نص خطبة بعنوان: الأمانة أساس تنظيم الأمور وتحقيق النجاح

نص خطبة بعنوان: الأمانة أساس تنظيم الأمور وتحقيق النجاح

عدد الزوار: 805

2014-03-26

الأمانة لغةً وشرعاً:

﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوْا الأَمَانَاتِ إِلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوْا بِالعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيْعَاً بَصِيْرَاً([2]).

الأمانة في اللغة هي الوفاء، يقال: فلانٌ أمين، أي: وفي. وفي الاصطلاح: كل حقٍّ لزمَ أداؤه وحفظه. وفي القرآن الكريم: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوْمَاً جَهُوْلاً([3]).

وللأمانة مصاديق متكثرة، وأئمة أهل البيت (ع) وضعوا أيديهم على أهم تلك المصاديق الخارجية، ففي رد الإمام علي (ع) على الزنديق الذي أراد أن يشكك في عدم وضوح معطيات القرآن الكريم، وضع يده على الآية السابقة، فقال: «وأما الأمانة التي ذَكرتَها، فهي الأمانة التي لا تجب ولا يجوز أن تكون إلا في الأنبياء وأوصيائهم»([4]). أي أن الأمانة هنا عبارة عن نبوة ورسالة.

وفي حديث آخر عن الإمام علي (ع) أن الأمانة هنا هي الصلاة. وعلينا هنا أن نوازن فيما نقوم به من توجه للصلاة حين وجوبها ودخول الوقت، وحين يطرق النداء أسماعنا، وما كان عليه علي (ع) عندما يطرق الأذان سمعه.

ففي الرواية الشريفة أن المولى علي (ع) «كان إذا حضره وقت الصلاة تلوّن وتزلزل، فقيل له: ما لك؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان، وأنا في ضعفي فلا أدري أُحسنُ إذا ما حُمِّلتُ أم لا»([5]).

فهذان مصداقان من مصاديق الأمانة، والبحث فيها أمر في منتهى الأهمية والعظمة والجلالة، والبحث حولها طويل لن أقترب كثيراً منه.

وفي مقابل هذا المفهوم المقدس المهم، الذي يشكل ركناً أصيلاً في البناء، هنالك مفهوم آخر في اتجاه معاكس، وهو الخيانة ـ والعياذ بالله ـ فمتى تعرفت الأمانة اتضح مفهوم الخيانة، والعكس بالعكس.

وهذا المفهوم المقابل للأمانة (الخيانة) من أبرز علامات المنافقين بين أبناء الأمة، فكل من لا يلتزم الأمانة، يوصف بالخيانة، ومن كان خائناً فهو منافق، شاء أم أبى.

ولم تكن هذه الصفة في المنافقين وليدة الساعة، أو السنوات الأخيرة والقرون المتقضية، إنما كانت مصاحبة لدعوة الحق، فالدعوة إلى أداء الأمانات كان يسير بجانبها خط يتقاطع معها في الكثير من المفاصل، رغبة منه في عدم وصول الأمانة إلى حيث يراد لها الوصول إليه، ذلك هو خط (الخيانة) التي رفعها لواءها طابور المنافقين في مكة، وكانت أعلامهم بارزة، وشخصياتهم واضحة، فكانوا ممن يُقَدَّمُوْن في مجتمعهم المكي، كأبي جهل، وأبي سفيان، وأبي لهب، وأمثالهم ممن حملوا ألوية النفاق.

ومن أهم المشخصات لحالة النفاق التي كانت تتربع في قلوب هؤلاء هي الخيانة، فكانوا لا يَصدقون في شيء، ويخونون في أقوالهم وأفعالهم، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر.

حدود الأمانة ومصاديقها:

وهنا سؤال صريح صحيح واضح بَيِّن: هل من الصحيح أن نحصر الأمانة في حدود دائرة ضيقة هي عبارة عن رد الأمانات المادية؟ فنحن نطلق لفظ الخيانة في القضايا المادية، كأن نأتمن أحداً على أمر مادي فلا يؤديه إلى أصحابه، حال أن هذا المفهوم الكبير ينطبق على مصاديق متعددة وكثيرة هنا وهناك. بل إن إسقاط بعض المصاديق المعينة على المفهوم المذكور، ليراد منه عين المفهوم تحديداً، هو إلغاء للمفهوم. بدليل أن الأئمة عليهم الصلاة والسلام، وقبلهم النبي الأعظم محمد (ص) تحركوا في سبيل إثبات هذا الجانب، وهو أن الأمانة لا تحصر فقط وفقط في من أقرضته قرضاً ثم لم يؤده إليك.

1 ـ الأمانة العلمية:

فهنالكم أمانة علمية، وهي أمر قد يقع فيه حتى من تلبَّس بعباءة العلم، إذ يُدرِج النظرية في طيات كتابه الذي يُعده للنشر، ثم لا يذكر المصدر، فهذه خيانة علمية كبيرة جداً، لأنه ينسب الاستنتاج العلمي والفتح الفكري لنفسه. وهذا المصداق من الخيانة يجتاح اليوم الكثير من المساحات العلمية والفكرية والتنظيرية، فهنالكم مساحات من السرقات تنتاب عالمنا العلمي.

وقد تحصل أحياناً سرقة للعقول، وذلك عندما يُستكشف في شخصٍ ما أنه يمتلك القدرة على الأداء الأدبي والعلمي والتنظيري والفني، فيُسرق من أوساط الأمة، ثم يُهيَّأ لدورٍ أكبر، تتم على أساسه السرقة في ثوبها الجديد. وفي عالم الغرب الكثير من هذه المصاديق، حيث تسرق العقول العربية المسلمة والعقول في العالم الثالث، وتنقل إلى البلدان الغربية، ثم يجرى عليها بعض التعديل والتوجيه، ثم تسخر في سبيل احتلابها.

فعالم الذرة في الغرب، الذي يعتبر من أدق العلوم المعاصرة في عالمنا اليوم، إنما ترعرع وبلغ هذه القوة والاقتدار والتقدم اعتماداً على (عقول عربية) وربما يتفاجأ البعض، ولكن دونكم الدراسات الستراتيجية التي قُدِّمت، والوثائق التي بدأت تأخذ طريقها إلى النور في الفترة الأخيرة، لتجدوا فيه صدق هذا المدعى، وشواهده الكثيرة.

2 ـ الأمانة العبادية:

وهنالكم أمانة عبادية، وهي أن تصانع وجهاً لا وجوهاً متعددة، فمن يتعاطى العبادة على طريقة المصلحة، يكون كما قال الشاعر:

صلى وصام لأمر كان يطلبه    لما انتهى الأمر لا صلى ولا صاما

فهذه خيانة في العبادة والعياذ بالله. فتجد أن البعض لا علاقة له بالمسجد، لكنه يريد أن يصل لأمرٍ ما، فيتردد على المسجد، ليكسب علاقةً مع إمام الجماعة أو أحد المقربين أو أحد الشخصيات، ليصل إلى هدفه، ثم ينتهي كل شيء. وما ذكره الشاعر في البيت السابق ليس أمراً جديداً، إنما هو يتحدث عن أمر واقع بين الناس، وسلوك متداول.

فمنهم مثلاً من يريد أن يخطب امرأة، ويجد أن الأبواب مغلقة أمامه، فلا يجد سوى هذا الشفيع، وغالباً ما يكون الشفيع رجل الدين، في مجتمعاتنا التي تقدر رجال الدين كثيراً، فيعمد إلى رجل الدين، ويلتمس إليه الطرق من هنا أو هناك، وبعد أن يصل إلى مبتغاه يودع صاحبة إلى غير رجعة.

إن هذه العبادات التي يُقصد من ورائها مصلحة خاصة، لا تقدم ولا تؤخر. لذا نجد في الحديث الشريف: «إنما للعبد من صلاته ما أقبل عليه منها...»([6]). فيفترض بالعبادة أن تكون مجردة عن جميع العوامل، إلا العامل الوحيد، وهو القيام بالتكليف، أي أداء الأمانة التي رفضت السماوات والأرضون حملها، وتصدى لحملها الإنسان، فلم يؤدها كما أراد الله تعالى.

3 ـ الأمانة الرسالية:

وهنالك أمانة رسالية، فلدينا طبقة من أبناء الأمة تتميز بالعلم والمعرفة والفهم والإدراك والوعي والحركة، أي أنها تتصف بصفات الإنسان الرسالي الذي ينهض بالرسالة في وسط الأمة، فلا يكتفي أن يصلح نفسه، إنما يندفع في إصلاح الآخر. وتلك الشريحة ـ في الأعم الأغلب هم رجال الدين ـ الذين يفترض أن يكونوا أمناء على الرسالة بالدرجة الأولى، ثم الأمثل فالأمثل. فينبغي على هؤلاء أن يكونوا المصداق الأفضل في أداء الأمانة، وأن لا يقعوا، عن قصد أو غير قصد، في الخيانة.

وقد يقول قائل: هل يمكن أن نتصور ذلك فيهم؟ الجواب: نعم، فمهما كان رجل الدين اليوم، لن يكون أفضل من الصحابة الذين عاشوا في كنف النبي (ص) وسمعوا الوحي، وتلمسوا زغب جناح جبريل في بيت النبي (ص)، فماذا كانت النتيجة؟

إذن، يمكن أن يحصل ذلك اليوم كما حصل في السابق، وقد رأيتم الشيخ حسين المؤيد، الذي كان مجتهداً مجازاً من أحد رجال الدين المراجع، ولكن انتهى به الأمر على شاشة إحدى القنوات المعادية لأهل البيت (ع).

فالأمانة الرسالية مهمة جداً، وينبغي أن تكون كذلك، لا يشوبها شيء من الخيانات. ونسأل الله تعالى أن يلطف بنا، وعلينا أن ندعو لأنفسنا بالهداية قبل أن ندعو لغيرنا.

4 ـ الأمانة الأخلاقية:

وهنالكم أيضاً أمانة أخلاقية، تنتظم مع التكوين الإنساني، فالسمع والبصر أمانة، واليد والقدم أمانة، وكل جارحة من جوارحنا أمانة، فكيف نراعي هذه الأمانات؟ إن الله تعالى ﴿يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ‏ وَما تُخْفِي الصُّدُور([7]).

فلو أن أحداً وقعت عينه على امرأة مثلاً، أو على جانب من جوانب جسدها الذي يجب أن يُحفظ، كأن تميل الريح من ثوبها شيئاً، أو أنها تعمدت ذلك، فينبغي أن لا ينظر، إنما هي نظرة عابرة، لا يجوز ما بعدها.

كنت يوماً من الأيام إلى جانب أحدهم، فرأيته يحدُّ النظر من خلال نافذة، وكان أشبه بصياد يتفرس في صيده، فسألته: ما الخبر؟ قال: كما ترى. وإذا بامرأة تمشي وهو ينظر إليها، فنهيته عن ذلك، وقلت له: ذلك لا يجوز، فقال: إنها لا تزال النظرة الأولى، فلم أحول نظري يميناً ولا شمالاً!.

فهذه خيانة، لأن النظرة الأولى لا تكون بقصد وعمد، إنما هي نظرة عابرة لا إرادية. يقول شاعر العرب:

أعمى إذا ما جارتي برزت    حتى يواري جارتي الخدرُ

5 ـ الأمانة في العمل:

وهنالك أمانة في أداء العمل: أيها الأحبة، نحن أبناء طائفة، وأتباع أئمة ربونا على الإخلاص في أداء العمل، مع أيٍّ كان من الناس، حتى لو كان من غير ملة الإسلام، يهودياً أو نصرانياً أو غيرهما، فلا بد أن يكون المسلم هو النموذج المتقدم بينهم.

ففي الأزمنة السابقة نجد أن الكثير من أبناء المذاهب الشقيقة عندما يريد أن يجعل بينه وبين حرمه واسطة، فإنه يختار واحداً من بين أبناء هذه الطائفة، لشدة ما عرفوا به من أداء الأمانات وحفظ الأعراض. وهذه الدرجة لم نكن لنصل إليها عبثاً، إنما هي خلاصة جهود الآباء والأجداد الذين مضوا، وعلينا أن نحافظ عليها، لأنها سمة فارقة وعلامة مميزة، فيجب أن لا نفرط بها، وأن نبقى نحن الأكثر أداءً للأمانة، في أي مكان كنا، إذا ما أسندت إلينا مهمة تستوجب الأمانة.

الأمانة أساس الثقة:

ومما لا شك فيه أن أداء الأمانة أساس مهم لا شك فيه في سبيل نظم الأمر، وتحقيق النجاح، ومتى ما تخلى المرء عن ذلك، فسوف يرى ما تكون عليه النتائج. لذا ينبغي فهم هذا الأمر فهماً دقيقاً، في منتهى الدقة، ليعطينا القدرة على الوصول إلى أرقى درجات المجد والكمال الإنساني. فإن كان هنالك صدق في القول والفعل فسوف نفرض وجودنا في الحاضر أو القادم.

والأمانة تارة نقرأها في مساحة الرجل، وتارة أخرى في مساحة المرأة. تصوروا أن الرجل يخون زوجته، أو المرأة تخون زوجها، فما عسى أن يكون وضع الأسرة؟

وتصوروا أن هذه الخيانة التي وقعت أصبحت على طاولة البحث والتشريح، وعلم بها الأبناء والبنات، فما عسى أن يكون عليه تعامل الأبناء والبنات مع الآباء والأمهات؟

قد يقول قائل: وهل يخون الرجل زوجته أو تخونه؟ الجواب: دونك المحاكم، ودوائر البحث الجنائي وما أشبهها، ودونك الصحف والمجلات والفضائيات وغيرها، لتعرف كم هي النماذج من هذا النوع.

من نماذج الخيانات أيضاً أن يقول الإنسان: لا شأن لي بما يجري. فمنهم من يذهب للدراسة، الدينية أو الأكاديمية، فيمضي عشرين أو ثلاثين سنة، ثم يعود للبلد، فيجد الاهتمام الكبير، والموائد المنوعة، ثم يختار الانزواء في بيته. فهل يتفق هذا مع مسار الأمانة الذي يفترض أن يكون نذر نفسه للقيام بها؟

فمن يرى أن الأمور لا تهمه ولا تعنيه، فهذا ليس منطق محمد وآل محمد، إنما هو منطق إبليس.

وقد يتقدم بعض هؤلاء خطوات إلى الأمام قليلاً، لكنه يُحجم ويتراجع وينسحب، عندما يرى أن الناس بدأوا ينتقدونه في (الواتساب) أو (الفيس بوك) أو في المجالس والاستراحات، وهذا أحسن حالاً من غيره الذي لم يذق طعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد تسأل هذا المتخلي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لماذا تخلى عنهما؟ فيقول: لست على استعداد أن أخسر أصدقائي. أي أن الهدف والعمل ليس مع الله تعالى ولا لوجه الله. ولا لمنطق الإمام أمير المؤمنين (ع) الذي يقول: «ما ترك لي الحق صديقاً»([8]). ولا لحركة النبي (ص) التي تعرض فيها لأشد أنواع الخطر، حتى أنه ضحى بأغلى ما يملك في هذا الوجود، وتعرض لعملية الاغتيال والقتل، فالاغتيال من قبل المنافقين، والقتل من قبل المشركين. فهل ترك الأمور تمشي على ما هي عليه؟ 

إن الشباب الذين يُبعثون للخارج، وهم بحمد الله من الشباب المؤمن المتدين ومن البيوتات المؤمنة المتدينة، ويعلق عليهم الكثير من الآمال، وينتظر منهم الكثير، فمن غير الصحيح أن يتخلوا عن دورهم، والقيام بأمانتهم، وتوسيع الدائرة من حولهم. وكذلك الذين سبقوهم بإحسان، ممن تخرجوا وتوظفوا وأصبحوا أرباب دوائر وأعمال، ينبغي عليهم أن ينهضوا بالأمانة كما ينبغي.

إنهما جناحان يحلق بهما المجتمع الراشد: رجالات العلم الديني إذا صلحوا، ورجال العلم الأكاديمي إذا عملوا، وبذلك يسعد المجتمع، أما أن يتخلى أحدهما عن عمله فهذا يعني شقاء المجتمع.

أما المرأة فهي أكثر خطورة من الرجل في هذا المجال، من حيث تحمل المسؤولية في حفظ الأمانة، والسر في ذلك أن لديها الكثير من الأسرار التي تخص العائلة والأبناء والبنات والزوج، وأسرارها الخاصة كامرأة. لذا فإنني أؤكد للأخوات المؤمنات أن لا يقصرن في تفعيل الأمانة في الوسط الاجتماعي، وأن يزرعنها مفهوماً مقدساً في قلوب بناتهن، وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة.

والأمانة في الكلام أكثر وأشد خطورة، وهي في غاية الأهمية، بأن يكون المرء أميناً في نقله، وعليه أن لا يصيِّر من نفسه حمالة حطب، كما هو الحال في الكثير من المساحات.  

يقول النبي الأعظم محمد (ص): «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله([9])، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت([10])، يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه»([11]).    

إن الذين يحملون صفة الأمانة كُثر، ولكن لا ينبغي أن نغفل الجانب الآخر، وهم حملة الخيانة والوشاية والفتنة بين المؤمنين.

ففي القسم الأول ينبغي أن نسافر بالكلمة الطيبة، وأن نوسع من دائرتها، فإذا سمعنا من يتكلم بالكلمة الطيبة الحسنة لصالح شخص آخر، في قرية أخرى أو مدينة أو أي مكان كان، فينبغي أن ننذر أنفسنا لحمل تلك الكلمة والتقريب ما بين القلوب، وإذهاب الشحناء، وعلى العكس من ذلك لو سمعنا كلمة فيها تسقيط ومحاربة وتشويه وتشهير وتشويش على ذهن الجماعة، فعلينا أن نضع لها حداً ونقبرها في أول انطلاقتها.

أما ما نراه اليوم فعلى العكس من ذلك، فأكثر ما يصل للأسماع هو الأمور السلبية، وإذا بكلمة واحدة تهد الأركان، وتقطع عرى العلاقات التي كانت وثيقة في يوم ما، لتجعلها أدراج الرياح.

ومن أثقل الأمانات التي يجب أن نؤديها هي الأمانة التي خلفها النبي الأعظم (ص) في يد علي (ع) وهي السيدة الزهراء (ع) فقد أدخلها على علي في ليلة زفافها، ووضع يدها بيد علي، وبعد أن أوصاها بعلي، وذكر فضائله، التفت إلى علي (ع) قائلاً: «يا علي، هذه ابنتي فاطمة». ثم راح يصف فاطمة ويذكر فضائلها، فهو المعصوم، يصف معصومة، في حضرة معصوم، أي أن السماء كانت تفرغ عن هذه المعاني، والنبي (ص) هو الواسطة، والزهراء هي المعنية، وعلي هو المخاطب. وبعد هذه الوصايا كلها أراد أن يرفع يده عن يد علي وفاطمة، فختم كلامه بقوله: «يا علي، هذه وديعتي عندك».

ولا شك أن علياً (ع) أدى الأمانة ولكن لا على الحالة التي تسلمها، فقد تسلمها ووجهها مشرق، وعينها سليمة، وصدرها سليم الأضلاع، وجانبها لم يلكز بالسيف، ومتونها لم تسودّ من سياط قنفذ، ووجهها لم تشبها حرارة النار التي أضرمها فلان.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحمل الأمانة، ويؤديها كما ينبغي، وأن يجعلنا وإياكم ممن يصانع وجهاً يكفيه عن سائر الوجوه، وأن يتعامل مع الله سبحانه وتعالى، رضي من رضي أو غضب من غضب.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.