نص خطبة بعنوان: العناية الإلهية للخلف الباقي من آل محمد عجل الله فرجه

نص خطبة بعنوان: العناية الإلهية للخلف الباقي من آل محمد عجل الله فرجه

عدد الزوار: 611

2014-06-11

مسيرة الإيمان في قرنين:

إننا على مسافة قصيرة من ذكرى ميلاد الخلف الباقي من آل محمد (ص) والحديث عنه حديث طويل. فالإمام المهدي (ع) شغل مساحته في القرآن الكريم والسنة المطهرة لمحمد وآل محمد (ص).

إنه أمل البشرية في الانتقال من مراحل الضياع إلى مراحل الاستقرار. فهنالك عدالة نسبية عاشتها الأمم فيما مضى، تتفاوت شدة وضعفاً، وسعة وضيقاً، لكن العدالة المبسوطة على يدي الخلف الباقي هي العدالة الحقيقية المطلقة، التي أوجد الله سبحانه البشر، وأراد لهم أن يتمسكوا بها، لكن نزوع الإنسان أخذ به إلى مشارب شتى بحيث ابتعد عن نقطة الارتكاز، وما زال الإنسان إلى اليوم يتخبط في سيره يميناً وشمالاً، لكن الذي يهوِّن الخطب أننا إذا ما استعرضنا القرون الثلاثة الأخيرة، التاسع عشر، والعشرين، والحادي والعشرين، فسوف نجد أن هنالك ارتفاعاً واضحاً وبيِّناً لصالح الإسلام، ومدرسة الإيمان، على حساب من تقدم.

فالقرن التاسع عشر سادته حالة الإلحاد، حتى كادت تقضي على مكامن القوة في الديانات الثلاث، اليهودية، ثم المسيحية، ثم الديانة الإسلامية، جراء بروز بعض الرؤوس في أوربا، وهي الرؤوس الناهضة آنذاك، فكانت تتهجى حروف المدرسة المادية على أيدي جماعة، في مقدمتهم (ديكارت) ومن سار على نهجه.

فكانت هنالك حالة من رياح الإلحاد والردة والابتعاد عن الدين والتخلي عن الثوابت، وهي (الموضة) التي اندكّ فيها الكثير من أتباع المدارس الدينية، حتى باتت تقضّ مضاجع أصحاب القرار، سواء كانوا من رجال الدين في الديانات الثلاث، أم من يحمل همّاً قريباً من مساحات رجال الدين. أما من تقدمت به القراءة والمعرفة والفكر وانتقل من مكان إلى مكان فمما لا شك فيه أنه كان في دائرة الإسقاط والسقوط.

ففي القرن التاسع عشر، كانت دورة الإلحاد هي التي دارت دورتها في المشرق والمغرب، وتناغم معها جماعة نُعتوا بعنوان (رواد الفكر) وهم رموز التغريب، أي الهجرة بالمتدينين إلى مساحة اللادينيين، ولا موجب لذكر الأسماء، لأن بعض الأسماء إذا ما اقتربنا منها تحركت حسيكة النفاق في داخل بعض النفوس، مع شديد الأسف.

حال الإسلام في القرن العشرين:

وحل القرن العشرون، بما له وما عليه، فبداياته كانت امتداداً لما تقدم في القرن التاسع عشر، ولكن في منتصفه بدأ المؤشر يحدث حالة من التعديل، وبدأ الصوت الإسلامي يرتفع تحت مسميات وعناوين كثيرة، بغضّ النظر عما لها وما عليها، وهل نحكم لها أو عليها، كالمدرسة السلفية، والمدرسة الإخوانية، في الطرف الآخر، وكالدعاة ومن سار على نهجهم، والمتنورين في إيران، في مدرسة أهل البيت (ع).

فهؤلاء وهؤلاء وضعوا حجر الأساس لإعادة الهوية، وكان هذا بداية الانطلاق، ولا داعي أن نحاكم اليوم النهاية التي انتهت إليها المسيرة بتلك العناوين، إنما نشير إلى وضع الحجر الأساس في منتصف القرن العشرين.

فكانت هنالك حالة من الرجوع من قبل الطليعة من الإسلاميين، ولا أقول: (المسلمين) لأن الجميع مسلم بحمد الله تعالى، ولديّ تحفُّظ كبير على وصف من كانت لديه شبهة أو إشكال أو توقف أو تردد أو حتى تمرّد نوعاً ما من بعض المسائل، بمفردات مثل: (لا ديني) أو (علماني) أو أحياناً بالملحد مع شديد الأسف، أو مفردة (المرتد) التي باتت اليوم تباع بأبخس الأثمان، فالمسألة أكبر من ذلك بكثير، لأن من كفّر مسلماً فقد كفر، أيّاً كانت المبررات، ومن بيده أن يُخرج الإنسان أو يدخله في دائرة الإيمان هو من له الأمر، أما نحن فيما بيننا، فلا يمكننا أن نقدم أو نؤخر في هذا العنوان مساحة يُعتنى بها.

وبالنتيجة بدأت حالة الإسلام تستعيد شيئاً من الهوية، وحصلت حالة من التطور والنقلة الكبيرة، ولكن ما كاد هذا القرن ينتهي وندخل في إرهاصات القرن الجديد، إلا وبات المؤشر بدرجة الامتياز في صالح المسلمين عامة، وهذه الحالة من الصحوة والتصحيح، لو لم تتقدمها تلك الحركات لما تم لها النجاح، ولم تصل إلى ما وصلت إليه.

وبطبيعة الحال أن الرجوع إلى الدين هو وعد السماء، فالبشرية حيثما ذهبت فإن مآلها إلى هذا المنبع الأصيل، ألا وهو الرسالة الخاتمة التي جاء به الحبيب المصطفى محمد (ص).

ولست الآن في صدد ما انتهى إليه القرن التاسع عشر من سيادة المادة على جانب المعنى، والطغيان المادي آنذاك، والانجراف الواضح البين، ولا مرحلة الوسط، إنما الذي يعنينا هو ما نعيشه في هذا القرن، وهل هو القرن المقرِّب لمساحة اللطف، وإشعاعة النور الأقدس للخلف الباقي من آل محمد أو لا؟

الوعد الإلهي:

يقو تعالى: ﴿وَنُرِيْدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِيْنَ اسْتُضْعِفُوْا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِيْنَ﴾([2]). وهو وعد قرآني، والقرآن الكريم صادق في نفسه، مصدَّق من ربه، ومن جاء به هو الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى، لذلك نقول لبعض من يعيش الشبهة: على هؤلاء أن يرجعوا إلى القرآن ويسلّموا بمعطياته الظاهرة التي تحتاج إلى تفسير، فنعت السماء للنبي (ص) أنه لا ينطق عن الهوى دليل على أن ما جاء به هو كلام الله سبحانه وتعالى، فإما أن نسلّم بهذه الحقيقة ونطبق ذلك على عموم القرآن الكريم، أو أن نجعل القرآن عضين، كما فعل قوم مقت الله تعالى موقفهم.

إن مساحة الرجوع إلى القرآن الكريم مساحة واسعة، فالقرآن هدىً للعالمين، والإشكالية ليست في من يريد الهداية فحسب، إنما في من يتعرف على معالمها ويدير الظهر لها، فهو يعلم علم اليقين، لكنه يتمرد على الثابت، وهي إشكالية جدُّ كبيرة.

وفي موطن آخر يقول تعالى عن وعده الإلهي بالخلف الباقي: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوْا مِنْكُمْ وَعَمِلُوْا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِيْ الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَّنَّ لَهُمْ دِيْنَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعِدِ خَوْفِهِمْ أَمْنَاً يَعْبُدُوْنَنِي لا يُشْرِكُوْنَ بِي شَيْئَاً﴾([3]). فمدار الكرة الأرضية ومن عليها سيكون لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات. والاستخلاف لهم سيكون كاستخلاف من كان قبلهم، فانطباق المواصفات على من تقدم في زمن الرسول (ص) في حدود الأمر النسبي، أما في زمن الخلف الباقي فستكون المسألة حقيقية تامة مطلقة وليست نسبية.    

والله تعالى هو الذي ارتضى للبشرية أن يعود هذا الدين الذي جاء به النبي محمد (ص) وتلاعبت الأيدي في معطياته وروافده وأصوله غضاً طرياً، وكأن النبي (ص) يتلو آيات تتعلق به من جديد، ولكنه في صورة الخلف الباقي من آل محمد (ص).   

وهناك موطن آخر في القرآن الكريم للخلف الباقي من آل محمد (ص) وهو قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُوْرِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُوْنَ﴾([4]). فهنالك وراثة سوف تتحقق لعباد الله الصالحين.

فمن مجموع هذه الآيات الثلاث، ننتزع ثلاث حقائق:

الأولى: جعل الإمامة في المستضعفين من أهل الأرض، وفي الكثير من الروايات أن المستضعفين في الأرض هم محمد وآل محمد (ص).

إن مجموع الروايات والأحاديث التي صدرت في المهدي (ع) وحركته واستخلافه، بعد التتبع الأخير، بلغت أكثر من ستة آلاف، أي أنها تعادل في عددها بعض الصحاح عند المسلمين.

ولنسأل أنفسنا: كم قرأنا من هذا الكم الهائل من الأحاديث، كي نقول بعدها: إننا تعرّفنا المهدي (ع) وحركته، وأنصاره، ومعطيات مدرسته، وما نؤمّل ونعلق من الطموحات إذا ما أذن الله تعالى للمهدي (ع) بالظهور؟ وكم غربلنا منها واستنطقنا؟

الثانية: الوراثة الدائمة، فالوراثة النسبية حصلت في بعض المراحل، لكن الوراثة ذات الطابع الدائم، أي من خروج المهدي (ع) حتى القيامة، إنما تكون للمهدي (ع).

كما أن هذا الموروث، بما يحمل من التناقضات، سوف يضع له المهدي (ع) حلولاً، ويفصل بين المسارات، ويضع النقاط على الحروف، ويصفّي وينتزع السمين من الغث، ثم يعرضه على الأمة، ومن يعرض عليه الدين الأصيل الذي جاء به الرسول (ص) صافياً مصفىً، يستحيل أن يعرض عنه.

فإسلامنا اليوم، وإن كنا نتعبد به، وهو ما يفترض أن نقوم به، إلا أنه واضح التلاعب في الكثير من المواطن في مدرسته. ويكفي شاهداً على ذلك أن يتلو زيد من الناس الآية ليكفّر طائفة، ويأتي الآخر على النقيض من ذلك، فيتلو آية أخرى ليكفر طائفة أخرى، فترى الدماء هنا وهناك وفي كل مكان.

بل هنالك شريحة ثالثة، وهي من داخل جماعة التكفير، تتلو الآية (وتنحر) فيستشهد القاتل بقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ  ~ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾([5])، ويذبح بها مسلماً يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.           

الثالثة: الاستخلاف الإيماني، قال تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيْفَةً قَالُوْا أَتَجْعَلُ فِيْهَا مَنْ يُفْسُدُ فِيْهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُوْنَ﴾([6]). فالقائلون هم الملائكة، فصفة الإنسان أنه دموي، والملائكة تدرك ذلك وتعرفه. ففي الحديث الشريف عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: «لقد خلق الله ألفَ ألفَ عالَم، وألفَ ألفَ‏ آدم»([7]). وهؤلاء الألف آدم كانت مسيرتهم كلها خراب ودماء ودمار وقتل ورعب، ثم جاءت القدرة الإلهية تريد الاستخلاف، ولا شك أن الملائكة لا تنسى ذلك، فسألت الله تعالى عما خبرته من مسيرة أولئك الآدميين، وكانت ردة الفعل عندهم أشبه بالصدمة.

والسر الذي أوقف الملائكة عند المرحلة التي وصلوا إليها، أن علم الله آدم الأسماء كلها، وهي عبارة عن أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع). فهؤلاء مفاتيح الغيب، الذين اصطفاهم الله تعالى واجتباهم واختارهم وقربهم.

الإرادة الإلهية في حفظ موسى (ع):

إننا نجد اليوم بعض الأصوات النشاز التي لا تؤمن بالمهدي (عج) وإن قبلت وآمنت بسائر الأئمة (ع). في حين أنه يفترض أن يكون قد قرأ القرآن الكريم، بل يفترض أنه مسلم، والقرآن الكريم يستعرض لنا أكثر من مشهد ومشهد، إذا ما رفعنا يدنا فيها عن الغيب فمن الصعب أن نسلّم بها، وإذا تمسكنا بمنطق الغيب سهل علينا التعاطي مع فكرة المهدي (ع).

ففيما يتعلق بموسى بن عمران (ع) كان فرعون مصر قد أصدر قراراً أن كل امرأة حامل يجب أن يبقر بطنها ويقتل الجنين في داخله، لكن السماء تدخلت في ذلك فمنعت قتله.

فقد أُلقي بعمران والد موسى في السجن، خوفاً من أن يقترب من زوجته ليكون له منها ولد، وكان مقرباً من البلاط الفرعوني، وذلك في الفترة التي صدر فيها القرار بعزل النساء أو بقر البطون، فكانت الحامل يبقر بطنها، وغير الحامل تعزل عن زوجها. مع ذلك جاءت القدرة السماوية بعمران من السجن إلى بيته بقرار خاص من فرعون، ثم اقترب من زوجته في تلك الليلة، ثم تشاء القدرة الإلهية أن يصدر القرار بإعادته إلى السجن مرة أخرى، وبهذا أنفذت القدرة الإلهية قرارها، وحملت أم موسى به.

فهناك عمل للناس، وهناك عمل لله تعالى، فإن أراد أن ينفذ أمراً فلا يحتاج إلى مقدمات طويلة ووسائط، إنما هو (كن فيكون) لكن الوسائل الطبيعية تأتي بها السماء ليكون هناك استقرار في ذهنية الأمة.

وولد موسى (ع)، فخافت عليه الأم، فتدخلت السماء مرة أخرى، فأمرتها أن تلقيه في اليم. فوضع الطفل الصغير في زورق من الورق، وقذفته أمه في البحر، لكن السماء وعدتها أنها سوف ترده إليها: ﴿إِنَّا رَادُّوْهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوْهُ مِنَ الْمُرْسَلِيْنَ﴾([8]).

ثم يقع موسى بأيدي آل فرعون، فتأخذه زوجة فرعون، وترى فيه الجمال والكمال والنور الإلهي، فالأنبياء والأولياء منذ تكونهم إنما هم في دائرة الغيب حسب معتقدنا.

وهكذا راحوا يبحثون له عن مرضعة، وهو يرفض المراضع، حتى جاء الدور إلى أمه، فرده الله تعالى أمه كي تقرّ عينها كما وعدها. وفي النهاية كان هو الذي أجهز على فرعون.

فماذا يقول أولئك في هذا الكلام القرآني؟ أليس هو إرادة الله وقدرته التي أراد إنفاذها؟

من قال غير ذلك فعليه أن يدين بدين غير الإسلام، فهذا هو ديننا، وما نعتقد ونسلّم به تسليماً مطلقاً، فلا نناقش فيه.

 الإرادة الإلهية في حفظ عيسى (ع):

أما في حال نبينا عيسى (ع) فكانت إرادة الله تعالى وقدرته شاخصة بارزة. والديانة الإسلامية تزكيه، أما المسيحية المنسوخة بالإسلام، فتصر على أن المسيح (ع) ولد ولادة غير شرعية ـ والعياذ بالله ـ وأن مريم القديسة الطاهرة كانت لها علاقة خاصة مع ابن خالتها، وقد جاءت بالولد من عنده. وهو ما يقرأونه إلى يومنا هذا في صحفهم.

لذا تجد أن جعفر بن أبي طالب عندما سافر إلى الحبشة، وطلب منه ملكها أن يقرأ رؤية الدين الجديد في عيسى (ع) قرأ عليه الآيات الشريفة: ﴿قالَ إِنِّي‏ عَبْدُ اللهِ‏ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَني‏ نَبِيّاً ~ وَجَعَلَني‏ مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصاني‏ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ‏ حَيًّا ~ وَبَرًّا بِوالِدَتي‏ وَلَمْ يَجْعَلْني‏ جَبَّاراً شَقِياً ~ وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ‏ أَمُوتُ‏ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيَّاً﴾([9]).

فالقرآن صريح في أن الله تعالى آتاه الكتاب والحكمة والنبوة وهو صبي في المهد. بل أوتي مقدرات الكون في مساحة الغيب.

فما حصل مع المهدي (ع) لا يختلف عن مثل هذه الأحوال، وحكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد، فما حصل لموسى وعيسى من تدخُّل غيبي يمكن أن يحصل مع غيرهما، ولا تبتعد مساحته عن المهدي (ع).

الممهدون للمهدي:

يقول النبي (ع) : «المهدي من ولد فاطمة»([10]). وفي رواية أخرى: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»([11]).

ويقول لفاطمة (ع): «أبشري يا فاطمة فإن المهدي منك»([12]).

وفي حديث آخر: «ومنا مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم»([13]).

أما الإمام علي (ع) فيقول: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله عز وجل رجلاً منا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً»([14]).

وقال (ع): «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوّل الله ذلك اليوم، حتى يخرج فيه ولدي‏ المهدي‏، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»([15]).

إن بيننا وبين المهدي مسافات لا بد أن تُشغل، وهناك عناوين تعنون بها تلك المسافات، منها ما تضاف إلى الموطئين للمهدي سلطانه، ونحن نرغب أن نتعرف على فهؤلاء الموطئين، فهنالك الكثير ممن يدعي أن مساحته مساحة التوطئة، وأن العناصر الموجودة هي عناصر التوطئة، وأن الفكر المحمول هو فكر التوطئة، ولا شفيع لنا في استنطاق مفهوم هذه المفردة إلا ما ورد عن محمد وآل محمد (ص).

يقول النبي (ص) كما في المستدرك على الصحيحين: «إانا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع راياتٌ سود من المشرق، فيسألون الحق فلا يعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه، فيقاتَلون فيُنصَرون، فمن أدركه منكم أو من أعقابكم، فليأتِ إمام أهلِ بيتي ولو حبواً على الثلج، فإنها راياتُ هدىً»([16]).

وهنالك حديث آخر مكمِّل لهذا الحديث، ورد عن الإمام الكاظم (ع) يقول فيه: «رجل‏ من‏ أهل‏ قم،‏ يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزُبَر الحديد، لا تُزلُّهُم الرياح العواصف، ولا يَمَلُّون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون،‏ والعاقبة للمتقين»([17]).

فهناك عواصف شديدة، فكرية وثقافية واقتصادية وغيرها، إلا أنها لا تنال منهم، ولا يعرفون للجبن والخوف والتراجع والتنازل والخضوع سبيلاً، نعم، يعرفون سبيل المناورة، إلا أنها مناورة الشجعان، على أساس من موقف القوة والاقتدار.

أما عن أهم مواصفات هذه الجماعة فهي:

1 ـ العلم والمعرفة: فلا يتحركون على أساس العواطف، ولا يقتاتون على مشاهد الإثارة، إنما على أساس من العلم المحكم والمعرفة المسيسة والمسيَّجة بهديهم (ع).   

2ـ العبادة الصحيحة: ففي الأزمنة الأخيرة طرأت على الساحة أشكال وأنماط من العبادات، من الأيام والليالي، وهناك المبرَّر وغير المبرَّر والمختلق والدخيل، وما دُسَّ فينا لنُستهلَك فيه، لكن هؤلاء عبادتهم صحيحة، فليس المهم أن تصلي ألف ركعة، إنما يمكن أن تصلي ركعتين ‏أفضل من ألف ركعة عليها الكثير من علامات الاستفهام. وكذلك يمكن أن تصوم شهر رمضان وتؤدي حق الصيام، وليس هنالك موجب لصيام رجب وشعبان، إذا كان صيامهما مدعاة للرياء والتفاخر، فالعبادة أمر خاص، بين العبد وربه.

إنني هنا لا أرد على أهل البيت (ع) في استحباب صيام الشهرين، إنما أتحدث عن التطبيقات، فهناك من يتحدث في كل مجلس عن صيامه هذين الشهرين، وهذا لا يتناسب مع تطهير الذات وتزكية النفس.

وكذلك الحال مع النساء، بل الأكثر من ذلك، هل أن المرأة أخذت الإذن من زوجها بالصيام أم لا؟ أليس هنالك التزامات وحقوق للزوج وهي طاعة لله تعالى؟ ألا توجد عبادة لله سوى الصوم، وعلى رغم أنف الزوج؟

إن الله تعالى لا يطاع من حيث يُعصى، وفي الكثير من الأحيان يزين لنا الشيطان أعمالنا، كمن يأتي إلى المسجد قبل الصلاة بساعة، إلا أنه ترك العمل، فهل هذا دين؟

وأحياناً تكون هناك قائمة معلَّقة من حاجيات المنزل، ولكن المصلي يأتي المسجد من الساعة العاشرة.

أما عبادة الموطئين، فهي عبادة صحيحة وفق المقاييس والضوابط الشرعية المدونة في الرسائل العملية، ودونك كتاب الصوم، ولكن في الوقت نفسه على المؤمنة أن لا تنسى قراءة كتاب النكاح، ففيه من الأحكام ما يؤمّن الجِنان، ويغلق أبواب النيران. وكذا الحال في الرجال أيضاً.           

3 ـ العمل والمجاهدة: كما في حياة السيد الإمام (قدس سره) الذي مرت بنا ذكرى رحيله، هو بشارة المعصومين (ع) كما في الرواية التي ذكرتها عن الإمام الكاظم (ع) في قوله: رجل من قم.

إننا عندما نرجع قليلاً قبل أكثر من ثلاثين سنة من الآن، ونرى ما كانت عليه الأمور قبل وبعد هذا التاريخ، وما آلت إليه اليوم، نجد أن الحال مختلف كثيراً. ومن أراد أن يتحقق فعليه أن لا يسأل من كان عمره الآن ثلاثين سنة، لأنه كان آنذاك طفلاً صغيراً، بل عليك أن تسأل ابن الخمسين أو أكثر، لأنه كان آنذاك ابن عشرين أو أكثر، وهو بذلك يدرك ما يجري حوله.

لقد كانت الجهل والضياع والشتات يعصف بالعقول، صحيح أن هناك الكثير من الخير، لكن على الأقل أصبحت الأمور أفضل مما كانت عليه، وأكمل وأحسن وأتم وأطيب وأطهر.

لم يكن حضور المساجد بهذه الدرجة من حيث الكم والكيف، ولم تكن مراسم أهل البيت تقام آناء الليل وأطراف النهار كما هي عليه اليوم، ولم يكن التردد على بيوت المراجع والفضلاء لدفع الحقوق عن طيب نفس، وتسليم لثوابت الشرع، كما هو الحال اليوم، فكان هناك من يعيش عمره ثم يموت فلا يعرف معنىً للخمس. بل إن عالم الدين لم يكن يجرؤ أن يطرح مسألة في الخمس. كل ذلك لم يكن قبل إشراقة السيد الإمام (رحمه الله) على هذه الأمة.

إننا عشنا تلك الفترة وشاهدنا بأم أعيننا ما كان يحدث، والحمد لله أننا من بيوت محافظة متدينة، لكننا رأينا المشهد من حولنا كيف كان، فلم يكن الأب أحياناً يجرؤ أن يطلب إلى ولده أن يحضر المسجد.

أما اليوم فنجد طفلاً ابن ثلاثة عشر عاماً، يطلب إليّ أن أنصح أباه بالصلاة! يقول لي: سيدنا أرجو أن تنصح أبي وتطلب منه أن يصلي!. فهل أتى ذلك من فراغ أم من تاريخ أعيدت صياغته، ونص ديني تم تقديمه بمداد من نور، وشجرة مباركة تم تغذيتها بدم طاهر.

فمن ينتظر المهدي لا بد أن ينتظره بالتي هي أحسن، أما أن يرتكب المعاصي وينتظر فهو ما لا يتناسب إطلاقاً مع الانتظار.

أيها الأحبة: لقد صرنا اليوم نتمرد على بعض الأحكام الشرعية ونختلق المنافذ لها، فمن ذلك السماح بدخول الرجال الأجانب في صالات الزواج أثناء الزفاف، فهل لهذا مسوغ شرعي؟ وهل هناك فتوى لمرجع بذلك؟ وأحياناً تدفع بعض النساء الرجال لهذه المواقف.

أيتها المرأة التي تعتقدين أن الزهراء (ع) وزينب (ع) قدوة وأن أم البنين (ع) فإن هؤلاء لم يكنَّ على هذه الشاكلة، حاشا وكلا، فهذه مظاهر ومشاهد مستوردة من الفكر الغربي.

فلا بد أن نتقي الله تعالى في أنفسنا، وإلا فليس هناك إلا ما توعد الله به الأشرار من خلقه.

نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.