمد[17] هذا أثقل شيء فما هو المقدار الذي يتمكن الانسان في اليوم ان يصلي على محمد وآل محمد فينبغي ان يكثر حتى يثقل الميزان ويرجحه. ولن يعيدوكم في ردى؛ وإن نهضوا فانهضوا يعني كيف؟ يعني لا تخلع جلباب التقية عنك لا تقول الفرصة الان متاحة وتذهب معها ابعد من حدودها، الفرصة هنا الاعتدال؛ يعني مثلا انت في مكان تتصور أنك في هذا المكان يمكن أن تقوم بكل شيء لا أبداً لابد ان تحتاط بأمورك ما استطعت، وأنت غير مسؤول عن أكثر من ذلك، حفظ النفس واجب، حفظ المال واجب، حفظ العرض واجب، حفظ الجماعة واجب ،حفظ المذهب وقيمة المذهب واجبة.

علم الامام المعصوم علیه السلام

 على الإنسان أن يلتفت إلى هذه الأمور، هناك رواية أخرى أيضاً عن الامام الصادق عليه السلام يقول فيها: والله انى لاعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفى فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما يكون وخبر ما هو كائن قال الله ﴿فيه تبيان كل شيء[18] القرآن خاطب جميع البشر، لكن فهم القرآن له مقامات، إذ ان فهم العالم يختلف عن فهم غير العالم، الإنسان الذي تربى في الحوزات العلمية وتقلب على مدارس التفسير وألقى بكله وكليله على مدرسة القرآن حتما يكون أكثر قدرة على استنطاق القرآن والاستفادة منه. السيد محمد حسين طباطبائي صاحب أهم التفاسير الإسلامية وهو تفسير الميزان والذي مر علينا ذكرى وفاته رحمه الله تعالى، هذا الرجل العظيم لأنه عاش القرآن استطاع ان يقدم هذا التفسير، السيد العارف عبدالاعلى السبزواري رضوان الله تعالى عليه لانه عاش القرآن استطاع أن يستنطق وان يخلص الى تفسير مواهب الرحمن في تفسير القرآن، أستاذنا الشيخ مكارم الشيرازي؛ لانه اقترب من القرآن؛ لانه تدبر فيه استطاع أن يعطينا كتاب تفسير الأمثل. أما المعرفة الحقة والحقيقة التامة الكاملة التي لا نقص فيها فهي: لا يعرف القرآن الا من خوطب به[19] وهم محمد وآل محمد لذلك الإمام يقول كأنه في كفي يعني ذلك العلم كأنه في كفي كالخاتم في يدي انا احركه؛ لأنه في كفي كجرم مادي، العلم شيء معنوي الأمام يقول كأنه في كفي خبر السماء وخبر الأرض لذلك الإمام علي في الكوفة يقول: اسألوني عن طرق السماء أنا اعلم بها من طرق الارض[20] اذا كان هناك من يدعي بانه يعرف الطريق من البصرة إلى بغداد أو من المدينة إلى الكوفة فالامام علیه السلام يقول: لا، أنا أعرف عن طرق السماء وخبر ما كان وخبر ما هو كائن يعني ليس فقط الذي فات حتى الآتي من الأحداث والقضايا يقول أنا اعلم بها، لذلك الإمام علي عليه السلام في مسجد الكوفة يقول: سلوني قبل أن تفقدوني من يستطيع ومن يجرؤ أن يدعي هذا: سلوني قبل ان تفقدوني إلا علي عليه السلام وآل علي عليه السلام وقبلهم النبي الأعظم محمد (ص) وإلا حتى الأنبياء وحتى الرسل في بعض المواطن كما يقول القرآن: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا[21] يعني لحد الان هو لم يفهمها لكن نحن فهمناها له، بخلاف الأئمة عليهم السلام. قال سبحانه وتعالى: ﴿فيه تبيان كل شيء﴾ لايوجد شيء كائن أو يكون الا وهم يعرفونه ويخبرون به لذلك الإمام علي عليه السلام في مسجد الكوفة لما قام وقال هذه الكلمة في مجتمع الكوفة والذي يعرف بانه مجتمع خليط اي لم يكن جميع مجتمع الكوفة في ركاب علي عليه السلام بل كان هناك متناقضات في المجتمع الكوفي فحتماً البعض اثيرت حفائضهم من خلال هذه الكلمة فقام رجلٌ وقال للإمام علي عليه السلام متى يخرج المهدي منكم؟ هذا كان من الموالين وهو الاصبغ ابن نباته وقام آخر وقال له: كم شعرة في طاقة راسي؟ انظروا كيف ان الذي تخرج من مدرسة أهل البيت ما هو منطقه يسأل حاجياته؛ عن المهدي متى يخرج ولوازم الخروج، ما يترتب الخروج وذلك الشخص كي يقطع كلام الامام عليه عليه السلام يقول: كم شعرة في طاقة راسي أي فرضة رأسه؟ الإمام علي عليه السلام يلتفت يجيب هذا بجواب ويجيب ذاك بجواب يقول لصاحب السؤال عن عدد الشعر: تحت كل شعرة شيطان يستفزك والله لو شئت لاخبرتك (ولو قال له لزدادت شياطيه) طبعاً الإمام رأفة به وليس عجزاً به يقول لو شئت لأخبرتك. اما بالنسبة للذي سئل: متى يخرج المهدي منكم أهل البيت؟ قال له عليه السلام: إذا ثقلت الظهور وحجب المنشور كلمة ثقلت الظهور تعتبر شفرة في مصطلحنا اليوم اي تحتوي على الكثير من المعاني فماذا يقول له؟ يقول: إذا ثقلت الظهور، ثقلت الظهور باي شيء؟ هل بالملابس؟! نحن اليوم ملابسنا اخف من ذلك اليوم، في السابق كان لباس الناس يتكون من لباس داخلي ثم صاية بعد ذلك جبة من الصوف والوبر و... بل إذا ثقلت الظهور من المعاصي والعياذ بالله، الانسان يوم القيامة يتهادى ﴿ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ[22] من أي شيء سكارى من الذي حملوه فوق ظهورهم.

مهجوریة القرآن الکریم

القرآن الكريم هذا الكتاب الشريف والرق المنشور وهذا الدستور المنشور بين أيدي الناس اصبحت العلاقة معه في حالة من التباعد وحصلت حالة من الأعراض عنه اصبح الواحد منا لا يتعاهده إلا في زمن الفواتح اذ لابد له ان يفتحه ويقرأ منه سورة قصيرة على اقل التقادير، او اذا كان وراءه امتحان في المدرسة مطلوب منه تحضير آيات معدودة، او لأجل ان يأخذ الانسان خيرة، وحتى في شهر رمضان الذي هو ربيع القرآن[23] لا نتعاطاه بشكل مطلوب، ايام شهر رمضان في هذا الزمن تختلف عن شهر رمضان في السابق حيث ما كان يخرج احد من شهر رمضان الا وختم فيه القرآن، في الوقت الحاضر جميع الاسرة يشتركون في ختمه واحدة وحتى هؤلاء هم لم يختمونه إلا ما خرج بالدليل وإلا من وفّق.

عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: ثَلَاثَةٌ يَشْكُونَ‏ إِلَى‏ اللَّهِ‏ عَزَّ وَ جَلَّ مَسْجِدٌ خَرَابٌ لَا يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُهُ، وَ عَالِمٌ بَيْنَ جُهَّالٍ، وَ مُصْحَفٌ مُعَلَّقٌ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْغُبَارُ لَا يُقْرَأُ فِيهِ.[24]

وفي بعض الروايات يسقى عليه التراب، من السنة إلى السنة ولا نرفع عنه التراب نحن في هذه المناسبة؛ ذكرى مولد النبي (ص) وحفيده الصادق عليه السلام علينا أن نرجع قليلاً مثلا الليلة قبل ان ننام نجلس مع انفسنا وندقق في علاقتنا بالنبي هل هي علاقة صحيحة ام هي مجرد علاقة عاطفة، مع الإمام الصادق نحن نقول وندعي باننا جعفرية لنرى الى اين تأخذنا هذه الكلمة هل يوجد تطبيق وتجسید. القرآن خلّفه النبي (ص) أمانة في يد الأمة كيف نتعاطى هذه الأمانة؟ كيف نحافظ عليها؟ كم نقرأ من الآيات؟ كم نتدبر فيها؟ وكم نطبق منها؟ الإمام الصادق عليه السلام أيضاً خلف وراءه تراثاً ضخماً أيضاً نحن نسأل كم استفدنا نحن من هذا التراث الذي خلفه وراءه؟ روايات تبصرنا بالصغيرة والكبيرة من أمور حياتنا، النبي هو نبي الرحمة العامة؛ علينا أن نعيش حالة من الرحمة فيما بيننا، من المحبة، من الصدق في التعامل، ومن التعاون قدر الإمكان، تقديم الخدمات قدر المستطاع، أن نجتمع على أهل البيت عليهم السلام، أن نذوب فيهم ونذود عنهم، أن نكون مصاديق صغيرة إذا رآنا الغير حمد جعفراَ على تربيتنا صلوات الله وسلامه عليه. انقل رواية واختم بها هذا المجلس، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بنور ولايتنا ـ وفي رواية ـ بماء ولايتنا[25] النتيجة ماذا تكون؟ يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا وهذه الليالي هي ليالي فرح آل محمد صلوات الله علیهم اجمعین ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

 وفقنا الله واياكم لكل خير، قضى الله حوائجنا وحوائجكم، بارك الله لاصحاب المنزل منزلهم وجعله محلا عامرا انشاء الله بذكر الله إنشاء الله وبطاعته وان يحفظ جميع إخواننا المؤمنين خصوصا من شرف في هذا الحفل ونسأل من الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويجمعنا واياكم على محبة محمد وآل محمد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته