نص كلمة بعنوان: أتم نعم الله وأشرفها نعمة الولاية لمحمد وآله (ص)

نص كلمة بعنوان: أتم نعم الله وأشرفها نعمة الولاية لمحمد وآله (ص)

عدد الزوار: 453

2013-02-07

 النعم التي حبانا الله تعالى بها كثيرة، والله سبحانه قد فتح أمامنا وأعطانا مندوحة طويلة وعريضة نستطيع أن نحتمي بها {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}([2])، فنعمه تعالى فوق العد والحصر، ولا يحصيها جمع، وتبدأ هذه النعم الكثيرة من مساحة المال، لتعبر الى محطات متكثرة خاتمتها وأشرفها وأكملها وأتمها الولاية لمحمدٍ وآل محمد ’.

ولا يمكن أن نقلل من أهمية نعمة المال، فبالمال نستطيع أن نعطي المجتمع دفعة إلى الأمام، وبالمال نستطيع أن ننهض بالمشاريع الخيرية، وبالمال يمكن ان نحسّن أوضاع الأسرة، والقائمة تطول ولا تنتهي.

والجاه قد يكون في قبيلة، أو في مركز أو في علم أو في سلطنة، وكل هذه تشكّل ألواناً للجاه في المجتمع والأمة، لكنها تتباين أيضاً فيما بينها، فالجاه في مربعه الأول يختلف تماماً عما هو عليه في المربع الرابع، والأمر يجري أو ينبسط على بقية المربعات، لذلك لا يطلب ممن هو في المربع الاول ما يمكن ان ينهض به من هو في المربع الثاني، وهكذا. واصحاب الجاه بمقدورهم ايضاً ان ينهضوا بمجموعة من المسؤوليات ويخلصوا المجتمع من كثير من الشوائب، فالعالم من موقع علمه وجاهه اذا ما بذل العلم للأمة من حوله ونهض بها استقامت، والعكس صحيح أيضاً فيما لو تخلى عن دوره من القيام بمسؤولياته، حينها يغرق وتغرق السفينة به ومن معه كذلك، وهكذا السلطان، والامور تجري على هذا المجرى، لذلك فإن تكثّرت النعم بقيت النعمة الكبرى هي الاساس وهي الولاية، والولاية ليست أمراً مكتسباً وإنما هي حق مستحق منحه الله سبحانه وتعالى لأناس تدل أسماؤهم على ذواتهم، ولولاهم لما كان لمفهوم الولاية موضوعاً، فالنبي الأعظم ’ تولى شأن علي منذ اليوم الاول ولم يرفع يده عن العناية بعلي حتى الرمق الأخير من حياته، وعلي (ع) يدلنا على هذه المفردة بقوله: (ولقد كنت اتّبعه اتباع الفصيل أثر أُمّه)([3])، فما كان النبي يتحرك فيما كان الا وعلي من ورائه، وما كان النبي يغزو الا وعلي بين يديه، فكان علي (ع) الأذنُ الواعية والصافية والمصفاة، استوعبت وافرغت، وكان مما أفرغه(ع) نهج البلاغة، ولا يقتصر النهج على بنائه البلاغي فحسب، بل إن نهج البلاغة بعد القرآن الكريم هو مدرسة الحياة ونهجها، ففيه سلوك البشر وفيه قوامهم ونظامهم، وفيه الشيء الكثير، فاذا ما استنطقت كلمات هذا النهج ـ نهج البلاغة ـ وفتّشنا عن مولود شرعي لكتاب الله فلن نعثر الا على شيء واحد هو نهج البلاغة؛ لأن علي بعد النبي هو الذي يفهم مراد القرآن، مراد السماء، بل نرى أن هناك توأمية ـ مع حفظ الفارق ـ بين كتاب الله المنزل على قلب النبي المرسل محمد ’ وما جاء في نهج البلاغة لعلي (ع)، ولا يمكن أن نفكّك بين هذه التوأمية، يقول النبي الاعظم’ لعلي(ع): (يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، ولا عرفني إلا الله وأنت، ولا عرفك إلا الله وأنا)([4]) يشيرُ الى نفسه المقدّسة، فإذا كانت المعرفة محصورة في هذا الجانب، فهذا يعطينا مؤشّراً إلى اننا مهما حاولنا ان نستكشف عوالم الأسرار في ذات علي فلن نصل الى نهاية المطاف؛ لأن من يقف على نهاية المطاف هو من أذاق المعرفة الحقيقية لذاته حصراً.

فشكّل علي (ع) بهذه الكمالات موضوعاً في الطرف الآخر، وتشكّل من خلاله طابور طويل من الأعداء يمتد بامتداد الزمن، والسر في ذلك ان هناك من يتحرك على اساس من الغبطة وهناك من يتحرك على اساس من الحسد والعياذ بالله.

أما اصحاب المقام الأول فهم اولئك الذين اعتقدوا في علي وآل علي الامامة الحقة وساروا على نهجه فاتبعوا خطاه، وتمثلوه قولاً وفعلاً، لذلك اظهروا صور الحب في قوالب متعددة، ان كان في مقام حزن أو كان في مقام فرح فعلي المفردة التي لا تغيب، وعلي المفردة التي نقرأها عند قيامنا وعند جلوسنا لأنها تمثل الشفرة الخاصة بيننا وبين العالم العلوي، واذا كان من المتعذّر علينا ان نتعرف على ذات علي (ع) فنحن في جوٍّ أكثر شدة من حيث التعذّر لأن نتعرف على الملأ الأعلى، لكن باقترابنا من علي نقترب شيئاً فشيئاً لاستجلاء بعض صور ذلك العالم.

أما الجهة الثانية والجماعة الثانية فهي التي تتحرك على اساس من الغبطة وهي محصورة في الأولياء الصالحين؛ كسلمان وعمار ومقداد وابي ذر وجابر وجماعة أخرى، فهؤلاء من حقهم ان يغبطوا المولى على ما هو عليه لأنها صفة الايمان والمؤمن يغبط، وهنا درس ينبغي ان نعيشه او نتعايش معه ونتمثله في حياتنا؛ وهو أن الغبطة حسنة ومحرك لتحصيل الأفضل، فإذا سادت بيننا الغبطة ايها الاحبة رشدنا وكمُلنا وارتقينا وتطورنا.

أما الطبقة الثالثة او الجماعة الثالثة فهي التي اشتغل الغل والحقد والحسد في داخلها، لذلك ناصبت العداء للمولى علي (ع) في أكثر من لون ولون، وهؤلاء لهم وجود في أكثر من مكان ولهم ظهور في أكثر من زمان ولهم شخوص في أكثر من قضية، لكنّ علي (ع) كمدّ البحر يطوي ما هو دونه، وعلي (ع) هو الجوهرة التي خلقها الرب وصاغها نبي العظمة محمد ’ بيده، وإن فتّشت عن الشريعة في مصداقيتها فهذا علي، وإن فتّشت عن الشريعة في عظمتها فهذا علي، إن فتّشت عن الشريعة في علمها وعمق معرفتها فهذا علي، لا تبتعد كثيراً، فالاسمُ يتركّب من مادة وهيئة، قليلة الحروف كثيرة الدلالات، عينٌ ولام ثم ياء هو علي، الكلمة التي باشرت آذاننا منذ اليوم الأول، من ثغور آباءٍ وامهاتٍ طهرت مواليدهم فهنيئاً لهم بذلك.

وشكر النعمة مهم للحفاظ عليها. شكر النعمة ايها الاحبة ايها الموالون أمرٌ ينبغي ان لا نرفع اليد عنه، ودرسٌ نستلهمه من سيد الساجدين، فما احدث الله له نعمة الا وخر لله ساجداً، وما قضى من فريضة ونفل الا وخرّ لله ساجداً، وما وفّق لإصلاح بين اثنين الا وخر لله ساجداً.

الامام علي (ع) اكرمنا الله بولايته واتحفنا بمحبته وطهّر مواليدنا به. علي (ع) ايها الاحبة نعمة كبرى { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}([5]) فإكمال الدين بالولاية، وإتمام النعمة بالمحبة، وبين الولاية والمحبة توأمية أيها الأحبة، ـ تعرّضنا في إحدى الليالي على ما نظن بحث جهة الاشتراك والافتراق بينهما، ربما في ذكرى مولد الامام علي (ع) او قبل ذلك ـ فشكرُ النعمة قد يكون بالقول، باللفظ، باللسان وهذا حسن أن يحمد الله الانسان أو يشكره وان كان في قالب لفظي وهو حسن وفعل حسن وهو احد الاذكار التي يثاب عليها الانسان، لكن الأهم من ذلك هو ان نشفع القول بالفعل وان يكون لشكر النعمة اثر ظاهر بيّن واضح على أقوالنا وعلى أفعالنا وأن يكون شريكاً في نسج العلاقة فيما بيننا وزرع المحبة والالفة في اوساطنا كمجتمع كبير، ما اعني مجتمع يخص قرية او مدينة بعينها إنما كأناس نضاف الى حقيقة ولاء واحدة، فعلينا ان نترجم هذا الشكر ونجسده في العالم الخارجي الى واقع.

في غدير خم، نصب النبي الأعظم علياً إماماً على الأمة مفترض الطاعة، وما هي إلا ايام قلائل بعد ذلك كانت مثقلة وحبلى، خمس وسبعون يوماً بين التنصيب والانقلاب على البيعة، بين البيعة ونقض البيعة، بعد ذلك كابد علي (ع) الأمرّين، بدءً بحديث الدار وما طوى من مشاهد صعبة مرّة ثقيلة على نفس علي (ع)، لكنها الحقيقة التي لا غبار عليها، انما وصل قد جرى ووقع وحصل بمرأى ومسمع من علي، ولو أن الأمر انتهى عند هذا الحد! فربما لم يحتفظ التاريخ بالكثير من التفاصيل المضافة للواقعة والحدث، لكن أبى الحاسدون الا ان يستتبعوا او يتتبعوا علياً (ع)في كل صغيرة وكبيرة، نأى بنفسه ربع قرن من الزمن، لكن الأذى كان يطارده فلا يكاد يصبح الا والمشاكل مطروحة بين يديه، ولا يكاد يمسي الا والمشاكل تلاحقه.

علي (ع) أيها الأحبة عاش مظلوماً ولم يأت على وجه الارض انسانٌ عاش مشاهد الظلامة في أكثر من موردٍ ومورد كما عاشها علي(ع)، ودونكم التاريخ وإن لم يكن مما كتبته انامل الطهر والنقاء والصفاء، لكنها هي الحقيقة، ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره.

ثبتنا الله وإياكم على ولاية علي، وأثابنا الله وإياكم بفضل ولاية علي، وحشرنا الله وإياكم على ولاية علي، وثبت المحبة في قلوبنا بالصلاة على النبي وآل النبي.