نص كلمة بعنوان : الطريق إلى الله عبر القرآن وأهل البيت عليهم السلام

نص كلمة بعنوان : الطريق إلى الله عبر القرآن وأهل البيت عليهم السلام

عدد الزوار: 509

2013-04-29

عن الحبيب المصطفى محمد (ص) أنه قال: «من حفظ من أمتي أربعين حديثاً سماه الله في السماء ولياً، وفي الأرض فقيهاً، وكنت له شفيعاً»([2]).

ما انفكت الشريعة تدفع تابعيها صوب استظهار النص الشريف، ولا أقل من قراءته، إلا أن الأمر المهم، هو أن يتدبر المرء فيما يقرأ وما يسمع وما يحفظ، لأن القراءة دون تدبر، أو الحفظ أو السماع دون تدبر، نتائجه غير مرضية في أقل التقادير.

وبقدر ما أعطت الروايات من الامتياز لمن يقرأ النصوص الواردة عنهم (ع) أو يحفظها عن قراءة أو سماع، إلا أنها بنت أيضاً على تأسيس قرآني، كقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُوْنَ القُرْآنَ([3]). وقوله سبحانه: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُوْنَ([4]). وقوله: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُوْنَ([5])، وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُوْنَ﴾([6])، وأمثال هذه التعابير القرآنية.

فالتفكر والتدبر والتأمل والنظر في آفاق السموات والأرض، ثم الرجوع إلى النفس، كسفرٍ أخير من النفس إلى النفس، يفتح الكثير من المغاليق أمام المرء، فيتسع أمامه الفضاء المعنوي.

فهنالكم فضاءان: فضاء مادي نعيشه جميعاً، كما في هذا المكان الذي نحلّ فيه، ثم نخرج إلى فضاء أرحب، يتسع لنا بقدر ما نطرق من آفاق من حولنا، لكن ثمة آفاق أرحب وأوسع، ألا وهي الآفاق المعنوية، وهي من الأهمية بمكان، ولأهميتها وخطورتها ساعدت الشريعة الإنسان، ورسمت له طريقاً، يستطيع من خلاله وعلى أساسه أن يطرق تلك الآفاق.

في الحديث الشريف عن الإمام علي (ع) أنه قال: «فإنَّ اللهَ قد أوضح لكم سبيل الحق وأنار طرقه»([7]). وإنارة الطريق عبارة عن وضع العلامات المرشدة لمن يقصد نهاية الطريق، فقد يكون السير في النهار، لكن المرء لا يهتدي نهاية الطريق، وقد يكون في الليل، والطريق نيّر، لكن السائر لا يهتدي إلى النهاية المطلوبة كذلك، ولكن إذا وُجدت العلامات المرشدة على جانبي الطريق، فلا كلام أن النتيجة ستكون محسومة.

فالله تعالى رسم لنا طريقاً، ووضع الأدلّاء عليه، وهم محمد وآل محمد (ص). لأن الهدف الأسمى الذي يسعى إليه الإنسان هو الاقتراب من مساحة المطلق، وهو الله تعالى، وتحصيل الرضا الأكبر منه، ونيل الشفاعة الكبرى على يدي محمد وآل محمد (ص)، والفوز في نهاية المطاف في الوصول إلى جنة عرضها السماوات والأرض، كمالها وسموها وإشراقها بمحمد وآل محمد (ص).

إنّ الله تعالى أوضح الطريق، فسبيل الحق بين، وسبيل الباطل كذلك، أما الحق فقد أنار الله طرقه، ويعتبر القرآن الكريم واحدة من السمات والعلامات البارزة الموصلة للهدف، فإن قرأناه أضاء لنا الطريق، وإن تدبرناه ازددنا نوراً، وإن عملنا بمعطياته أفضى إلى النتيجة المطلوبة، وهذه النتيجة إما أن تنقلنا من موقع إلى آخر، أي من مقدمة إلى نتيجة، وهذا ما يتأتى في موارد، أو أن القرآن الكريم يسلم الجميع إلى واسطة لديها القدرة أن تأخذ بأيدينا إلى نهاية المطاف، وتلك الواسطة التي ارتضاها الله تعالى بينه وبين عباده تنحصر في محمد وآل محمد (ص). 

والعلامة الأخرى بعد القرآن الكريم هم أهل البيت (ع) الذين لا تخلو الأرض من أحدهم مهما طال بها الأمد، وهؤلاء الأعلام عاشهم وحظي بشرف العيش بين أوساطهم والتقلب في نواديهم والتردد على مجالسهم، أناسٌ امتحنهم الله بهذه النعمة الكبرى. فالذين عاشوا في زمن الرسول (ص) والأئمة (ع) ليس بالضرورة أن يكون وجودهم من باب التكريم، فقد يكون من باب الابتلاء والامتحان، لذا استطاع أن يجتاز من يجتاز، وأن يبقى من يبقى في محله، ولا يمكن أن نساوي بين من سمع وعمل، ومن لم يسمع ولم يعمل، والأسوأ منه حالاً من سمع ولم يعمل، أو سمع ثم عمل بضده.

يقول النبي (ص) مثلاً «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي» فلو أن أحداً لم يتمسك بمعطيات القرآن وأهدافه، ولا بالعترة المرشدة إلى حقائق ما أُنزل وحياً في كتاب الله المجيد، فإن النتيجة ستكون واضحة، وهي خلاف الهدف المطلوب. فمن يبذل نفسه في سبيل الله ورسوله وآله، ومن يتسبب في قتلهم، لا يمكن أن يتساويا انطلاقاً من كونهما عاشا في زمن النبي (ص) أو صاحبا علياً (ع) ، فقد يكون المرء محروماً من شرف التنقل بين يدي المعصوم، كما هو الحال فينا نحن، إلا أنه في وضع أفضل ممن عاش معه، لأننا اليوم نعيش الحرمان من التكريم الظاهري لنا بوجودنا مع النبي وآله (ص)، أما التكريم الواقعي فنحن مكرمون بالانتماء إليهم، ولولا هذا التكريم لما طهرت الذراري والأنساب، ولكن مع ذلك، فإن من عاش النبي (ص) والإمام المعصوم (ع) تعرض للابتلاء والامتحان. بل حتى لو أذن الله تعالى للخلف الباقي بالخروج والظهور، فإن هناك من يتعرض للابتلاء والامتحان، يقول الإمام علي (ع): «والذي بعثه بالحق، لتُبَلبَلُنَّ بَلبلةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبلة»([8]). ويمكن أن نتصور ذلك من خلال رؤيتنا للواقع، فهناك الكثير ممن يتمردون على الله تعالى وهم يعلمون أنه خالقهم، وأن إليه معادهم، وأنه قهر عباده بالموت والفناء، ويكررون ذلك كل آن، إلا أنهم مع ذلك يعصونه.

من هنا فإننا إذا أخذنا بتلك الطرق والعلامات والدلائل التي وضعت لنا، بلغنا الهدف، وإن تخلينا عنها وتنكبنا الطريق، قصرنا عن بلوغ المراد.

يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) في النص السابق: «فإنّ الله سبحانه قد أوضح لكم سبيل الحق وأنار طرقه، فشِقْوةٌ لازمة أو سعادة دائمة»([9]). فالتنكب عن الطريق هو الشقوة اللازمة، لأنه ما بعد الحق سوى الباطل، وما بعد الخير إلا الشر، وما بعد النور إلا الظلام. والإنسان على نفسه بصيرة، فبعد أن أرسل الله تعالى الرسل مبشرين ومنذرين، لم يعد في يد الإنسان حجة يحتج بها على الله تعالى، إنما لله الحجة البالغة، حيث أرسل الأنبياء والرسل (ص)، وأرشد إلى الأئمة الأطهار (ع) وهم الكوكبة النيرة من بين البشر، ونصب أعلاماً على مر التاريخ، وهم عبارة عن الفقهاء العدول الصائنين لأنفسهم، المخالفين لأهوائهم المقبلين على ربهم، فليس بمقدور أحد أن يدّعي بعد ذلك أن الحجة لم تبلغه، وليس له أن يقول: ﴿رَبِّ ارْجِعُوْنِ لَعَلِّيْ أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيْمَا تَرَكْتُ([10]).

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العبد في يوم القيامة سيكون في ساحة الحساب، لا في ساحة تقييد العمل وكتابته، فلا قلم ولا قرطاس يُكتب فيه ما يقول ويعمل، ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ‏ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْديهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُون‏([11]).

وقد يسأل سائل عن كلام الأيدي والأرجل، والختم على الأفواه، وهو يرى في عالمنا اليوم أن أكثر الصفقات ثراء في العالم تعقد اليوم من خلال حركة الأصابع، كما في البورصة العالمية، فهناك لغة متعارف عليها من حركات الأصابع، وهي شفرات خاصة يستخدمها المعنيون بهذا المجال. أما في يوم القيامة فإن الأيدي والأرجل تتكلم كما نتكلم نحن، وهو ما يصرح به القرآن الكريم، والقائل قادر على ذلك، فكما أنه منح قابلية الكلام للسان، فليس من المتعذر عليه أن يمنحها للأيدي والأرجل يوم القيامة.

فالإمام علي (ع) يضع الإنسان بين شقوة لازمة إن هو تنكب الطريق، وبين سعادة دائمة، إذا ما لزم طريق الحق، وهو المطمح الكبير الذي يجعل الإنسان يعيش السعادة الدائمة.

يقول أحد العرفاء السالكين: إن لحم الطير في الجنة، والحور العين، كلها لتقريب المعاني للأذهان، لأن الناس ألفت النساء والمأكل والمشرب، فالخطاب من واقع بنية المجتمع المخاطب بالنص الديني، وإلا فإن التلذذ يوم القيامة سيكون بمعانٍ أخرى، وهي واحدة من اثنتين:

1 ـ ذكرُ الله: ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ([12])، فالتسبيح والتهليل والذكر الذي يجري على ألسنتنا في الدنيا دون أن نتأمل فيه، سوف ندرك أهميتها يوم يكشف عن بصرنا ونعيش الحقيقة كما هي.  

ومن الأمثلة البسيطة في حياتنا أنك لو عشت يوماً من أيام الحر الشديد كما في شهر تموز، وتعطل التبريد في سيارتك، فإنك تعيش حالة من الحرج الشديد، فلا فتحُ النوافذ ولا غلقها ينجيك من الحر اللاهب، ثم تصل إلى البيت بطريقة أو أخرى، وتتناول قدحاً من الماء وأنت في عطش شديد، ثم تتناول القدح الثاني، وعندئذٍ تدرك أن لذة القدح الثاني أقل، ثم تتناقص اللذة في القدح الثالث، وهكذا. ومثل ذلك ما يحصل في اليوم الآخر مع التسبيح والتهليل والذكر.

2 ـ شرف النظر إلى وجوه محمد وآل محمد (ص): فذلك النور الذي حُرمنا منه في هذا العالم وبقي مغيباً عنا، سوف لن يحجزه حاجز يوم القيامة، وسوف يستمتع به كل من نجا بعمله أو بشفاعة من شفعوا. وسوف ينعكس ذلك النور من وجه المعصوم إلى قلب المؤمن، وينعكس إشراقه على وجه المؤمن.

اللهم اجمعنا مع محمد وآل محمد (ص)، وارحمنا بهم رحمة واسعة.

غفر الله لنا ولكم، والحمد لله رب العالمين.