نص خطبة: بين قبسات الأنوار المحمدي في ذكرى المبعث النبوي
انبعاث النور:
بارك الله لنا ولكم ذكرى المبعث الشريف لسيد الأنبياء والرسل محمد (ص).
كلُّ مصلحٍ يعترض طريقه الكثيرُ من العقبات، وبقدر ما يكون للقضية من قيمة كبرى، بقدر ما تكون العقبات موازية لها، فلا عجب ولا استغراب أن يتجند مشركو الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، ليضعوا العقبات تلو العقبات في وجه النبي محمد (ص) وهو الذي لم يُرد لهم إلا الفلاح الأكبر : «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»([1]). لكن الأمم تتفاوت فيما بينها من حيث البناء الثقافي، ويترتب على هذه الحالة الكثير من الأمور.
إننا ندين بالإسلام، ونتعبَّد وفق ما جاء به نبي الإسلام، وعلى هذا الأساس يكون للإسلام علينا حق كبير، ولا أقل من أن نقف على مكامن العظمة والاقتدار في هذا الدين الخالد، الذي جاء خاتمة لما تقدمه من النبوات والرسالات. فعندما تسأل المسلم عن أهم الركائز التي بُنيت على أساسها قواعد هذا الدين، يدخل العنصر المذهبي حجر أساس في تأسيس تلك القواعد، حال أن الإسلام تقدَّم المذهبية، ولم يأت رديفاً لها، فالمذهبية جاءت في أوائل القرن الثاني، وهو القرن الذي لا يحمل من خصائص القيمة ما كان مودعاً في القرن الأول، بمنطوق الرواية عن العامة. كيف لا؟ وقد غابت أنوار شمس النبي محمد (ص) قبل القرن الثاني، ولا شك أن القرن الذي يحظى بأنوار النبي (ص) وأقواله له من الخصوصية الشيء الكثير، بدليل أن ما حدث بعد غياب النبي (ص) عبَّر عنه القرآن الكريم بالانقلاب، ولم يكن ذلك الانقلاب على النبي (ص) فقد ارتحل إلى الرفيق الأعلى، ولا موضوعية خارجية لحمله على هذا المعنى، إنما كان على المبادئ والقيم التي جاء بها (ص) والدستور الذي أرادت له السماء أن يكون دائماً للبشرية، وهنا تكمن الخطورة في أعلى درجاتها.
فالنبي (ص) ولد وترعرع وتنبأ في مكة، وكانت بعثته في شهر رجب، وهو شهر الله كما في الرواية عن النبي محمد (ص): «إلا وإن رجب شهر الله، وشعبان شهري، وشهر رمضان شهر أمتي»([2]). فهو شهر مقدس معظم، حتى إنه بلغ مقام الحرمة عند العرب، وفيه تضع الحرب أوزارها، وهكذا كان للزمان خصوصية في مقدمات البعثة.
أما المكان فهو مكة، وهي أم القرى، وفيها مواقع، لكل منها خصائصه، ولَموطئٌ وطأه قدم النبي محمد (ص) له من الامتياز الكثير.
فمن تلك المواقع غار حراء، وهو مشهور، حيث نزل الأمين جبريل على النبي (ص) وأمره أن يصدع بالرسالة، وأن يخرجها من مكنونه الداخلي إلى عالم التجسد الخارجي، وعلى هذا القول الكثيرُ من أرباب السير والتاريخ. أما القول الثاني فهو أن النبي (ص) كان في البيت الحرام، قبال الكعبة المشرفة، عندما هبط عليه الأمين جبريل فنبأه، وأمره أن يسير في الأمة لبلاغ الرسالة.
ومن تلك المواقع أيضاً ـ وهو المكان المجهول الذي لم يسلَّط عليه الضوء تاريخياً بالقدر الكافي، وربما تكون القرائن أكثر مساعدة عليه من قسيميه، غار حراء والمسجد الحرام ـ هو بيت أم المؤمنين خديجة (ع). فمما لا شك فيه أن الروح الأمين جبريل (ع) والملائكة كانت تتنزل على النبي (ص) قبل البعثة، وموطن النبي (ص) الأول، فما هو المانع أن يكون مشروع النبوءة السماوي قد حدث في هذا البيت؟
فالتبتل في غار حراء، وفي بيت خديجة، وفي بيت الله، بالنسبة للنبي (ص) في مستوى واحد من حيث الوصل والاتصال، بل إننا لا نعتقد ولا نرى ولا نوافق من يعتقد أن للنبي (ص) حالات قرب من الله تعالى، إنما نرى أن النبي (ص) في دائرة الله سبحانه وتعالى في كل آنٍ من آنات حياته.
أما المجتمع المكي فكان يحمل في داخله الكثير من الكبرياء والأنفة وإلغاء الطرف الآخر، والحرص على أن لا تخرج الكثير من المكاسب من أيديهم لصالح قبائل أخرى في الجزيرة العربية. وكان النبي (ص) منهم ولهم، وكان يبغي لهم الفلاح: «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» ولكن حتى هذه الرابطة، والجمع بين المفردتين (كلمة التوحيد والفلاح) لم تتركز في ذهنية الفرد المكي آنذاك. لذلك اعترضت النبي (ص) الكثير من العقبات، رغبة منهم في الحؤول دون أن لا يبلغ المشروع الرسالي السماوي أهدافه.
المشركون في مواجهة النبي (ص):
وقد مرت الدعوة بمرحلتين: السر والعلن، ففي الدعوة السرية دخل في الإسلام من كانت له الحظوة والخصوصية، وهم نفر قليل بإمكان المتتبع أن يحصر أسماءهم، ولا شك أن من دخل الإسلام مبكراً كانت له خصوصيته، سواء رتب عليها الأثر الإيجابي، كما هو واقع من دخل مبكراً، أو من رتب عليها أثراً سلبياً، وهذه حقيقة لا يمكن لأحد أن يغمض عينيه عنها، فما حصل بعد الرسول (ص) برهانٌ قطعي على أن ثمة توظيفاً واضحاً بيِّناً موجَّهاً كان يصبُّ في صالح المسار الثاني على حساب المسار الأول.
وبعد إعلان الدعوة اختارت قريش الحرب على النبي (ص) وانتهجت أحد مسلكين، ثم ما لبثت أن جمعت بينهما:
فالمسار الأول لم تصل فيه الحال إلى قرع الأسنة، واشتباك الرماح، إنما كان في حدود مجموعة من الإجراءات التي ظنوا من خلالها أنهم سوف يسقطون المشروع دون أن يكلفوا أنفسهم مزيد عناء، لكن الرسالة ليست منتجاً بشرياً ليتم التعامل معه على أساس المنتجات البشرية، إنما هي مشروع سماوي، فمهما حشد من يحشد ضد المشروع السماوي فلن يصل إلى نتيجة، وهذه حقيقة طبيعية لها مسارها في صفحات التاريخ، بمعنى أن من يحمل القضية الحقة المؤصَّل لها في الإسلام، سواء كان في القرن الأول، كما في عهد علي (ع)، أم في القرن الثاني، وحتى القرن الذي نحن فيه، لا يمكن أن يُهزم، ما دامت القضية تستمد قوتها من المنبع الأصلي وهو القرآن الكريم، والسنة المطهرة المعصومة، وسوف تمخر تلك القضية عُباب البحر حتى تصل إلى ساحل النجاة بالأمة من حولها.
وكان لهذا المسار أشكال وألوان اتُّبعت فيه منهجية خاصة مدروسة بعناية، أمرُّ عليها سريعاً، لأنها مستحضرة في أذهانكم، فأنتم أهل ثقافة وأتباع منبر، وممن يستمع القول فيتبع أحسنه:
1 ـ الاستهزاء بالنبي (ص): وكانت تلك الخطوة الأولى، وفي دائرة ضيقة في جمع من بني هاشم، وفي تأمير علي (ع) على رؤوس الأمة منذ ذلك اليوم، وقد ذكرت بمناسبة الغدير أنني لا أتفق مع الرأي القائل أن الإمام علياً (ع) كان قد نُصِّب يوم الغدير، في الثامن عشر من ذي الحجة، في حجة الوداع، فما حصل في ذلك اليوم هو إعلان البيعة من المؤمنين لعلي (ع) وأن البيعة قد عُقدت في السماء. أما التنصيب الفعلي فكان في مكة إبّان بدء الدعوة، حيث دعا النبي (ص) قومه قائلاً: من يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي؟ عندئذٍ بدأت مسيرة الاستهزاء.
وقد يحصل الاستهزاء بالمباشرة أو بالواسطة، فأنت تستطيع أن تستهزئ بالمقابل مباشرة، كما تستطيع أن توصل رسالة استهزاء به في غيابه.
ففي ذلك الموقف المذكور يلتفت أبو لهب لأبي طالب قائلاً: اسمع ما يقول ابن أخي، إنه يؤمّر ولدك عليك.
وهكذا مضت مسيرة الاستهزاء، حتى تكفل الله تعالى بإيقافها، قال تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِيْنَ﴾([3]).
وطويت الصفحة الأولى، وما عادت مسيرة الاستهزاء تجدي نفعاً، ولا تعطي ثمراً، وأدرك عتاة قريش وطغاتها أن المشروع لا يمكن أن يسقط من خلال ذلك، فعمدوا إلى الأذى الجسدي.
2 ـ الأذى الجسدي: وكان هذا الأمر يحمل طابعاً معنوياً لا دموياً، أي أن الأمر لم يصل بعد لمرحلة الجرح أو القتل، كما في بعض أفعال أبي جهل، حيث التفت ذات مرة إلى أحد غلمانه ـ وقيل إلى أمة من إمائه ـ فقال له: إذا رأيت محمداً ساجداً عند مقام إبراهيم فألق الفرث والدم على ظهره.
أيها الأحبة: إننا عندما نقرأ مفردات التاريخ، فيفترض أن نستحضرها ونستنطقها ونوجد لها حالة من الإسقاط على المشهد الذي نعيشه، وإلا فإن التلبية لنداء السماء، وتحقق العبرة سوف لن يحصل: ﴿لَقَدْ كَانَ فِيْ قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾([4]). فالتاريخ يعيد نفسه باستمرار، ولا يختلف إلا الزمان والمكان والرجال، أما الممارسة في الخارج فهي هي، ومن هنا نرى أنه ما من مصلحٍ عظيم في وسط الإنسانية إلا ويعترض طريقه الكثير من العقبات.
والأذى الجسدي من هذا النوع واجهته مواقف من أبي طالب وحمزة عَمَّي النبي (ص) وكاد ينتهي دور أبي جهل لولا رحمة النبي محمد (ص) وشفقته.
3 ـ الإغراء: فعندما رأوا أن النبي (ص) لا يتوقف عن بلاغ رسالته اتبعوا مسار المكاسب والإغراء، فعرضوا عليه الكثير من المغريات، فلو أراد أجمل نساء العرب لزوَّجوه، أو أراد أن يكون ملكاً لنصبوه، وكان الرد: والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته. فكان الموقف هو الصمود والإصرار، وهو ما يُنتج للأمة الرموز، وينجب لها العظماء، ويقدم لها القادة.
4 ـ الإهانة والاستخفاف: فعندما وجدوا أن الرفض والإصرار هو حاكم الموقف، عمدوا إلى الإهانات، وكانت مساراً فاشلاً باطلاً باعترافهم هم، وقد اشتمل ذلك على رمي النبي (ص) بأنه ساحر أو كذاب أو مجنون أو كاهن أو مجرد شاعر لا فرق بينه وبين امرئ القيس مثلاً، كل ذلك ليسقطوا ما للقرآن من دور طليعي بات يفرض نفسه.
ولم تترك السماء النبي (ص) في هذه المرحلة. فمما لا شك فيه أن الساحر كاذب، وأن المجنون لا يعي ما يفعل، وأن الشاعر ما لم يدخل في دائرة الاستثناء فإنه يبقى يعيش عالماً من الخيال الذي لا واقع له في كثير من الأحيان، وهذا قريب من مساحة الكذب. وهذه الأمور كلها لم تُعرف عن النبي (ص) في الجاهلية، وهو ما تشهد به قريش نفسها.
كان النبي (ص) يصعد على الصفا، وقريش بين يديه في امتداد المسعى، فيقول لهم: ماذا تقولون لو أنني قلت لكم: إن وراء الجبل قوم يريدون غزوكم؟ فيقولون: كنا نصدقك لأنك الصادق الأمين. وهذا الانتزاع لحالة الاعتراف من نفوس قوم بهذه الصفة يعني الكثير في تأكيدها والإقرار بها.
5 ـ الطعن بصدقية القرآن الكريم: وقد تكفل القرآن بردّهم، تارةً بأن يأتوا بقرآن مثله، فلما عجزوا طالبهم بعشر سور من مثله مفتريات، وتدرَّج معهم في التحدي حتى بلغ الآية الواحدة. وهنا بحوث طويلة عريضة لدى أرباب علم الكلام، لا أجد حاجةً للولوج في دائرتها، لأنها في الكثير من مواطنها مسألة ترف علمي أو فكري.
ولما لم ينجح هذا المنهج، عمدوا إلى أسلوب آخر، فيه من البشاعة والقهر والبطش ألوان أخرى.
6 ـ التنكيل بالمؤمنين الذين آمنوا برسالة النبي محمد (ص): فبيت آل ياسر يعدّ من البيوتات المتقدمة في مساحة التضحية والفداء، وأول قطرات روَّت مسيرة الشريعة كانت من نحور هؤلاء، ولكن ـ مع شديد الأسف ـ لا زلنا نمرّ بمعطيات هذا البيت مرور الكرام، وكأنَّ التضحية التي قدموها لا تستوجب أن تنال من الاهتمام ما يكفي. فقد قتل ياسر وزوجته سمية، أما ابنهما عمار فأعطى كلمة فتحت باباً للتقية. وهكذا يجري الأمر في سلسلة من المؤمنين، كخبَّاب بن الأرتّ، الذي كان يوضع على الجمر حتى يتساقط الودك من ظهره عليها. وهكذا بلال الحبشي، وغير هؤلاء من المؤمنين.
ولم يستطع النبي (ص) في بعض الأحيان أن يقدم أو يؤخر في خصوصيات المشهد، لا على نحو القدرة الإعجازية وملكات السماء، إنما وفق المعطيات الطبيعية، فالنبي (ص) لم يمارس الجانب الإعجازي في كل شيء، بل تعامل مع القضايا بما يستوجبه الواقع الخارجي كما هو، أما الأمر المربوط بالجانب الإعجازي فلا يتجاوز مرحلة المنتج الإعجازي، خلا القرآن الكريم.
فمنبع الماء من بين يديه (ص) قد يؤمن بها عددٌ ما من الناس، قلّ أو كثر، ثم يموتون وينتهي كل شيء، ولكن أن يكون النبي (ص) يثبت دعائم هذا الدين على أساس من الشواهد الواقعية الخارجية فلا إشكال أن البناء يستقر ويدوم.
7 ـ فرض الحصار المادي، الاقتصادي والاجتماعي: بل والمعنوي بكل ألوانه ضدّ بني هاشم، حتى ألجأوهم إلى شعب أبي طالب. وقد باب هذا الشعب اليوم ـ مع شديد الأسف ـ غائباً عن ذهنية الكثير من المترددين على مكة المكرمة،رغم أنه يحتوي على كنز تاريخي، ومرحلة من مراحل التاريخ التي أحدثت انعطافة كبرى في مسيرة الإسلام صوب الهدف، بل كانت المرحلة الممهدة للهجرة النورانية الكبرى للنبي الأعظم (ص) من مكة إلى المدينة، لتنوَّر المدينة بأنوار النبي محمد (ص).
إن شعب أبي طالب هو مثوى أبي طالب، ومثوى أم المؤمنين خديجة (ع) وكوكبة من الصحابة الطيبين. فكم مرة ذهبنا إلى مكة وكلفنا أنفسنا أن نكحل نواظرنا بأنوار هذا الشعب؟ ألا يستحق منّا أبو طالب، كافل النبي (ص) ووالد علي (ع) أن نتجشّم عناء الوصول إلى قبره، وما هي إلا خطوات معدودة بينه وبين الحرم الطاهر؟ ألا تستحق منا تلك المرأة التي تشكل ركناً أساسياً في الدعوة، بمالها ومساندتها للنبي (ص) أن نمنحها شيئاً من الاهتمام؟
8 ـ التصفية الجسدية: وهي آخر ما لديهم في القضاء على الدعوة.
وجاءت ليلة المبيت، حيث المؤامرة الكبرى من قريش والقبائل المناصرة لها، على أن يقتل النبي (ص) ويذهب دمه هدراً، لأن كل قبيلة كانت ممثلة بواحد من عناصرها، وكان مبيت علي (ع) في فراش النبي (ص) حيث نزل الأمين جبرئيل على النبي (ص) وأمره أن يخلِّف علياً (ع) على الفراش، على أن يهيئ النبي (ص) مقدمات الهجرة إلى المدينة المنورة. وهكذا وصل النبي (ص) إلى الغار ومعه أبو بكر، وكانت قريش تتعقبه، أما علي (ع) فكان على فراش النبي (ص).
وأسدل الليل ستاره، وتلفع علي (ع) ببردة النبي (ص) ووضعها على جسده الأقدس ووجهه الأنور، وكأن شيئاً لم يكن، ولم تكن الجلبة خارج البيت عنده إلا زغردة في عرس. فمن مثلك يا علي وأنت تضطجع في فراش النبي (ص)؟! فلو أن الأرض غبطتك على ذلك لهان الأمر، لكن أن يدخل ملائكة السماء في جدل، فهنا تبرز العظمة والقيمة، ونفَسٌ واحد من أنفاس علي ليلة المبيت يعدل عمل الثقلين، ولا نعني بذلك الشهيق والزفير، إنما هي كان النَّفَس يتبع النفس لينسج الرسالة من جديد، فلو كان النبي (ص) في فراشه وقُتل في تلك الليلة لانتهى كل شيء، فكل مسلم على وجه الأرض مدين لأنفاس علي (ع) ليلة المبيت، وهنا تبرز العظمة والقيمة، لا سيما أن النبي (ص) رفع من سقفها، فكلها يعلم أن الأمر ليس محاباة لأحد بقدر ما هي عطية السماء، وهبة الله سبحانه وتعالى لمولى المتقين علي (ع).
فالمبعوث في هذا اليوم هو النبي (ص) لكن استحباب الزيارة المؤكد لعلي (ع). وليس لأحد أن يقول في ذلك ما يقول، سواء من أتباع علي (ع) وشيعته أم من غيرهم، لأن الرواية الصادرة عن أهل بيت العصمة والطهارة (ع) هي استحباب زيارة علي (ع) يوم المبعث الشريف.
ثم من قال: إننا نفرِّق بين النبي (ص) وعلي (ع) بعد أن نص القرآن الكريم في آية المباهلة على أنه نفسه، حيث قال: ﴿وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾([5])؟ فمن يجعل مغايرةً بين علي ومحمد لا يفقه حرفاً من القرآن، ناهيك عن آية، فعلي من محمد بمنزلة النور من النور، والضوء من الضوء، والعضد من الذراع.
إنَّ كلَّ مكتسب يمكن أن يصادَر من الإنسان، إلا الولاء لآل محمد (ص) فهي قضية لا يمكن أن يتنازل عنها المرء إلا أن يتخلى عن إيمانه.
نسأله تعالى أن يثبتنا وإياكم على ولاية علي (ع) والتمسك بنهجه، والسير على دربه، وشرف الوصول إلى قبره، ونيل الشفاعة من يديه. وأن يحفظ الأمة الإسلامية من كيد الأعداء، لا سيما الصهاينة من اليهود، الذين يديرون العالم حيث أرادوا. ومن المؤسف أن تحصل الاستجابة هنا أو هناك من أناس يرتدون عباءة الدين، تأثراً بذلك النداء الباهت الخافت الذي لا قيمة له في زمن بات التاريخ ينسج عباءته من جديد.
وأشير هنا إلى أن شهر شعبان سوف يحل في الأسبوع القادم، وكما حصل الخلاف في تحديد أول رجب، فمن المحتمل أن يحصل في هذا الشهر أيضاً، إلا أنني أتصور أننا أصبحنا نعيش العقلنة أكثر من السابق، وصار المجتمع أكثر تقدماً في هذا المجال، بحيث يترك لكل ذي شأن شأنه، فمن ثبت لديه الشهر عمل بتكليفه، ومن لم يثبت عمل بتكليفه أيضاً. وهذه هي الروح الطيبة التي نريدها، ومن يسعى لشق صفوف المسلمين وبعثرة الأوراق فليس منهم، كائناً من كان، كبر أم صغر، تقدم أم تأخر، رجل دين أم غيره.
فلو حصل الخلاف في ذلك، فنحن على ثقة أن ذهنية المجتمع قد تقدمت، وعلى ثقة واطمئنان أن ما كان يحصل في الماضي لن يحصل من جديد، وحتى لو حاول البعض أن يثير مثل هذه القضايا فعلينا أن نوقفه عند حده، لا بالشجار والمواجهة، إنما بالمقاطعة والترك.
نسأله تعالى أن يعجل لولي الأمر بالفرج، ليحفظ الإسلام في أهله، ويحفظ دولة الإسلام على وجه الأرض.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.