نص كلمة بعنوان:آية الله السيد عبدالحسين شرف الدين العالم العاقل

نص كلمة بعنوان:آية الله السيد عبدالحسين شرف الدين العالم العاقل

عدد الزوار: 4475

2015-04-08

«العلماء ورثة الأنبياء»[2]

تصادف في هذه الأيام ذكرى رحيل ووفاة الآية العظمى والحجة الكبرى، الفقيه والمتكلم السيد عبد الحسين شرف الدين (قدس الله نفسه الزكية) عالمٌ يمثل مدلول هذه العبارة بكل حذافيرها، يتمتع بعلم عميق وواسع، أي جمع بين العرض والطول وهذه حالة نادرا ما تتفق إلا للأوحدي من العلماء، يضاف إلى ذلك رجاحة عقل قل نظيرها، والعقل إذا اجتمع مع العلم وجّهه إلى حيث الغاية من تحصيله، أما إذا تخلف العقل عن العلم شذ بصاحبه واخذ بصاحبه إلا هوة سحيقة أو ضيّعه في أكثر من مسار ومسار.

العقل وأهميته

من السهلٌ ان يصبح الإنسان عالماً، ولكن من الصعب ان يصبح عاقلاً، القوى الشهوية تتصارع مع العقل، متى ما رشد تغلب عليها، متى ما تخلفت عنه حالة الرشد سيطرت عليه الشهوات ذهبت به إلى المحذورات وقتها لا يقف عند حد، بل يفتي حتى بتبرير قتل الإمام الحسين (ع) «خرج عن حده فقتل بسيف جده»[3] هذا لم يكن جاهلا بل كان عالماً يستظهر القرآن وشطرا عريضا من الروايات، لكن غلب الهوى على عقله فتجرد عن علمه، الملاك ملاك العقل العناوين لا تقدم ولا تؤخر كثيراً، العناوين والسمات التي يراد منها إبراز بعض الحيثيات هنا أو هناك هذا لا يقدم ولا يؤخر، فليبقى في معاهد العلم ما بقي وينعت بما ينعت الملاك ملاك العقل، عندما ينزل إلى الميدان العملي، يواجه الناس، يتحرك في أوساطهم، هل ان الذي يحركه العلم أم الذي يحركه هو العقل، أحياناً يكون العلم سلّمٌ للتكبر كالمال، أحياناً العلم سلمٌّ للتكبر كالجاه، أحيانا العلم سلمٌ للتكبر كالمنصب، أحيانا نرى ان الإنسان ما دام فقيرا هو متواضع ولا يتكبر على الناس، لانه لا يوجد سلم يصعد عليه حتى يتكبر على خلق الله، عندما لا يكون هناك جاه ولا حسب ولا نسب فهو لا يتكبر على خلق الله بل يبحث عن الستر، لكن عندما يصبح لديه رصيد معين تراه يتسلق ويحاول ان ينظر إلى الناس من برج عال، يراهم كالحشرات يتحركون وربما دهسهم كذلك يبيع أمه وأباه من اجل المنصب، لا يراهم في مقامه، وهذه الأمور التي تساعد في الانخراط في جانب التكبر والغطرسة تزول، لأن تلك الأمور عارية وليس شيء اخر، نحن نرى إنسان غني في الليل يصبح فقيرا في النهار، اليوم رئيس وصاحب منصب غداً ينتزع منه المنصب، وهكذا بالنسبة للجاه، ومثل هذه الامور رأيناها كثيرا، العلم أيضا هكذا، تراه عالما لكن يبتلى بمرض الآيزايمر يصبح ما يحسن تقويم شؤونه الشخصية ناهيك عن باقي الأمور، لكن العقل إذا ما كان موجودا فهي النعمة الكبرى، وقد جاء في الحديث الشريف «إن الله خلق العقل فقال له: أقبل فأقبل وقال له: أدبر فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت شيئا أحسن منك أو أحب إلي منك، بك آخذ وبك أعطي»[4]، هو لم يقل للعالم بعلمك أثيب وأعاقب، بل قال للعقل بك أثيب وبك اعاقب، قلم التكليف يوضع عن الإنسان ليس من اجل علمه وجاهه ومنصبه وإنما من اجل عقله، فلا تكليف على من سلب العقل، العقل اذا سلب في مسمى الجنون هذا التكاليف تسقط عنه، أما إذا سلب العقل في التصرف، يعني العقل موجود لكن التصرف غير عقلائي ماذا يكون الوضع؟ سيكون مأساوي، هذا الشخص من الطبيعي أن يقتل أمة بكاملها، ان يقتل النفس الزكية المحرمة من قبل الله، هذا عنده أمر طبيعي، وهل يوجد شخص اشرف من الإمام الحسين (ع)! لكن عندما غاب العقل ماذا يحدث:

 أأترك ملك الري والري منيتي *** أم أصبح مأثوماً بقتل حسين[5]

فهذا الأمر واضح، يعلم انه مأثوم بقتل الحسين (ع) لكن الرغبة في ملك الري مسيطرة عليه.

وقفة قصيرة عند السيد عبدالحسين شرف الدين (ره)

من نحن في ذكرى رحيله السيد عبدالحسين شرف الدين صاحب كتاب المراجعات وهذا الكتاب قيمة وقمة هذا الذي جمع بين العلم والعقل، باشر جهوده وعطاءه في بلده لبنان بعد ان تزود بجميع أسلحة العلم والمعرفة والتي من خلالها تعامل مع النصوص واستنبط الأحكام والآراء، كان الصراع السياسي والمذهبي في لبنان في فترة السيد شرف الدين محتدم، أصلا لبنان ما مر عليها فترة هدوء، تاريخها هو هذا من زمن الرومان وما بعده لا تستغرب شيء، والصراع المذهبي هو الأسوأ، لان الصراع العسكري بين دولتين أو بين جماعتين يستمر فترة وبعدها ينتهي الصراع، لكن الصراع العقدي لا ينتهي بل يولد ويفرخ، خصوصا إذا وجد من يذكي ناره والعياذ بالله كلما ارادت النار ان تخمد يضيف اليها شيء من الحطب، فتوى هنا، كلمة هناك ... السيد شرف الدين حاول في ذلك الوضع الملتهب لتذليل الصعاب وتطييب النفوس وتقريب فيما بين، يعني من بأيديهم الأمر من الفرق المتعددة، صاحب علم وكمال وعمل تحرك فيما يرضي الله ناقش الآخر لكن بأدب راجع كتاب المراجعات لترى عظمة ذلك القلم وكيف يتحرك بهدي المعصومين من آل محمد عليهم السلام يستعرض رأي الآخر، يفند رأي الآخر، يطرح رأيه، يقيم الدليل على رأيه، لكن في منتهى الأدب والاحترام والتقدير للطرف المقابل، لذلك كأنه ينسج خيوط خيمة كبيرة يستظل بظلها من أراد الحق والحقيقة، فعلا تركت أثرها، تم التقريب بين النفوس، أصبحت الآراء تطرح دون حساسية ودون محاربة للأشخاص وتحطيم للذوات وتضييع للجهود، راسله علماء الأقطار وعلى رأسهم شيخ الأزهر الشريف وأجابه في منتهى الرقي وكان شيخ الأزهر في منتهى الأدب والاحترام أيضا، السيد (رضوان الله تعالى على روحه المقدسة) أيضا ضرب رقما قياسياً وما أحوجنا اليوم إلى مثل تلك القامة في هديها في استعراضها للآراء، في التقريب بين الناس إذا لم ينهض كلٌ من خلال موقعه فالقادم من الأيام سيئ بل في منتهى السوء، وهذا ليس فقط تكليف العلماء، أيها الاحبة بل هو تكليف الجميع معك صاحبٌ في المدرسة ينبغي ان تتعامل معه على هذا الأساس من الاحترام المتبادل حتى لو جهل عليك احدهم، عليك ان تتعامل معه باللطف، بالمحبة، بالصدق في المعاملة بعيدا عن التجني، لانه لايوجد إنسان عاقل لا يقبل بالحقيقة كذلك لا يوجد احد يقبل بالتعدي، اهل البيت (عليهم السلام) يطلبون من شيعتهم ان يحببونهم ويقربونهم للناس ولا يبعدون الناس عنهم؛ وان يكونوا لهم زيناً ولا يكونوا عليهم شينا...[6] ومدرستهم زاخرة، بيت السيد عبدالحسين شرف الدين (رضوان الله تعالى عليه) وكما قلت لكم خيمة نسجها، يفد إليها السني والدرزي والمسيحي وحتى أصحاب الأفكار البعيدة جدا عن الضوابط كانوا يلجأون إليه ويميط الكثير من السواتر التي تحجب الكثير من الحقائق، اليوم نحن مطالبين بالهدوء، بالسكينة، بالوعي، «لسانك حصانك إن صنته صانك وان هنته هانك» في غير ذلك، فان الضريبة سوف تأتي كبيرة، أنا كررت هذا الكلام في أماكن كثيرة وقلت بان الدنيا يومان: يومٌ لك وآخرٌ عليك فانظر ماذا تصنع فيهما فيما هو لك وفيما هو عليك.

ليلة الجمعة القادمة تصادف ذكرى وفات أم البنين أم الشهداء البررة هذه المرأة العالمة الجليلة العابدة المقدسة الواعية المربية الرسالية هي تستحق وقفة، هذه هي سيدة بيتها، قد يقول قائل هي ليست من أولاد الامام علي أو الزهراء عليهما السلام حتى تكون سيدة، نقول له: هي سيدة بيتها بل سيدة المرأة التي تنشد الحق والكمال، رزقنا الله وإياكم في الدنيا زيارتها وفي الآخرة شفاعتها. ولروح سيدنا السيد عبدالحسين شرف الدين ولجميع العلماء، رحم الله من يقرأ الفاتحة مع الصلوات.