نص كلمة بعنوان :الاجتماع العائلي ودوره في التكافل الاجتماعي

نص كلمة بعنوان :الاجتماع العائلي ودوره في التكافل الاجتماعي

عدد الزوار: 583

2013-02-25

يقول الامام السجاد (ع) في مفردة من مفردات معراجه الروحي في دعائه لله تعالى كما هو مثبّتٌ في الصحيفة السجادية:(واعزني في عشيرتي وقومي)([2]).

بارك الله لكم العيد السعيد الأول الأضحى، واعاد الله علينا وعليكم المناسبة، وذكرى تتويج سيد الاوصياء إمام الاتقياء امير المؤمنين علي × بالولاية عيد الغدير الأغر ثبتنا الله واياكم على الولاء واخذ بأيدينا وايديكم الى ما فيه الخير والصلاح.

 من النعم الكبرى علينا اننا نضاف الى مدرسةٍ هي الاطهر بين المدارس وهي الاكمل بين المدارس وهي المدرسة التي تجمع بين عاطفة القلب ودقة العقل. ولو فتشت في الفضاء من حولك في اوساط مدارس متعددة فلن تعثر على ما يؤمّن لك ولو مساحة اقترابٍ للتنظير بينه وبين هذه المدرسة ثابتة الاصول من خلال الكتاب المنزل على قلب النبي المرسل محمد’ او ما جاء في عِدل الكتاب، ألا وهي السنة الطاهرة المطهرة الصحيحة المروية عن محمد وآل محمد.

حديث الدار .. المفردة المغيّبة من التأريخ

كمقدمةٍ، حينما نرجع الى مهد الرسالة في مكة المكرمة تستوقفنا مفردة هامة بل هي في غاية الاهمية وينبغي ان لا نمرّ عليها مرور الكرام ألا وهي قضية حديث الدار. حينما اجتمع بنو هاشم في شأن النبي محمد ’ في مساحة الوقوف من ورائه والدفع بعجلة الرسالة الى الأمام كان الإنذار لذوي القربى وكان المرجى ان يقف هم اولائك، لماذا لم يكن المشهد عاماً وفي مكة وجوه القوم؟ لماذا اختصت هذه الشريحة من ذلك النسيج الاجتماعي الكبير؟

كلنا يعلم ان النبي حينما يتلفظ بقول او يقوم بفعل او يسكت في موقف، انما ذلك تطبيقاً لمقتضيات الوحي {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}([3]) فأقواله وأفعاله وتصرفاته تكشف عن واقع ارادة السماء، اذاً، لم يكن الاجتماع مترتباً على اساس من الجانب العاطفي أو أنه كان يتحرك في وجدان النبي الاعظم’، ولو كان ذلك لكان حسناً ايضاً، وهذا مما لم ينفر منه الطبع السليم والذائقة الصحيحة، لكن على الرغم من ذلك كان الامر يحمل معنى اكثر دقة، والمراد من هذا الموقف هو تلبية الدعوة لرسالة السماء، وحصل ما حصل ان النبي’ طرح موضوع الرسالة ثم قال لهم بعد ان أجال بطرفه فيهم واحداً بعد الآخر: (فأيكم يؤمن بي ويؤازرني على أمري، فيكون أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي من بعدي؟) فلم يجبه إلا علي(ع)، فقام النبي ’ وأخذ بيده وقال: (إن هذا أخي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا)([4])، وكان في المجلس كبار القوم وعليّة الهاشميين، وكان منهم ابو طالب، وابو لهب، وجماعة، فقاموا يسخرون ويضحكون، ويقولون لأبي طالب: (اطع ابنك، فقد امره عليك)([5])، يعني: حالة من حالة الاستفزاز لابي طالب، فقال ابو طالب مؤمن قريش: (اذاً اسمع واطيع).

هذه المفردة التي غيّبت في تاريخ الأمة والتي حذفت من قاموس التاريخ، وكان الغرض والهدف الذي يكمن وراء هذه العملية من الالغاء والمصادرة معروفاً.

وفي النتيجة، إن هذا الاجتماع يدفعنا إلى شيء لأن الكثير من القضايا الذي قام بها النبي الاكرم ’ لم تكن لتبقى اسيرة زمانها ومكانها، لماذا؟ لأن القضية المتبناة من النبي ’ فيها من القوة والقدرة على تخطي حدود الزمان والمكان الشيء الكثير، لذلك فإن المفاهيم سامية ورفيعة ومن الصعب ان يحدد الانسان من ابعاد تلك المفاهيم التي اصّل لها الرسول قدرة مستطاعه فيما اتيح له من فرجة زمن.

الدعوة إلى مبدأ الاجتماع العائلي

أمّا نحن، فما الذي يعنينا من تلك المفردة؟ الذي يعنينا من ذلك ان القرآن قام بانتدابنا جميعاً للتأسي بالنبي’ بقوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}([6])، ومن الجميل ان نتأسى بالنبي ’ في حديثنا مع بعضنا البعض حينما نجتمع، ومبدأ الاجتماع مبدأ عام اصلاً، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}([7])، فهي دعوة عامة لعموم البشرية، ثم قلصت هذه الدعوة على عموم المسلمين، ثم ازدادت تقليصاً حتى باتت مقتصرة على جماعة بعينها، وفي هذا لون من الوان الانقلاب {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ...}([8])، فهذا ضرب من الانقلاب، ونحن حينما نستعرض شواهد من التاريخ نحصر عملية الانقلاب في مصادرة الخلافة لا الانقلاب على المفاهيم، أو على الاسس والقواعد، هذا ايضاً يجسد لنا حالة ومظهراً من مظاهر الانقلاب؛ لأنه يحمل لون التمرّد وطابع التمرد على الرسالة، ونحن في النتيجة نستنّ بسنة النبي ونسير على نهج النبي ’ في ان يطرح رسالة السماء على عشيرته بادئ  ذي بدء: (فأيكم يؤمن بي ويؤازرني على أمري، فيكون أخي و...؟) ([9])، ولو انهم أبدوا القدرة على ذلك او اعطوا للنبي ’ ما اراد  بالمطلق، لأخذت الامور اتجاهات معينة وان كان بند الامامة بنداً تم قضاؤه وامضاؤه من قبل الله سبحانه وتعالى، لكن مما لا شك في أن غياب بعض العناصر وتخلفهم في كل حركة من الحركات وفي كل جهد يبذل وفي كل مسعى يقام، يشكل ثلمة وتقليل من سرعة الحركة والاندفاع في أي مشروع كان سواء أكان المشروع مشروعاً مادياً صرفاً حياتياً، أم كان المشروع دينياً، أم مزيجاً بين هذين العنصرين في تركيب خاص.

ولا يمكن لأحد أن يقلّل من أهمية الاجتماع العائلي ناهيك عن انكار اهميته، يقول: لا اهمية لاجتماع الناس في قراءاتهم، فبناءً على موروثهم الثقافي ومخزونهم الثقافي يتحركون في الحكم على القضايا، وهؤلاء يتفاوتون في الطبقة فالبعض من الناس سلبي في المطلق، أي سواء في مشروع فكري أو حضاري أو اقتصادي أو مدني أو حتى ديني، فنرى احياناً أن هناك انساناً سلبياً، لماذا هذه السلبية؟ إما لانه اصطدم بموقف يوماً من الايام، أو لأنه وجد مجموعة من الاوراق مرتبكة فيما بينها اي تم ارباكها وبعثرتها، أو لأن هذا الانسان يقرأ في داخله حالة من العجز والقصور عن النهوض بمشروع هو ادنى من ذلك فكيف بالنظرة التطلعية التي تأخذ مدًى ابعد واُفقاً اوسع فيعطي حكماً سلبياً وينسحب من المشهد، ويعدّ غياب هذا العنصر خسارة طبعاً، خسارة على نفسه وخسارة على مكون المشروع بما هو مشروع بأي عنوان تعنون.

وجماعة أخرى لا يأخذها الحماس والاندفاع ولا تقف عند المفردات وقفة كما ينبغي ان تقفها، يعني تغربل القضية من جميع جوانبها وتتعامل مع الامور بروح عشوائية سريعة الاندفاع وسريعة الاستجابة، فإن هذه الطبقة وان كانت صفة الاستعداد حسنة في حد ذاتها، لكنها مكتنفة برذيلتين ايضاً: رذيلة ردة الفعل التي تعاكسها في الاتجاه لا قدر الله وهذه خسائرها واضحة، ورذيلة ان يذهب بالمشروع الى خارج حدود ذلك المشروع ويحمّل المشروع ما لا يتحمل ويرهق كاهل الجماعة ايضاً، هذا موجود وتتم ممارسته حتى على مستوى الحكومات والنظم، لذلك تسقط دول وتأتي دول اخرى، بناءً على وجود هذه الطبقة وهذه النمرقة، وتظهر ايضاً مؤسسات للوجود وسرعان ما تختفي، دينية او غير دينية، والسبب هو ان هذه الطبقة تتحرك وتستغل الموقف وتشكل لنفسها الطليعة بين المجموع.

أما النمرقة الثالثة أو الطبقة الثالثة فهي التي توازن بين الامور وتعيش اجواء الوسطية، وما احوجنا ايها الاحبة ان نعيش هذه المساحة كما ينبغي ان نكون وسطيين في اقوالنا، وفي قراءاتنا، وفي افعالنا، وفي توجهاتنا وحتى في انتماءاتنا.

الوسطية نجاح وهي مبدأ قرآني {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}([10])، وهذه الوسطية متى ما سادت الموقف أعطت حصانة وأعطت ضمانة الاستمرار، والقدرة على الاستقطاب من حولها مع انها تستقطب ما هو من الخارج في حال التوازن مع المحافظة على ما هو الموجود في الداخل، لذلك ايها الاحبة ان يحقق الانسان لوناً من الوان النجاح في الحياة فهو امر سهل وفي منتهى السهولة، اذا اعد المقدمات كما ينبغي ورتبها كما ينبغي فسوف يصل الى النجاح، لكن الاهم من ذلك كيف نحافظ على هذا النجاح، فأن يتخرج الانسان من دراسات عليا او يشغل منصباً وظيفياً له قيمته واقتداره في وسط الامة او يصبح زعيماً من الزعماء وبحسب الدوائر سعةً وضيقاً، فليس من المتعذر ان يصبح الانسان اديباً أو روائياً أو... فهذا امر سهل وممكن، لكن ان يحافظ الانسان على ذلك الامر الذي قد تحقق، فهذا هو النجاح الذي لا يجاريه نجاح، لذلك نلاحظ في سيرة النبي ’ كان الهم الاكبر ان لا تتراجع قافية الاسلام خطوة للوراء، فقد تتعثر ولا تتقدم مسافات بعيدة، لكن الاهم هو الحفاظ على ما هو موجود.

تصفحوا وريقات التاريخ التي قدمت لنا سيرة النبي’، ستجدون ان هذه الدعوة التي ادعيها تشكل عصب حياة في مسيرة الرسالة ولولا اصرار النبي ’ في تلك المواطن على تلك الامور لما ثبت الاسلام ولا بقي على الاسم ناهيك عن الرسم، لكن اصرار النبي كان على ان النجاح هو في الحفاظ على النجاح لا على تحقيق النجاح فحسب، فالديمومة تستمر في هذا الاتجاه.

الاجتماع العائلي ودوره في التكافل الاجتماعي

 والحاجة ملحة للاجتماع العائلي في وقت الراهن لأن الضغوط كثيرة، والصراعات تتجاذبنا من اكثر من طرف والامور في غاية الارباك:

إذا العبء الثقيل توزعته    رقاب القوم خف على الرقاب([11])

فلو كان عندنا مثلاً وزناً يبلغ مئة كيلو يريد أحد رفعه، فيمكن أن يتضرر بسبب هذا، وسوف يتضرر على الاقل جانب من جوانب الجسم كالظهر او غيره، لكن لما يقوم الى جانبه شخص آخر ليحمل شيئاً من الثقل، فستتحول المئة كيلو الى خمسين، فهان الامر هنا على الاثنين، وحينما تأتي بإضافة إلى هذين الشخصين ثم تجري عملية القسمة ستجد المئة كيلو في نهاية المطاف ستتحول إلى مقدار ضئيل لكل شخص، مما يستطيع حتى الطفل حمله، فالامور تهون ما دامت في بدايتها الاولى، وستنوء بها العُصبة، فنحن اليوم امام تحد وتحد كبير بمستوى العالم.

حينما يقول الامام السجاد (ع) كما استفتحت صحيفته السجادية وهي زبور آل محمد ’ في ضمن دعائه لله عز وجل: (واعزني في عشيرتي وقومي)، يدعو لأن نتقاسم فيما بيننا، ولا يقتصر الأمر على المشاركة في الأحزان فقط ـ كفى الله المؤمنين الأحزان ـ فنقف مع بعضنا البعض في حدود ايام الفاتحة فقط، وبعد ذلك يدبر أحدنا عن الآخر ويتركه لشأنه، او في ايام الأفراح، فنلتقي بمناسبة الزواج مثلاً وبعد ذلك: لا خبر جاء ولا وحي نزل، فهذه مصيبة وكارثة.

 

 

 

يمكن ان يجتمع عشرة أو أقل أو اكثر من عائلة واحدة وينظمّون كثيراً من امورهم العائلية ويرممون خللاً على فرض وجوده، والأهداف الكامنة من الرغبة في هذه التشكيلات تتمثّل أولاً الرفع من المستوى العلمي في العائلة، وبغير العلم لا يمكن ان نثبت اسماً على الخارطة، وترى بعض العوائل اليوم في المجتمع الاحسائي مثلاً أنها ليست أكثر من غيرها بالعدد أو الاقتدار المادي، لكن لأنها حظيت برجال علم على طول قرن أو قرنين من الزمن، استطاعت من خلال ذلك ان تثبت لها قدماً سرعان ما استضافت تلك القدم الى جانبها قدماً اُخرى لذلك اتسعت المساحة وكبرت العائلة بشخص أو شخصين، فتتصف العوائل الآن بصفة أنها عائلة علمائية، في حال أنها لم تتجاوز اكثر من رجل دين واحد او رجلين من رجال الدين، وفي النتيجة إنّ العلم يرفع بيتاً لا عماد له، ولم يكن موجوداً من الأساس وليس له رسم أو مكوّن، أما الجهل فبالعكس من ذلك، يهدم بيت العز والشرف ايضاً ففي الطرف النقيض والمقابل كانت هناك عوائل في الاحساء بادت وانتهت، لأن مصيرها تم ربطه بعنصر آخر.

انا اعرف اسماء قبائل أتحاشى ذكرها لحساسية الامور، اتذكر في قراءاتي وفي مسموعاتي ايضاً عن قبيلة من القبائل اليوم اذا استمرت على هذا الوضع تضمحل تنتهي، بينما هذه الاسرة كانت في يوم من الايام تشكل عالماً آخر بامتلاكها مساحات خضراء وكبيرة في اكثر من بقعة من بقع الاحساء وتمتد ملكيتها إلى مناطق متعددة وكان تحت يدها آنذاك الرق والعبيد أيضاً، وفي نهاية المطاف أصبحت بيوت هذه الاسرة اليوم تعد بأصابع اليد الواحدة وفي حالة من الضمور والضعف، واما الحالة المادية فحدث ولا حرج من الهبوط والتدني.

فالعلم مفتاح اسرار النجاح في الحياة ولابد وأن نؤمّن هذا الجانب، والعلم على شعبتين: العلم الاكاديمي وهو مهم وركيزة  اساسية، والعلوم دينية. واذا استطعنا ان نحصل على احد هذين العلمين، فنسير بقدم واحد ايها الاحبة، أمّا إذا استطعنا ان نؤمّن الجانبين معاً فنسير سيراً  بشكل طبيعي وخصوصاً العوائل ذات البعد التاريخي أو العوائل التي لها  اسم ورقم كما يقولون، فيفترض ان يكون هذا الجانب مؤمّن اكاديمياً ليدفع حركتها في مشاريع متعددة. أما الجانب الآخر الذي لابد من تأمينه لتحتفظ العائلة والاسرة بأسرارها، وهذا الشيء مهم ان تكون اسرار الاسر داخل بيوت الاسر ولا تأخذ مساحات بعيدة فتستعصي المشكلة على الحل بعد ذلك وهذا ما يحدث اليوم، هو رفع المستوى الثقافي داخل مكونات العائلة الواحدة، وهذا له سبله وطرقه ومناهجه مع وجود شريحة مثقفة جيدة متقدمة، لا اعتقد ان ثمة ما يستعصي على ان ترسم خطة متكاملة تنهض بالواقع الثقافي في وسط العائلة، ولا توجد عائلة اليوم تقول انا سيدة موقف في الجانب الثقافي حيث يوجد خلل في الثقافة: إما الثقافة النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الادبية أو الفنية أو الدينية، ولو لم يكن هذه الشيء موجوداً فعلاً لما حدث هناك شتات أو خلل ولا تحدث حالة من التأرجح في المواقف، فيجب بناء الثقافة بناءً صحيحاً.

ومن الامور المهمّة أيضاً هو تقويم الوضع الاقتصادي فالذي يبدو هو موضوع ورشة العمل في هذا اليوم بين ابناء هذه الاسرة الكريمة، بناءً على ان الحالة الاقتصادية متى ما تم تصحيحها فلا اشكال انها تؤمّن لنا الوصول الى اعلى درجات الرقي بين ابناء مجتمعاتنا وهذا حق مشروع ان يتقدم كل واحد منا، يعني اذا كان بمقدوري ان أتخطى مجموعة من الاسر باقتدار، بعيداً عن حالة الفكر الضيق ألا وهو أسر مفردة القبلية في جانبها السلبي، يعني العصبية بلا مبررات او العصبية الجاهلية كما يعبر عنها ـ ايها الاحبة ـ الاسلام وهو الرسالة الخاتمة للرسالات، الذي لم يلغِ مبدأ القبلية نهائياً وإلى آخر لحظة {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}([12])، فلو لم تكن هناك قيمة للعائلة أو للقبيلة لما حصل هذا، لكن على أن تكون مبنية على اسس الدين لا على اسس الجاهلية المخالفة للدين وثوابت الدين.

أهمية الاقتصاد في الحياة الاجتماعية

ويمكن أن تقرأ اهمية الاقتصاد اليوم على اكثر من اتجاه، لكن ما هي دعامتها وقوامها؟ الواحد (الفرد) ثم الاثنان ثم المجموعة، فالمجموعة تتشكل بعد انتزاع واقع من تكثر الافراد في الخارج، والبعض منا ينتظر المجموعة، بدلاً من أن المجموعة هي التي تنتظر الفرد فعلينا ان لا نعكس المعادلة، فنقوم اولاً بتأمين الافراد ويبدأ الانسان بنفسه ليرسم خطة عمل صغيرة تتناسب وحجم البيت الذي هو فيه لينطلق منه الى بيت آخر يخرج منه فرد ثم الى بيت ثالث، ويلتقي الثلاثة على امر واحد، فتتشكل حينئذٍ منظومة أو مجموعة معينة تستطيع ان ترسم وتضع خططاً اكثر شمولية واكثر دقة واحاطة، ويمكن أن يكون لأحدنا حالة من الالتماس والاقتراض مع مشاريع في قبائل اخرى تقدمت عليه، فأستفيد من الخطوات التي قطعتها من المراحل التي تجاوزتها، واتعاطى الهدف الذي توصلت اليه، هذا شيء مهم للفرد فقط وفقط، ويمكن الانسان ان لا يصل الى نتيجة الا في ذلك الحد الضيق فيؤمّن واقعاً طيباً حسناً لبيته ولولدين او ثلاثة اولاد، وأما أكثر من هذا فلا، وتكون الامور حسنة الى ما هو الافضل بلحاظ الأفراد، والمجموعة بناءً على هذا تصح اذا صح الاول وصح الثاني، بحمد الله تعالى كما قرأت في الرسالة التي قدمت، هناك رغبة ورغبة جادة من قِبل الشباب الخيرين ـ وكلكم من اهل الخير ان شاء الله ـ  رأوا أو ارتأوا فيما بينهم ان الواقع ينبغي ان يُرمَّم او على الاقل أن تُراجع الحسابات وتُرسم الخطط وهذا المشروع متقدم يعني ليس وليد الساعة والليلة واليوم، انما وليد الاجتماعات المتقدمة التي كشفت الكثير من الامور، كون الوضع الاقتصادي ايها الاحبة في بيوتاتنا مستقر ومطمئن، وأتصور أنّ من يعطي حكماً مطلقاً هو واهم ولا اقول خاطئ فقط، وانما الوهم اسوء حالاً من الخطأ في استخلاص النتائج، نعم، التعاطي مع ملف الفقر يتفاوت الناس معه من حيث الاخذ والرد والبدل، فقسمٌ منّا مثلاً مقتدر لكنه يقول: أنا لست مسؤولاً ما دامت هناك جمعية والدولة تعمل الآن على دعم الجمعيات واهل الخير أيضاً يدعمون الجمعيات، فأنا إذاً خالٍ عن المسؤولية والأمر لا يعنيني، لأن هناك من ينهض بالأمر ويقوم به. وهذه شريحة موجودة في المجتمع وليست حصراً في هذه القبيلة بل هي موجودة حتى في القبائل الاخرى وبيوتات البلد، فإن قلت لأحدهم: إن وضعك طيب فقم بمراعاة الوضع، فسيقول: لا، إن الأمر لا يحتاج إلى هذا والحمد الله، حيث أكرمنا الله بجمعية والجمعية تقوم بالمسؤولية، ويتخلى هذا الشخص عن المسؤولية!

كنت يوماً من الايام في اجتماع مع إحدى الجمعيات فقلت لهم بأننا نتمنى أن يأتي يوم من الايام لا نرى فيه للجمعية عنواناً في شارع من الشوارع، فقال احدهم: يا سيدنا كأنك طلبت المستحيل، قلت: لا، انا لا اطلب الا شيئاً واحداً وهو أن ترجع كل قبيلة إلى ذاتها وتنهض من جديد، ولا اقول غير هذا، كيف ذلك؟ أنا حينما آتي إلى قبيلة سين من الناس واُرجع التاريخ إلى ما قبل ثلاثين سنة واشاهد قاموسه، لا يوجد فيها آنذاك موظف أو مدرس أو مهندس أو... أما اليوم فاُشاهد الوضع على عكس من ذلك، وحينما ارجع إلى قبل ثلاثين سنة لا توجد عند عائلة من العوائل سيارة وحدة، أما اليوم فأرى العشرات من السيارات، يعني إن الوضع قد تغير، ليس على الجميع، لكن هذا الأمر تحقق على جماعة منهم، اذاً يمكن ان نوجد حالة من الموازنة في هذا الجانب، والرغبة متوجهة إلى سد الخلل والعوز المادي.

أيها الاحبة، الإمام علي (ع) الذي نحن نعيش ذكرى تتويجه بالإمامة ثبتنا الله واياكم عليها يقول(ع): (.. لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلتُه)([13]) أي: لو كان الفقر قالباً حدّياً طولاً وعرضاً وعمقاً لأقمت عليه الحد، وعن رسول الله’ (كاد الفقر ان يكون كفراً)([14])، فالمسألة تصل الى هذا الحد. والفقر يعني الجهل، والجهل يعني الفساد، والفساد يعني الفساد الكبير في الارض، قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}([15])، أيها الاحبة كان هذا الرافد الأول.

أما الامر الثاني فهو ان يعطي لنا ديمومة، ونأتي حينئذ الى ما نحن فيه؛ الروافد على عدة انحاء: منها ما هو مرتبط بالجانب الديني، ومنها ما هو مرتبط بالجانب الحياتي الذي نعيشه، أما الجانب الحياتي فلا تكاد تكون عائلة تقريباً ليس فيها جمعية جمعيتين ثلاث أو اربعة لتحسين اوضاع معينة، وهذا عمل حسن طيب، لكن هل هذه الجمعية التي تمت اقامتها هنا غير انتاجية او جمعية لتحسين وضع آني يعيشه الانسان في حينه؟ فلأني مثلاً أحتاج إلى سيارة ولا أستطيع شراءها فأدخل الجمعية لكي اشتري سيارة، فأنا لم أقم بحل مشكلة، فهذه جمعية غير مولدة وغير منتجة، أما الجمعية المولدة المنتجة فهي مما نشاهده في بعض الاسر التي جعلتها الآن تمتلك الشيء الكثير، ومن الأمثلة على ذلك: انا اطّلعت على بعض شؤون بعض الاسر ممن اقاموا ملتقيات فيما بينهم، حتى خطوا خطوات متقدمة جداً وبنفس الوقت لم يعلنوا انهم في هذا الاتجاه او ذاك الاتجاه، فوصلوا إلى ما بات اليوم من مدخول ما اقاموه من مشاريع لصالحهم من جهة، وتشغيل العاطلين من اصحاب التحصيل الدراسي المنخفض بوظائف سحبوهم من خلالها من الشوارع فألغوا عامل البطالة في داخلهم من جهة اخرى، فمثل هذه القبيلة هي من القبائل التي يجلّها الانسان ويكبرها احتراماً للجيل الواعي الذي استطاع ان ينهض بمثل تلك القبائل.

أيها الاحبة! الجانب الديني اليوم ـ الحمد لله ـ موجود في شرائح موظفة يمكن ان تغربل الامور وترتب الاوضاع فتخلص الى مشاريع وتصل الى نتائج مثمرة، ولا زال البلد بخير فالمشاريع مفتوحة حتى انك إذا قلت لأحدهم مثلاً: لماذا لا تعمل صباغاً؟ لقال: هذا من عمل الهندي! نقول له: لماذا هذا من عمل الهندي! حينما يدخل الى بيتك وتقول له مثلاً: أنابيب المياه عاطلة، اريدها تعمل، في حال أن أنابيب الماء مثلاً غير عاطلة أو لا يوجد ما يستدعي ذلك، لكن الأمر كما يقولون: أخذه شيء من الهوى، فلا يقحم الشخص نفسه في العمل ويقوم بحركة معينة ويصلح ما يمكن اصلاحه، بل يعطي العامل أموالاً باهظة بكل برود مقابل عمل بسيط يمكن حلّه في وقت قصير، فيجني العامل من مثل ذلك أرباحاً في كل يوم ما قد يصل إلى مئتين وخمسين ريالاً أو أكثر حتى يصل إلى ما يقارب ثلاثين ألف ريال آخر الشهر، اذكر لي موظفاً أو مهندساً يستلم ثلاثين ألف ريال وهذا مجرّد عامل! فمن كان لا يريد إلا أن يصبح عالة على الآخرين، فلا يعيش إلا بشكل غير مأنوس وغير محبوب وغير مشجع ومنفر في نفس الوقت، فمن يسهر الليل على الفيش وغير الفيش والمعسل ويأتي أبوه تعباناً قد أنهك جسمه كله في عمل الفلاحة أو غير الفلاحة، وهذا الولد في شغل شاغل عن أبيه ولا يقيم له وزناً، فهو منشغل في النوم إلى الظهر! والله العالم فيما سيكون الحال عليه.

والشاهد الآخر من وراء ذلك أيها الاحبة هو الجانب الديني، وهو جانب مهم أيضاً، فالأموال ذات الطابع الديني كأن يكون عندي مريض اريد من الله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليه بالشفاء، فأنذر إن برئ هذا المريض من مرضه أن أذبح ذبيحة، فهنا بدلاً من أن أنذر هذه الذبيحة للحسينية في حال أن هناك ذي رحم محتاج، أقوم بنذرها للعائلة كرامة للإمام الحسين، وأحصل على ثوابها آثارها.

أمّا في الصدقات، فاليوم من يخرج إلى عمله يتصدّق، ومن يسافر يتصدّق، فإن كان عندي في الاسرة مثلاً ثلاث مئة شخص وكل واحد يدفع صدقة في الأسبوع بمعدل سبعة ريالات، وضربت محصلها في اربعة حتى يتولد في شهر رقم ليس بالبسيط، ولو كان عندي فطرة شهر رمضان فأقوم بمشروع اجمعها فيه فالأمر كذلك.

أتذكر في احدى السنوات كانت هناك ايضاً جمعية جاؤوني في زيارة، قلت لهم: ماذا فعلتم بقضية الفطرة، قالوا: من شاء أتي بها ومن لم يشأ لم يأتِ بها، فقلت: هذا خطأ، قالوا: الأمر يحتاج إلى خدمة وغيرها، فقلت لهم: تحتاجون الى ظروف بعشرة الاف ريال! فليكن لكم كادر يحتاج تشغيله بعشرة آلاف ريال، وفي النتيجة سيكون عندكم ما لا يقل عن مئتين ألف ريال سعودي على أقل التقادير، وإن عملتم في المجموع سيكون الرقم أكثر وهكذا، حسناً، انا أتابع وضع اسرتي، فأرى مثلاً أن هناك فلاحين في الاسر الاحسائية في معظمهم، فلماذا لا أستفيد من الزكاة، لماذا يكون جانب الزكاة جانباً معطلاً تماماً.

والخمس أيضاً، فهناك ولله الحمد عدد كبير من الناس يعطون خمسهم اليوم، فإذا وجد اربعة أو خمسة أو اكثر في العائلة يخمسون أموالهم، سيكون عندنا رافد مالي، وأقول لكم أيها الاحبة: إنّ المرجعية حينما تنصّب وكيلاً في المجتمع فلا تنصّب وكيلاً ينتزع الاموال قسراً من جيوب المكلفين، وإنما تضع هؤلاء الوكلاء للمحافظة على اموال المكلفين في جيوبهم إذا تعاطينا الوكالة كما ينبغي، أما اذا تعاطينا الوكالة على مسمى الجباية او على مسمى الوجاهة او على مسمى اعطيك بالمن فسيبقى الواقع المريض، لكن الذي يخمس ـ وإن شاء الله انتم من اهل الخمس ـ فتبقى بيده ورقة العائلة، فيقول للوكيل بعد أن يخمس عنده: نحن وراءنا عائلة فقيرة، وفي حدود الصلاحيات الي اجزت فيها من قبل الحاكم الشرعي المرجع، فإن كنت مجازاً في الثلث فارجع لنا الثلث، وإن كنت مجازاً في النصف فارجع لنا النصف، نحن لا نحملك فوق ما لا تطيق، اعطني ما يمكن لك أن تقوم به.

والأمر نفسه في الأوقاف، فهي ضائعة ومشتتة، وفي أثلاث الاموات أيضاً التي يوصى بها إلى الوجوه الخيرية، فحينما تذهب الى المحكمة وتريهم وصية والدك مثلاً وعنده بيتين او ثلاثة من مليون او مليونين، وعنده مزرعتين او ثلاث من مليونين او ثلاثة، و... فحينما يحاسب المحاسب يقول لأهل الميت: ثلث ميتكم ثلاثة ملايين وبعض الشيء، وإذا بها توزّع على الصلاة والصوم والخمس و... بما في ذلك من تكاليف إقامة مجلس الفاتحة على الميّت، وإذا سألته عن ذلك، سيقول لك: والله انا اعرف من الورثة بتطبيقات وجوه الخير العام! ومن يقول: ليكن عندي ولد جيّد يفهم في شؤون الاقتصاد وتسيير الاموال وله خبرة اجتماعية نافذة يستطيع من خلال كل ذلك ان ينمي المال ويحافظ عليه ويأخذ بيدي اكثر من رجل الدين، فليس كل رجل دين درس الاقتصاد ولا كل رجل دين درس الاجتماع، فهنا نفس الشيء، أنا اُؤكّد على اصحاب الوصايا في كتابة الأثلاث أن يقننون ويحددون ذلك أولاً حتى لا يخرج الأمر عن حالة النظم، فالبعض يكتب أن ثلثه مثلاً تسعون الف ريال في حال أنه حافٍ لا يمتلك حتى الف ريال! كم بقي عندنا من التسعين الف ريال؟ تسع وثمانون، وحين تطبيق ثلث ماله يقول: بيعوا بيته، هل هذا حل؟

أنا طبعاً اقول هذا حتى نلتفت إلى أهمية الأمر، حينما رأيت موضوع الصدقات موضوعاً أكثر خطورة من المسألة نفسها، حيث يجب علينا أن نلتفت إلى امورنا المالية، فأنتم اولى بها من غيركم، فالقربى اهم، ورفع حالة الفقر في العائلة اهم، ورفع المستوى العلمي في العائلة اهم، وتثقيف العائلة اهم، والبناء الديني المتكامل اهم في الداخل، بعد ذلك ننفتح على غيرنا، ونحن لا نبخل على واقعنا، فنأخذ بأيدي الطليعة المؤمنة من هذه العائلة الطيبة المباركة، وأنا أقول لكم شيئاً ينبغي ان تبحثوا عنه وهو أنّ لكم تاريخاً ينبغي ان تجهدوا قليلاً في البحث عنه.

وفقنا الله واياكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 فالاتصال والتواصل مطلب مشروع ومطلب ملحّ، ينبغي ان يكون حاضراً في كل وقت من الاوقات، ونحن طبعاً لا نستطيع ان نجمع مثل هذا الجمع الكريم الطيب المبارك في كل يوم، ولكن بحمد