نص خطبة بعنوان: المنبر الحسيني نموذجاً لروح الخطاب الديني

نص خطبة بعنوان: المنبر الحسيني نموذجاً لروح الخطاب الديني

عدد الزوار: 616

2014-01-07

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين جميعاً، ورحمة الله وبركاته.

عظم الله أجورنا وأجوركم بشهادة السبط الشهيد (ع)، ورزقنا الله وإياكم زيارته في الدنيا دائماً وأبداً، وفي الآخرة الشفاعة على يديه.

في الحديث الشريف أن رجلاً قال للإمام الحسين بن علي (ع): إن المعروف إذا أُسدي إلى غير أهله ضاع، فقال الإمام الحسين (ع): «ليس كذلك، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر، تصيب البر والفاجر»([2]).  

الخطاب الحسيني:

يكتسب المنبر الحسيني أهميته من خلال الأبعاد الثلاثة التالية:

1 ـ أهمية الشخص المحتفى به، وهو سبط النبي الأكرم محمد (ص) والكوكبة النيرة من حوله من أهل بيته وأصحابه الشهداء.

2 ـ أهمية الحدث، بما يحتويه من حراك في اتجاه التصحيح، وهي القضية التي رفع لواءها السبط الشهيد (ع) بقوله: إنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد. ولا إشكال أن الإصلاح من أقدس المفاهيم التي جاء بها الإسلام في واقع الأمة استمراراً لعطاء النبوات والرسالات المتقدمة، إلا أن مفهوم الإصلاح اكتسب لوناً من التجسيد في صورة الكمال لم يكن مستحكماً إلا من خلال مدرسة محمد وآل محمد (ص). فسنة النبي (ص) وسيرة الآل (ع) سلوكاً ومنهجاً تدلل على هذا.

3 ـ الفاجعة الكبرى التي لفت جميع الآفاق، فالطف مدرسة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وأينما تأتي الإمام الحسين (ع) ترد من منهله الصافي، وهو قوام هذه المدرسة وأساسها، فإن جئته من خلال بيته فهو من بيت لا يقاس به بيت على وجه الأرض إطلاقاً، بل إن من تسوِّل له نفسه أن يقترب في وجه من وجوه المقارنة بين أي بيت وبيت النبي الأعظم محمد وآل محمد (ص) فإنما يقع في ضرب من التجنِّي على الواقع.

إننا إلى يومنا هذا لم نقرأ هذا الإمام الهمام كما ينبغي، وكم كان بودي أن تُشكَّل الأكاديميات والمعاهد والمدارس للتحقيق والبحث والنظر المعمق والمركز حول هذه الشخصية بجميع جوانبها، فلو لم يكن بين أيدينا إلا نهضة الحسين (ع) لكفانا أن نسافر بهذا الدين الحنيف إلى أقصى الأرض شرقاً وغرباً.

رواد المنبر الحسيني:

لقد حمل هؤلاء الأمانة على عواتقهم، فلم يعد المنبر محصوراً في تحصيل الرزق الذي يعتاش به الخطيب كما كان في يوم من الأيام، ولا أقول إن الساحة تخلصت بالكامل من ذلك الموروث كله، ولكن في الأعم الأغلب ما عاد من يقترب للمنبر يحمل هذا الهاجس.

فالمنبر أمانة، وحيث إن الخطباء ـ أيدهم الله وحفظهم وأخذ بأيديهم ـ قد نذروا أنفسهم، أو تصدَّوا ـ على الأقل ـ لحمل هذه المسؤولية، فعليهم أن يؤدُّوا الأمانة كما ينبغي. وسوف أستعرض بعض الأمور في محلها.

طلاب المعرفة:

وأعني بهم جمهور الإمام الحسين (ع) الذي ملأ المساجد والحسينيات والساحات والطرقات، لأكثر من هدف وهدف، أهمها:

1 ـ أن يقدم لوناً من ألوان الوفاء لصاحب المناسبة، ليكسب الأجر والثواب.

2 ـ أن يقتنص بعض المفردات النيرة، التي على أساسها يضيء الطريق أمامه، ويشق طريقه في الحياة كما أرادها الإمام الحسين (ع) حياةً كريمة مهذَّبة مشذَّبة من الكثير من النواقص.

وإذا ما احتُرم الجمهور من قبل أرباب المنبر، أخذ بيد رب المنبر إلى آفاق متقدمة، وبقدر ما تحصل القطيعة بين رب المنبر ـ أي الخطيب المتحدث ـ والقاعدة الجماهيرية من حوله، فإن تراجعاً ذريعاً سوف يلفُّ المشهد، بحيث يسقط الغاية والهدف الذي تحرك من أجله الإمام الحسين (ع) وضحى بأعز ما لديه على وجه الأرض، وهي روحه المقدسة، وفي مشهد مأساوي معروف.

شرائط الخطيب الناجح:

لذا نسأل، ومن حقنا أن نسأل: من هو الخطيب الحسيني المنتظر الذي يمكن أن يلبي للساحة الحاجيات المطلوبة، ويكفل لها عناء الكثير من الوقوع في مطبات الاستدارة إلى الخلف؟

لا بد من مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر في مثل هذا الخطيب، وهي:

1 ـ أن يكون مبدئياً في تعامله مع القضية التي يحملها، بحيث يحصل التوافق بين ما يقول وما هو الحال في معطيات القضية، وهذه ركيزة مهمة يُفترض أن لا نقلل من أهميتها.

2 ـ أن يكون على درجة عالية من الثقافة، لأن جمهورنا اليوم بحمد الله تعالى قطع الكثير من المسافات، وتخطَّى الكثير من الحواجز، وعبر الكثير من العوائق التي حاول أن يصطنعها جماعة هنا، وأخرى هناك.

ثم إن جمهورنا محل ثقة، وحضوره بهذا الكم الهائل دليل على أنه يطمح نحو الأفضل، وشاهد القضية منها وفيها.

وللثقافة قوامها الذي تستمده من روافد عدة:

أ ـ البعد الديني للثقافة، وهذا أساس لا يمكن أن نرفع اليد عنه، فمهما تقدمنا في ثقافتنا، وتوسعنا في مدركاتنا، وتعرفنا المعارف عند غيرنا، فلا بد أن نضع أيدينا ونتمسك بالبعد الديني، ونجذِّر للثقافة في واقعها الديني. بل إننا عندما نتعاطى الثقافة في بعدها العام، إنما نطمح من وراء ذلك، أن تصبح وسيلة مساعدة على تثبيت الواقع الديني في وسط الأمة، لا كما يتوهم بعض أصحاب القراءات الناقصة الذين لا زلت ألتمس لهم الكثير من العذر أن يستيقظوا من نومتهم، وأن يلتفتوا لما يجري من حولهم، وكيف انتقل الجمهور من ساحة متخلفة إلى ساحة متقدمة، فما عاد بمقدور الجمهور من حولنا أن يغفر لنا استغفاله، فقد توفرت لديه الكثير من الآليات في قراءة المتحدث.

ب ـ البعد الموسوعي: وهو أمر مطلوب ومؤكَّد عليه، فلا يمكن أن نحشو الأدمغة بالمكررات، لأن في كثرة التكرار من الملل ما يوجِد الفاصلة بين المتلقي والملقي (المرسِل)، ومتى ما اتسعت أبعاد الثقافة استقطبت الجمهور من حولها، وبقدر ما يكون الحضور استجابة لصاحب المناسبة في المناسبة، بقدر ما ينبغي أن لا يغفل ذلك الجمهور عما يمكن أن يُستدَرَّ من تلك المناسبة، كي لا يحصل نقض للغرض، وهو ما لم تُرده النهضة التي قام بها الإمام الحسين (ع).  

ج ـ البعد الحداثي: وللبعض حساسية من هذه المفردة كما هو الحال في بعض المفردات الأخرى، وبظني أن منشأ ذلك يعود إلى ضيق الثقافة التي يتحرك من خلالها، وتضيُّق المفردات على ذهنية هؤلاء، وإلا فإن المرحلية كمنهج، تعني ـ فيما تعنيه ـ الوصول إلى ما هو حديث في واقع الأمة.

فقد كنا نوجه الكثير من النقد لبعض أتباع المدارس الشقيقة؛ لأنها منغلقة على نفسها، ولكننا فجأة نجد أنفسنا ضمن حدود زوايا مربع، يراد له من قبل جماعة معينة أن يكون محيطاً بنا، فلا نخرج من حدود زواياه. وكأن ما عِبنا به الآخر في يوم من الأيام، أصبح من الفضائل التي يفترض أن نتحصل عليها.

إن الحداثة تعني فيما تعنيه: وعي الإنسان لما يجري من حوله في هذا العالم، لا أنها مصادرة الموروث إذا كان نقياً، أو التلاعب بالمفاهيم الأصيلة التي أصَّل لها الإسلام، حتى أن البعض بات يصدّر أحكاماً على مجتمعات لا على فرد بعينه، كما قرأت عن أحدهم إذ يقول: ومن العجيب أن تسمع في داخل جامع الإمام الحسين (ع) بالمبرَّز من يصلي على محمد وآل محمد (ص).  فماذا نقول بعد هذا؟

كان من المقبول إلى حدٍّ ما أن يتهمني شخصياً بالحداثة أو التمرد أو غير ذلك من الأوصاف، ولكن أن يحكم على هؤلاء الحضور الذين يحيون شعائر أهل البيت (ع) في أفراحهم بأعلى الصلوات على محمد وآل محمد (ص) فهذا ظلم، فأي دين أو مذهب أو مرجع خوّل لكم أن تسحقوا جمهوراً كبيراً، بمثل هذه الأحكام الجائرة التي لا يمليها إلا وسوسة الشيطان. ولا أقول لهؤلاء إلا أن يقصدوني بنفسي ويتركوا هؤلاء المؤمنين المصلين، كما قال الإمام الحسين (ع) يوم العاشر من المحرم.

3 ـ شمولية الطرح: وهذه الشمولية ليست مستجداة من أحد، إنما هو واقع الحادثة، فالإمام الحسين (ع) حيث إنه من أرباب الكمال في الكلام وفي الذات، اختصر الأمر في جملة قصيرة: إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (ع). والإصلاح إنما يكون في جانبنا السلوكي المهزوز، والتدين المتأرجح، والثقافة الهابطة، والاقتصاد المنهار، والواقع المتحلل، فصرخة الإصلاح إنما تكون بهذا الشمول، لا بالنظرة الضيقة المحدودة.

لذا يُفترض أن ينطلق أصحاب المنبر إلى آفاق أوسع وأرحب مما هم فيها وعليها، وقد تُملى على البعض منهم.

4 ـ الوقوف على تاريخ الأمم وحركات التغيير في المسار البشري. ففي القديم قدّم لنا القرآن الكريم نماذج لذلك، وكذا السنة المطهرة التي أوضحت الكثير من جوانب تلك النماذج، فمنذ بدء الإسلام، وحتى يومنا هذا، كانت هناك حركة تراكمية في هذا المجال. فعلى الخطيب أن يأخذ بأيدينا، ويبحر بنا إلى آفاق واسعة، لأننا أمانة بين يديه.

5 ـ الوقوف على خصائص التيارات الفكرية والحزبية والجهوية التي تلفُّ الساحة في جميع جوانبها ومساحاتها، فإذا قرأ الخطيب في هذه المنطقة، وكان في حسبانه أن يعرض البضاعة التي طرحها هنا في مكان آخر بالخصائص نفسها، فهذا دليل على أنه لم يقرأ  الساحة من حوله، ولم يضع يده على النقاط المهمة في تكوين الحركات والتوجهات في وسط المجتمع، فهنا جمهور قد يقبل من الخطيب الكثير، لوضعه الثقافي المتقدم، ورغبته في التنوير والتحديث، والرغبة الجادة في النهوض والتغيير، وهناك جمهور آخر في محل آخر، لا يحمل من هذه العناصر أقل القليل.

6 ـ التوثيق المصدري لما يتلى من نصوص على المتلقي: ففي واقعة الطف من حبكة السيناريو المضاف، الشيء الكثير. والسيد المرجع الأعلى للطائفة (حفظه الله تعالى) يقول: القدر المتيقن أن الإمام الحسين (ع) قد قتل في كربلاء. ومعنى ذلك أن صناعة المنبر لعبت دورها ووسعت من الأمور، خصوصاً أن النص الصحيح الموثوق الذي يُركن إليه، لم يصل إلينا كما ينبغي، والسر في ذلك هو المزاحمة بين أمر مهم وأمر أهم. فلا يمكن أن نُنحي باللائمة على جيل عاش في عصر الأئمة (ع) ولا سيما في عصر الإمام السجاد (ع) ولم يستوضح الأمر، فمن أقسى الفترات الزمنية حرجاً على الأئمة (ع) هي الفترة التي عاشها الإمام السجاد (ع) وهي الحلقة التي تمثل البوابة الواسعة على أحداث الطف، فقد كانت الدولة المروانية تضرب بيد من حديد على ما لا يستحق أن يضرب، فكيف بما يستحق في نظرها؟

فتوثيق المصادر أمر مهم، كي تحصل الثقة عند الجمهور بالمادة المطروحة.

فعلى سبيل المثال، يقول الخطيب: صعدت الخيل الأعوجية على صدر الإمام الحسين (ع)، فوطأت صدره وظهره، ولا غبار على ذلك إلى هذا الحد. ولكن يأتي من يقول: ولما جاء الإمام السجاد (ع) من الكوفة لدفن والده والشهداء، ذهب يبحث عن قِطَع الدم عند قبر عون! فهل ورد هذا في مصدر لا نعرفه؟ ثم هل كان قبر عون في ذلك الزمان؟ وعلى هذه فقس ما سواها.

إن حادثة الطف لو استحدثها المرء ذهنياً وهو في حال انفراد، لسبقته الدموع، فلا تحتاج إلى مثل هذه الأخبار والتصويرات.

7 ـ قراءة الجمهور من حوله: فليس من المعقول أن يكون الجمهور مشرِّقاً والخطيب مغرباً, أو أنه يغرِّد خارج السرب من الجمهور. فلا بد من تطابق، ونزول إلى الواقع، ومطابقة بين المرسل والمتلقي.

8 ـ الإفادة من المدارس الخطابية قديماً وحديثاً. فالشيخ الوائلي (رحمه الله) هو النموذج الأمثل، وهو الذي خطا بمدرسة الخطاب الحسيني خطوات متقدمة، منذ أواخر الستينات، حيث بزغ نجمه، ثم تجلّى وسطع في السبعينات والثمانينات الميلادية، ثم توقف بسبب العامل الصحي. إلا أنه قدم مدرسةً، وقفز بالأمة إلى الأمام، فمن يعيش في عمر الخمسينات اليوم، تزود من معينه الصافي، سواء في طبقات الحوزات العلمية، أم المساجد والحسينيات، أم في مساحات أبعد، في حين لم يتأتَّ له كما تأتّى لخطباء اليوم من النقلة التقنية في جانب المعلومات والإعلام.

فحري بخطبائنا حفظهم الله تعالى، أن يقرأوا مدرسة الشيخ الوائلي بكل عطائها، فقد كان مستقيماً من الناحية الدينية، واسع الثقافة، حداثياً في تفكيره، حاملاً لأمانته، يتماشى مع واقع الجمهور من حوله، فلا نريد من خطبائنا أكثر من ذلك.

9 ـ الإخلاص لله تعالى: فإن كان في حسبان الخطيب، أن يغادر مساحة الجمهور لاستعطاف ولي الحسينية كي يقرأ في السنة القادمة فهو واهم، لأن قيمة الخطيب، وشرعيته مستمدة من جمهوره، لا من ولي الحسينية، والأرزاق بيد رب الأرزاق، فمتى ما تمكن الخطيب أن يترك بصمته في ذهنية الجمهور، فذلك هو الرصيد الذي يُحفَظ له، على أن يكون مقنعاً في طرحه.

فبالأمس كان الخطيب يقرأ ويقرأ، ثم ينصرف، والسنة تتلوها السنة، والبعض يتفاخر أنه قرأ في حسينيةٍ ما أربعين سنة، والجمهور هو الجمهور، أما اليوم فالأمر مختلف، وهناك من يستمع ويلاحظ ويدقق، والأستاذ سلمان عبد الأعلى نموذجاً.

ففي هذا اليوم، بعد صلاة الفجر، عندما رجعت إلى البيت وصلتني مقالة للأخ الأستاذ سلمان، حول قراءة مفردة تعرّض لها أحد الخطباء في إحدى الحسينيات، في إحدى محاضراته. وقد أعجبني في مقالته، الأدب الرفيع، والقلم الرصين، والتوثيق المصدري، واحترام الطرف الآخر المتحدث.

أقول: أيها الشباب الطيب المثقف الواعي المدرك لهدفه في هذه الحياة: نحن نبحث عن أكثر من سلمان وسلمان في مجالسنا، كي يتقدم المنبر خطوات، فربما قرأ هؤلاء ناقوس الخطر في أذهان بعض الخطباء الذين لا زالوا يتربَّعون في مربعاتهم الخلفية. ومن أراد الاطلاع فدونه مقالة الأستاذ سلمان المنشورة في موقع المطيرفي، وهي من خمسين صفحة، كتبت بأدب رفيع واحترام للطرف المقابل، وهذا ما ندعو له، بأن يكون الخطاب والنقاش والكتابة في حدود الأدب، مع المؤالف أو المخالف، على مبدأ احترم تُحترَم.

سنة التميز في عاشوراء:

من الواضح البيّن أن هذه السنة تعدُّ سنة مميزة في مشروعها العاشورائي، وما كان هذا ليتم لولا اجتماع مجموعة من العناصر فيما بينها، حيث شكلت هذه اللوحة الفنية الرائعة. وينبغي أن نتقدم بالشكر لمجموعة من الجهات:

1 ـ الجهات الرسمية، فهؤلاء زرعوا الهدوء بهدوئهم في الشارع من حولهم، وهذا ما كنّا نتمناه لسنوات، ولكن ينبغي أن نلقي عبء السنوات خلف ظهورنا، فنحن أبناء اليوم، فلا ينبغي أن نبكي أو نتباكى على الماضي بقدر ما نستشرف من حاضرنا قراءة لمستقبلنا.

فلا بد أن نشكر الجهات الرسمية، ومن لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق.

2 ـ الجمهور العريض المتدين الحسيني، في سلوكه، ومنطلقاته، وحضوره، وحركاته، وأقواله، وانسيابيته التامة، بأن يحضر في الحسينيات أو المساجد أو الجوامع، بهذه الحشود الهائلة، وما يصاحبه من مركبات، ثم يفرغ المكان في دقائق معدودة، فهذا دليل على وعي الجمهور. فلهم الشكر جميعاً. ونقول لهم: بكم تستمر المسيرة، بهدوئكم وسلوككم ونظافتكم.

3 ـ الكادر الخدمي في هذا الجامع، فهم يطوقونني بجميلهم دائماً وأبداً، وعندما أقدم لهم الشكر فإنهم لا يرجون من ورائي حرفاً من كلمة، فضلاً عن كلمة شكر، ولكنني أرى من الواجب عليّ أن أقول هذه الكلمة. فهو كادر لا يحمّلني عناءً مادياً ولا معنوياً، ولو جاز السجود لغير الله لسجدت له. فأنت ترى خدمات لا تعرف من يقوم بها، وليس وراء ذلك إلا التربية السليمة في البيوت، والتفاعل مع المنابر والتربية الحسينية هنا وهناك، ومع مشارب الثقافة المتدفقة من أكثر من اتجاه. فبارك الله لهم في أعمالهم.

4 ـ نقدم الشكر لكل من قدم لنا دعماً مادياً أو معنوياً، سواء في هذه الأيام المتصرمة أم غيرها، من خلال الدعاء أو الكلمة الطيبة أو غير ذلك.

5 ـ لا ننسى أن نشكر الأخ الفاضل الشيخ علي العبيد الذي وضع اللمسة الأخيرة على قدسية المشهد العاشورائي في هذه السنة، وهو من الذين أقرأ فيهم مشروعاً منبرياً متقدماً، وبقدر ما أقرأ هذه القراءة فإني أستحثه أن يبذل الكثير الكثير، لأنه لا زال شاباً في مقتبل العمر، وحيث إنه قطع هذا المشوار المتقدم جداً قياساً ومقارنة بالكثير من الخطباء، مع خالص الاحترام للجميع، أقول له: عليك ببذل المزيد من الجهد، حال أن كلمات الشكر لا توفيه قدره.

ماذا حصدنا من عاشوراء؟

والسؤال الذي ينبغي طرحه: إننا حضرنا مجالس الإمام الحسين (ع) وشتى الفعاليات العزائية، فماذا حصدنا من ذلك؟

يقول الإمام الرضا (ع) لابن شبيب: «يا بنَ شبيب، إن سرَّك أن تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك، فزر الحسين (ع) يا بنَ شبيب، إن سرك أن تسكن‏ الغرف‏ المبنية في الجنة مع النبي وآله (صلى الله عليهم) فالعن قتلة الحسين (ع) يا بنَ شبيب، إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين، فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً. يا بن شبيب، إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أن رجلاً أحب حجراً لحشره الله معه يوم القيامة»([3]).

اللهم احشرنا مع الحسين (ع) وآل الحسين (ع).

نشيد في كربلاء:

في هذه المناسبة العظيمة، كتبت قصيدة، أرجو الله تعالى أن يتقبلها، أسميتها: نشيد في كربلاء. وأعني بها كربلاء الحسين وزينب (ع)، فكربلاء الحسين (ع) دم، وكربلاء زينب بيان. فسرّ بقاء الإسلام هو الحسين، وسر بقاء الحسين هو زينب:

      خذني   إليك  نلف  الجرح  والألما

نبوئ  السبط  من  أضلاعنا  حرما
نمد   جسراً   إلى  أعماق  "كربلة"
فيها   تجلى   شهيد   الآل  وابتسما
حيث استدارت من الأطراف طائفةٌ
تجسد   الدين  و  الأخلاق  والكرما
تؤمن   الفكر  مشروعاً  تطوف  به
كل    البلاد    مقيماً   للهدى   علما
يا  أرض  طف تسامت في قداستها
السبط   في  قلبها  قد  شيد  الحرما
هنا   دماءٌ  تجارى  فيض  زمزمها
تطهر   الأرض  والإنسان  والأمما
هنا   رضيعٌ   تولى   الشمر  مقتله
ما  ذنب  طفل  أراد العيش مقتسما
هناك   شبلٌ   طوته  الخيل  عاديةً
تهشم   الرأس   والأضلاع  والقدما
هم   بضعوه   وحزوا  رأسه  حنقاً
بغضاً  لدين  أزاح  الكفر  والصنما
يا   وجه   قاسم   يا  إشراق  مبدئه
قرأت   فيك   زعيماً  جاوز  القمما
لكن    قوماً   أرادوا   قتل   سيدهم
لم  يحفظوا  واجب الأحكام إذ نظما
عند     الشريعة     عباسٌ     تقلبه
أحقاد   كوفة   مذ  وافته  قد  هجما
أخو  الحسين  ومن  يدري  بموقفه
يقدم    النفس   تصديقاً   لما   قسما
أخذتَ   زينب   بالأهلين  تعصمها
واليوم أمست تناجي من لها عصما
بالضعن  سارت  تلاقي ألف مشكلة
الخوف  والجوع  اللوى  قلبها  ألما
ولما   جاءت   إلى   كوفان   عنفها
عبدٌ   لقيطٌ  دنى  بالسوط  واحتدما
يا   بنت  حيدر  دارت  ألف  دائرة
واليوم  عادت  تقضي من بها وسما
للآن   في   الشام   أحقادٌ  يبرمجها
حقدٌ  دفينٌ  أشاع  الرعب  واقتحما
وراح   يبني  على  أشلاء  مجتمع
لم   يعهد  القتل  والتهجير  والعدما
يا  شعب  زينب  يا  موصول أمته
متى   نراك  تعيش  الدور  منتظما
متى  نرى  في  جبال  الشيخ ألويةٌ
تعانق  النجم تحمي القدس والحرما
حيث  تصان  أصول  الدين مدمجةٌ
يختال  في  روضه من يرفع العلما
ضريح    زينب    مازالت   تهدده
جماعة  الجهل  ترمي صحنه حمما
لكن   زينب   بالمرصاد   ما  فتأت
تؤمن  الوضع تلغي الخوف والألما

 

 

السلام على الحسين (ع) وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين جميعاً ورحمة الله وبركاته.