نص خطبة: الدمج بين مدرستي المعقول والمنقول

نص خطبة: الدمج بين مدرستي المعقول والمنقول

عدد الزوار: 377

2015-02-10

مدرسة المعقول والمنقول:

كان الكلام فيما مضى حول مدرستين، هما مدرسة المعقول ومدرسة المنقول، وحديثنا اليوم حول مدرسة الدمج بين المعقول والمنقول. وهذه المدرسة يشترك فيها معظم أتباع المدرستين الإسلاميتين الكبيرتين، الشيعة والسنة.

مما لا شك فيه أن المواد الأولية هي الأساس الذي تبنى عليه المشاريع، فما لم تكن ثمة مواد أولية، فليس بمقدور المتخصص في فنّه أن يرفع بناءً، لأن القضية ستؤول إلى السالب بانتفاء الموضوع.

وفي عالم الفكر هنالك مواد أولية. والمدارس وإن كانت تتكثر فيما ببينها، إلا أنها في الدين والعقيدة تُحصر في موردين:

1 ـ الكتاب المنزل على الحبيب المرسل محمد (ص).

2 ـ السنة المطهرة الواصلة عنه، عن أهل بيته، بالطرق المعتبرة.

وكلنا يعلم أن معظم المواد الأولية يشوبها بعض الكدورات، لذا تُدخل في مرحلتها الأولى في التصفية والتنقية، حتى يتسنى للمختص أن يتعامل معها وفق متطلبات الحاجة.

والقرآن الكريم ﴿لَا يَأْتِيْهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ([3])، قطعي في صدوره، لكن الكلام في دلالة الآيات المرشدة. لذا نحتاج إلى المتخصص فقهاً وتفسيراً وحراكاً علمياً. أما السنة الواصلة إلينا فلا تتمتع بالقطعية، لا في صدورها ولا دلالتها، إنما تخضع في صدورها للمقاييس، فإن اكتسبت درجة من الوثاقة أخذنا بها، وإلا رفعنا اليد عنها بادئ بدء. وإذا آلت النوبة بنا إلى التعامل مع معطيات ذلك النص بعد التسليم بسلامة سنده، عندئذٍ تأتي مرحلة التعامل مع النص، ليستخرج منه ما يمكن أن يستخرج، ويبقى في دائرة الظنية في الأعم الأغلب.

وهناك موارد كثيرة لما ذكرنا من منهج، نجدها في نتاج العلماء وبين أيدي ذوي الاختصاص، من معطيات المدرسة الدينية وقابلية التفاعل مع الوضع العام من حولها، وكلنا يعلم أن اليوم يختلف كثيراً عن ذلك اليوم الذي عاش فيه من تقدمنا، جراء ما يشهده العالم من نقلة نوعية في جميع جوانبه، بحيث ولّدت إسقاطاً حتى في سلوكياتنا اليومية، ومبتنياتنا العرفية التي كنا إلى عهد قريب لا يمكن لنا أن تجاوز أقل القليل منها. فالأبواب اليوم مشرعة أمام الجميع في أن يأخذوا  أو يعطوا الكثير مما يرغبون أن يخوضوا فيه.

التعاطي مع العقل والنقل:

وتكمن أهمية المدرسة الدمجية أنها تشرك بين العنصرين: المنقول والمعقول، فلا ترفع يديها عن الموروث بالمطلق، كما تُعمل العقل وتفيد منه إلى أبعد مدى ممكن.

إننا لا يمكن أن نرفع يدنا عن الموروث، كما لا يمكن أن نضع خطين متقاطعين على حركة العقل، فلا نستسلم إلى الحالة الأولى بالمطلق، ولا نذهب بعيداً مع الحالة الثانية، إنما هي المزاوجة بين الرافدين، فإذا أحسن أحدنا استغلال تلك الحالة من المزاوجة بين هذين المسارين، تقدمنا كما أرادت لنا السماء أن نكون عليه من التقدم لا التخلف والتقهقر.

ولكن ثمة ملاحظات لا بد من الإشارة إليها سريعاً:

1 ـ لزوم الفصل بين المدرستين من حيث الخصائص: وإلا لزم من ذلك أن نقع في الاصطدام، بين ما هو موروث، وما يراد له أن يتحرك في دائرة الموروث، وما لا نرغب فيه أن تحصل حالة من هذا القبيل. فنحن نريد أن نقترب من موروثنا على أساس الهدي، وهو عبارة عن إعمال العقل، والوصول لعمق الفكرة المؤسَّس لها من خلال النقليات الكثيرة.

ومما لا شك فيه أن أصحاب مدرسة النقل ـ وهي تمثل معظم مدرسة العامة، وشطراً لا يستهان به من أتباع مدرسة الخاصة ـ عملوا على هذا الأساس، ولكننا قررنا فيما مضى أن السنة المطهرة هي الرافد الكبير المبيِّن لمعطى أصل التشريع، وهو القرآن الكريم. وحيث إن الصحابة الذين عاشوا مع الرسول (ص) يتفاوتون فيما بينهم من حيث الفهم والإدراك، فمما لا شك فيه أن بعض الأمور تتلبس على بعضهم، وهذا التلبس يدخل في الكثير من الأحايين في كينونة تلك النصوص. ومع مرور القرون من الزمن يتعذر علينا أن نتعامل معها كما ينبغي بسبب فقد الوسائط الموصلة إلى أصل تلك النصوص.

فمثلاً، لدينا المدرسة الإخبارية، وهي مدرسة محترمة، ولكن باعتبار أن الإخباريين يُقصون العقل، أو يقنّنونه إلى الحد الذي يجعلهم يذهبون بتلك الحالة من التقنين إلى إفقاد العقل القدرة على العطاء، فمما لا شك فيه أنهم أثّروا في مسار تلك المدرسة فكراً ومنهجاً.

كما أن مدرسة الحديث لدى العامة أسقطتهم في الكثير من المواطن التي لا يحسدون عليها، حتى بات يبرر للظالم فعله ولو كان مثل يزيد بن معاوية.

وحيث إن العقل لم يعطَ مساحة للحراك في المنقول، واعتماد الجمود منهجاً، فقد آلت الأمور بالأمة إلى ما آلت إليه.

2 ـ حفظ الخصوصيات لكلتا المدرستين: فلمدرسة المعقول خصائصها، وللمنقول كذلك، فيتعين علينا بعد الفصل بين الخصوصيات وتعيينها أن نحفظها.

3 ـ عدم نفي الموروث في المدرستين: باعتبار أن هذا منتج بشري، ويفترض أن يحترم ويقدر، صحيح أن البشر يتفاوتون فيما بينهم، ولكن بالنتيجة هو نتاج بشري، وينبغي أن نقف أمامه وقفة المتأمل، مع التحلي بروح الاحترام لأي نتاج كان، ومن أيٍّ صدر، سواء كان من رجال الدين أم من خارج هذه الدائرة. فالفكر ليس محصوراً في دائرة خاصة، كما أن العقل أفاضه الله تعالى على البشر عامة، خارج دائرة التصنيف الديني واللاديني. نعم، هنالك نتائج يترتب عليها بعض الأمور، وما نحن فيه أمر آخر.

مدرسة التصوف:

إن هذه المدارس الثلاث (العقلية، النقلية، النقلية ـ العقلية) استتبعتهم مدرسة أرادت لنفسها أن تختطَّ مساراً يصل إلى درجة القسيم، بمعنى أنه لا يخضع لهذا التقسيم، ولا لجزء أو قسم من أقسامه في منظومة واحدة، إنما يعيش كينونته منفرداً، ويبتعد بنتاجه بعيداً عن سائر المدارس التي أشرنا إليها. تلك هي مدرسة التصوف.

أيها الأحبة: إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن التصوف، هو ذلك الإنسان المنقطع عن جميع حيثيات الحياة، المنصرف لعالم الآخرة، الطاوي لجميع مراتب الدنيا. وهذه قراءة ناقصة فاقدة لجميع مقومات البقاء والصمود أمام النقض والإبرام.

فمدرسة التصوف هي مدرسة الذوق، فالإنسان يصل من خلال ترويض النفس وتصفيتها وتنقيتها إلى حالة من الكشف، بحيث يستنطق الكثير من القضايا وهو يطوي الكثير من مقدماتها، والسر في ذلك هو روح الشفافية التي يعيش في أكنافها. وهذه الحالة بمستطاع أيٍّ كان أن يعيشها، ولو لأيام يسيرة، وليجرب كلٌّ منا أن يبتعد عن بعض الأمور، ويدخل في رياضة روحية، ليصبح واحداً من الرموز التي نعرفها في مساحة الاتجاه الصوفي.

التصوف والعرفان:

وبمرور الزمن شكلت هذه المدرسة الصوفية أرضية خصبة ليترعرع في وسطها المسار العرفاني. ولعلماء الأمة في التعاطي مع العرفان مساران:

الأول: ربما يصل إلى درجة تكفير من يتعاطى العرفان.

الثاني: من يتعاطى العرفان بحذر شديد.

وهذا الاختلاف شكّل بمرور الزمن صراعاً بين الكثير من أتباع هذه المدرسة ومن يقف على النقيض منها. ولم يسلم من ذلك حتى الحوزات العلمية، بل حتى بعض المراجع من ذوي القيمة والرصيد المميز والمقام، لم يسلموا من فتاوى البعض بحيث وصلوا إلى درجة تكفير هؤلاء. فالسيد الإمام (رحمه الله) مثلاً لم يسلم من ذلك. 

قد يتصور البعض أن محاكم التفتيش مخصوصة في مساحات معينة من أوربا أيام حكم الكنيسة، لكنها منتشرة حتى في أوساطنا، بل رتبوا عليها الأثر تبعاً، بحيث وصلت النوبة إلى الأتباع والأبناء، وهو ما حدث مع السيد مصطفى الخميني (رحمه الله) نجل الإمام الخميني (رحمه الله) فكان إذا شرب الماء بقدح يعمدون إلى غسله، باعتباره كافراً بالتبعية!.

وكذلك ما جرى للشيخ الأوحد الأحسائي (رحمه الله تعالى) الذي أفتى البعض بكفره، لا لشيء إلا لأنه دخل عالم العرفان، وصار يعيش حالة من الكشف والملامسة لبعض الأسرار. فعلينا أن لا نستغرب ما يحدث هنا أو هناك في هذا الصدد، لأنه أمر طبيعي، لا بمعنى أنه مقبول وصحيح، فهو مرفوض بالمطلق، إلا أننا ألفناه واعتدناه عبر مسيرتنا التاريخية.

أيها الأحبة: إذا تسلطت الشخصنة على مورد من الموارد فارفع يدك عنه، ففي مثل هذه الحالة يغيب عنصر الورع، ومراقبة الله تعالى، والآداب العامة، والسلوك الأخلاقي، وضوابط الشريعة بشكل عام.

أساس التصوف:

فالتصوف مدرسة معروفة، يرى البعض أن واضع حجر الأساس لها هو الإمام علي (ع) وقد نعتوه بالمتصوف! بل ذهب بعض أرباب هذه المدرسة أن سبب هذه الحالة من الإشراق عند الصوفية أنهم يسيرون وفق نهج السلف الصالح، الذي يعنون به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

وعندما يطرقون باب النصوص التوحيدية في نهج البلاغة يرون أن هذه النصوص لا يمكن أن تطفح إلا من قلب أشرقت فيه أنوار الألوهية. ويتخذون من سلوكيات أمير المؤمنين (ع) وممارساته مناهج عمل. كما في قوله (ع): «لقَدْ رقَّعت مِدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائلٌ: ألا تنبذها عنك؟ فقلت: اعزب عني، فعند الصباح يمدح القوم السرى»([4]).

وكان يقول: «يا أهل الكوفة، إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي ورحلي وغلامي فلان فأنا خائن»([5]).

وهنالك جماعة أخرى رأوا أن الإمام علياً (ع) دخل الحروب، وقاتل، وهذا يعني أنه خارج دائرة التصوف. والمؤسس الحقيقي للتصوف عندهم هو الإمام زين العابدين (ع) الذي لم يُرَ إلا باكياً أو ساجداً، وكان يصوم النهار ويقوم الليل. ويستدلّون بمقاطع من الصحيفة السجادية على ما يذهبون إليه.

ومما لا شك فيه أن الظرف الذي عاشه الإمام زين العابدين (ع) لم يكن كما سُوِّق لنا بالمطلق، صحيح أن جزءاً منه يواكب الحقيقة، لكنه في جانب كبير منه معمّىً ومغيَّب، ولا زالت الكثير من صور الإشراق في حياة أئمتنا (ع) تُغيَّب عنا، ولو أنها وصلتنا لاستطعنا أن نُبحر بها إلى مسافات ونفتح بها عوالم من حولنا، ولكن يراد لنا أن نبقى محصورين في حدود دائرة معينة اسمها العاطفة والمحبة، في حين أنه ليس هناك من يزايد على محبة الآخر لأهل البيت (ع).

لقد كان الإمام زين العابدين (ع) يأتي إلى بيت الله الحرام ليلاً، وقد أسدل الليل ستاره، فيتعلق بالكعبة المشرفة، ويعيش حالة من الوجد، وكان بعض التابعين يراقب هذه الحالة، فيجد أن المظهر ينبئ عن رهبنة من نوع خاص. ونحن نعتقد أن كلام الأئمة (ع) هو كلام الوحي، إلا أنه بالوسائط البشرية، فقولهم قول النبي (ص) وهو لا ينطق عن الهوى.

فمثلاً كان يقول وهو متعلق بأستار الكعبة: «إلهي عُبيدُك بفِنائك». والتصغير في مثل هذا المقام يقتضي التعظيم وليس التصغير، لأن قمة العظمة أن يصل العبد إلى هذه المرحلة من العبودية لله تعالى.

ثم إنه لا يسأل الله تعالى الدنيا أو المال أو السلطنة أو ما شابه ذلك، إنما يسأله التوبة فيقول: «يسألك التوبة، والنزوع عن الحوبة، ومن النار فكاك رقبته، والعفو عما في ربقته».

تعريف التصوف:

أما عن معنى التصوف فقيل إنه مأخوذ من (الصفَّة) وهم جماعة من الفقراء كانوا يترددون على مسجد النبي (ص) حتى بُنيت لهم مِصْطبَّة في داخل المسجد ليناموا عليها، فلا يبرحون المسجد إلا في حوائجهم الخاصة.

وقيل: إنه من الصفو، لأنهم صفت قلوبهم مع الله تعالى في حالة الحضور، وهذا المقام لا يحصل إلا للخاصة الذين أجهدوا أنفسهم حتى وصلوا إلى ذلك المقام.

وقيل: بل من الصوف، وهو أكثر ما تلبسه هذه الجماعة.

أما في الاصطلاح، وما جاءت به كلمات الأعلام الباحثين في هذه المفردة، فقد قالوا فيه: إنه العلم الذي تعرف به أحوال تزكية النفس وتعمير الداخل من خلال حركة التطهير.

وبذلك نكون قد انتقلنا من الممارسة إلى العلم. وهو ما نشير إليه في الكثير من الأحيان فنقول: إن بعض الممارسات الطارئة على شعائرنا التي نتقبلها بقبول حسن في البداية، لا نستطيع بعد ردح من الزمن أن نتخلص منها، فنصطدم أنها أصبحت من المقدَّس، فلا نستطيع عندئذٍ أن نقدم أو نؤخر حيالها شيئاً.

وهكذا الحال في التصوف، إذ تحول من سلوك إلى علم، فهو في الأصل ممارسة ومحاكاة لأشخاص عرفوا بالانقطاع إلى الله تعالى، فأخذ مساحته في هذا الاتجاه.

وقال فيه جماعة: إنه استعمال كل خلق سويّ، وترك الخلق السيئ.

وليس التصوف مقصوراً على المسلمين فحسب، إنما عرفته الأمم قبل أن يصل إلى دائرة المسلمين، فرياضة (اليوغا) عند الهندوس في الهند مثلاً، هي عبارة عن ممارسة صوفية. وكذلك في المسيحية، إذ تمثل التصوف بالكهنوتية، وهي تعني التعمق في تعذيب النفس. وقد تسرب إليهم الاختراق على مستوى التطبيق، إذ تحدث بابا الفاتيكان قبل يومين عن الممارسات اللاأخلاقية داخل الوسط الكهنوتي، وهو أضيق الدوائر، وأعلى المقامات في مراتب المسيحية.

ولم تكن الحضارة الفارسية بعيدة عن هذا المسار، فظهرت فيها حركة (الدراويش) وغيرها، ولا زالت لها ممارساتها وطقوسها إلى اليوم، وإن أجهدت الدولة الإسلامية نفسها كثيراً للتخلص منهم.

جماعات الصوفية:

أما التصوف الإسلامي، فهو مبني على الأسس والقواعد التي لا تصطدم بالنص القرآني ولا تتعارض مع معطى السنة الشريفة الصادرة عن محمد وآل محمد (ص). وهي في دائرة تطبيق التكاليف الشرعية على جميع التصرفات، سواء اتصفت بالقول أم الفعل.

والصوفية في العالم اليوم عبارة تجمعات وكتل. فالبعض منهم وإن كانوا في الظاهر ينقطعون إلى الله، لكنهم يمارسون دوراً دنيوياً فاضحاً، بل بعض قيادات الدول، لا سيما في شمال أفريقيا وجنوبها لم تصل للحكم والسلطة إلا عن طريق مسار التصوف، لذلك حصل التبني للكثير من الجماعات الصوفية من خلال بيوتات الحكام والسلاطين.

فالدولة العثمانية كان منطلقها الأول من حضن التصوف، لذا لم يستطع الخلفاء من بني عثمان أن يتجاوزوا معطى هذه المدرسة، بل كان بمقدور المريد أن يعزل الخليفة، الذي لو تظاهرت الدنيا عليه شرقاً وغرباً لما تخلى عن كرسيه. فكانت لهم القدرة والسلطة، ولكن في النهاية تم تذويبهم وترويضهم، حتى ذهب كل شيء من أيديهم.

فمن جماعات الصوفية وأقسامهم:

1ـ الخلواتية: ولهؤلاء طرقهم ومراسمهم وخصوصياتهم، وهم يحيون الكثير من مناسبات المعصومين والأولياء والصالحين.

2 ـ النقشبندية: ولهم حضورهم القوي في الكثير من المساحات في العالم الإسلامي، وفي أوربا وأمريكا، حيث تعقد مجالسهم ومحافلهم الخاصة.

وقد تفرّع من هؤلاء أقطاب وأركان يدورون حولها، ويعتقدون أن لهم التأثير في جميع مكونات الكون.

فمن هؤلاء: السيد الرفاعي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والسيد البدوي، والسيد الدسوقي.

وهذه الجماعة، بالإضافة إلى الطريقة الشاذلية، يتحكّمون في مصير الكثير من الأتباع، الذين يُعدُّون بمئات الملايين.

ومن أتباع هذه المدرسة ابن الجنيد، وهو رمز من رموز مسار العرفان، وله آراؤه الفلسفية المركزة المعمقة.

يقول ابن الجنيد: كل الطرق مسدودة أمام الخلق، إلا على من اقتفى أثر الرسول. وهو كلام جميل جداً، ولكن الانحراف يبدأ عند التطبيق، ويتجه البحث باتجاه آخر.

إن الصوفيين من دائرة المسلمين، فهم يبنون مسيرهم على أركان وقواعد ومسارات يتعاطونها. ومن يطالع هذه المسارات والأركان يجد أنها في دائرة الدين والشريعة. وأبرزها:

1 ـ التمسك بكتاب الله: وهذا مطلب جميع المسلمين، صوفياً كان أو غير صوفي.

2 ـ الاقتداء بسنة رسول الله محمد (ص).

3 ـ أكل الحلال، والابتعاد عن الحرام أو المشتبه.

4 ـ كف الأذى: بأن يكف الإنسان أذى نفسه عن الغير.

5 ـ اجتناب الإثم: فلا كذب، ولا نميمة، ولا غيبة، ولا حسد، ولا غيرها من الآثام.

6 ـ التوبة: فعلى المرء أن لا يقنط من رحمة الله مهما بلغت به الذنوب، لكن ذلك ينبغي أن لا يكون مدعاة أن نؤسس لذنب جديد. فإن صدر الذنب في حالة من الضعف والشتات والإكراه، فالله تعالى توّاب رحيم ودود حنّان، لكن ليس معنى ذلك أن نؤسس لذنب جديد. لأنه إذا ما آلت الأمور إلى هذه المرحلة فإن الذنب سيكون أشد فظاعة.

إننا عندما ننظر إلى الجرائم التي يرتكبها خوارج العصر هذه الأيام، ندرك أنها لم تكن وليدة يوم وليلة، إنما هناك خارطة طويلة قطعوها من الممارسات العملية حتى وصلوا إلى هذه المرحلة.

ومن المفارقات العجيبة أن بعض وسائل الإعلام حتى هذه اللحظة تنعتهم بأتباع الدولة الإسلامية.

إن ما نراه اليوم ليس من عمل جماعات مشتتة متفرقة هنا وهناك، إنما هو مشروع عالمي، تسوسه المخابرات العالمية، واللوبي الصهيوني يحرك جميع أوراق اللعبة.

نسأل الله تعالى أن يجعل هذا البلد آمناً مستقراً، وأن يردّ كيد الأعداء أينما كانوا، وأن يحصّن بلاد المسلمين، ويحفظ المسلمين ويعيدهم إلى هويتهم المبنية على أساس الوعي والمحبة والسلام.   

أسأله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.