نص خطبة: الدفاع عن المقدسات بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1)

نص خطبة: الدفاع عن المقدسات بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1)

عدد الزوار: 737

2012-04-26

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفروع المعطلة في الكثير من مفاصل الأمة، ولو أن الأمة قامت بما يجب، فيما يتماشى وهذين الفرعين الأصيلين، لكان الوضع مختلفاً جداً عما هو عليه اليوم.

عندما يسأل أحد الأنبياء من الله سبحانه وتعالى: ما لي أدعو هؤلاء للإيمان ولا يستجيبون؟ كان جواب الباري تعالى: ﴿كَانُوْا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوْهُ ([3]).

يتصور البعض منا أن الدين هو الصلاة، لأنها لا تجعل الإنسان يدفع المزيد من الضرائب، حتى في حدها الأدنى، أو أنه الصوم، الذي لا يتطلب منا مزيد عناء، أو أنه الحج، الذي جرد من الكثير من جوهره، وتم التمسك بالقوالب الظاهرية منه، وهو أيضاً لا يجعلنا ندفع الكثير من الضرائب. لكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما قوام ما تقدم في النظم العبادي، وبهما أيضاً تتقوم المعاملة التي تجري بين الناس، صغرت أم كبرت.

في الحديث الشريف: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله عز وجل فمن نصرهما أعزهما الله، ومن خذلهما خذله الله»[4]. ومدلول هذا الحديث فيه الكثير من الثقل، لكنه على ثقله يحمل الموازنة.

فكلنا يعلم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، متى ما تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، أما إذا تخلى المؤمنون عن دورهم، فلا يضافون إلى الذات المطلقة ولا إلى سيد الأنبياء والرسل محمد (ص). لذلك جاء الحديث الشريف الآخر عنهم (ع) : «إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليأذنوا بوقاعٍ([5]) من الله تعالى»([6]). فعليهم أن ينتظروا واقعاً مبهماً مجهولاً، ولا ندري هل هو النقص في الثمرات والرزق؟ أو هو النقص في الأنفس؟ هل هي الحروب؟ هل هو الدمار الطبيعي؟ عليهم أن يأذنوا بمثل ذلك ويتوقعوه. ولو فتشت النصوص لما عثرت على ما يترتب عليه الأثر من التفريط في أدائه، كما هو الحال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن الطبيعي والطبيعي جداً أن الضريبة التي تدفع على نحوين:

1 ـ الجانب المادي بكل تشقيقاته، وقد نشير إلى طرف منه.

2 ـ الجانب المعنوي.

وبالعودة للحديث عن حوزة قم المقدسة نقول: إنها رفعت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ أيام التجديد الأولى التي أرسى دعائمها ووضع حجر أساسها، الشيخ عبد الكريم الحائري أستاذ الفقهاء والمجتهدين والمجاهدين. فكان العلماء في تلك الحاضرة لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يتخلفون عن القيام بالدور أمام من يكون، علماً منهم أن المترتب على ذلك كثير.

أيها الأحبة: نتعرض في حياتنا اليومية، سواء كنا أفراداً أم جماعات أم أمة بأسرها، للكثير من الخلل، ونقاط الضعف التي تنشأ بين الفينة والأخرى، وهي في اتّساع وتكثر، والسبب في ذلك هو أن هذه الدائرة والمنظومة من المسؤولية في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إما أنها معطلة أو ملغاة أو أن التعاطي معها على نحو النَّصَفية.

إن النبي محمداً (ص) هو أول من رفع لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى ترتب على ذلك فتح باب جديد، إلا وهو الدفاع، وهو أيضاً في مراحل ثلاث:

الأول: الدفاع عن دين الإسلام، وهو الشريعة الخاتمة للديانات.

الثاني: الدفاع عن المجتمع الذي يتشكل من أفراد، بما لهم من مكتسبات وموروثات.

الثالث: الدفاع عن الأفراد بما هم أفراد، بغض النظر عن الانتماء الاجتماعي أو الديني.   

والإمام الحسين (ع) يضرب أروع الأمثلة في هذا الجانب من حيث الذهاب إلى الحد الأقصى في الدفاع الناشئ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمتي جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر». فهذه هي الغاية، وليست حالة التمرد، أو طلب السلطان أو الزعامة أو الوجاهة أو الثراء، إنما أراد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يتفعل في وسط الأمة، وتدور عجلته من جديد بعد أن عطلت لفترة طويلة من الزمن.

إن التخلي عن الأمر بالمعروف في القضايا الصغيرة في حساباتنا، الكبيرة في حسابات السماء تدفعنا إلى التخلي عن القيام بهما في القضايا الكبرى.

والدفاع عن الدين الإسلامي الحنيف يمكن أن يُتصور بصور عدة، لها موضوعاتها.

ففي الزمن السابق إذا اقترب أحد من القرآن الكريم بسوء فإن الدنيا تقوم ولا تقعد، لأن الأمة تعيش قلباً نابضاً بالولاء للدين المقدس ومن جاء به، لأنه الصادق الأمين (ص)، أما اليوم فإن القرآن يُحرق في أكثر من مكان، بل وقد يُلقى في دورات المياه كما حصل في اللقيطة إسرائيل، ولكن مع ذلك لا يطرف لأحد جفن، فليس هناك مسلم يشعر (بالهوية) ولا هناك من يشعر بالإيمان والرسالية، ولا من يتسنّم مقاماً، ولا من يدّعي إمرة على الأمة، سواء كانت الإمرة وضعية، بأن أوصله البرلمان إلى موقع القرار، أو بسبب موروث أوصله إلى أعلى مقامات السلطة، أو لبس عباءة الدين وتربع على رؤوس الأمة. كل هؤلاء لا يطرف لهم جفن، وما عاد حديث حرق القرآن يستفزُّ مشاعر، ولا يحرك ضمائر، ولا يدفع نحو اتجاه ردة الفعل، والشواهد على ذلك كثيرة، خذها من الغرب الصليبي إلى مناطق متعددة، بل وحتى من المتأسلمين الذين يعيشون نمطية خاصة في الفكر كما حصل من بعض المعممين المتاجرين بعمائمهم من خلال الفضائيات المكشوفة الواضحة الرائحة والنكهة، ممن يقول: إن القرآن كغيره من الكتب الأدبية، وأنه لا يرقى إلى ما يكتنزه نهج البلاغة من أدبيات.

أية حالة من السقوط والشتات والانحدار والضياع؟ ثم لنسال اليوم، ولننتظر الإجابة بعد: ما هي الضريبة التي سوف تدفع؟ فالقرآن الذي يمنعنا الإسلام أن نمسه إلا على طهارة من الحدث الأكبر أو الأصغر، يكون بهذه الكيفية!.

ونسأل هنا أيضاً: كم هي المساحة التي يشغلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وجدان الأمة؟ أم أن الأمة أصبحت ممن تواكلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بينهم؟ إن كان هذا فليأذنوا بوِقاع من الله سبحانه وتعالى، لا يحسبون له حساباً، والأمثلة والشواهد ظاهرة وبينة.

والصورة الثانية بعد حرق القرآن الكريم، هي التعدي على مقام الرسول الأعظم محمد (ص) وفي هذا من الخطورة الكثير أيضاً، لأن أقدس مقدساتنا هي الثقلان، والرسول الأعظم (ص) على رأس الثقلين.

وقد سبق وأن حذرت قبل سنوات طويلة أن ما يساء به للنبي (ص) ممن لا يعتقدون ديانته ولا يتعبدون بشريعته إنما هو نتاجٌ لما يصدر من بعض المضافين للإسلام هويةً، ولو أن المسلمين حفظوا للنبي (ص) عظمته وقدسيته لما آلت الأمور إلى ما آلت إليه. فالغرب والاستشراق والماسونية العالمية تعرّفوا على شخصية النبي (ص) من إسلام مشلول، لم يقدَّم كما ينبغي أن يُقدَّم، نقياً صافياً مصفىً من كل كدر.

فإن كان من يدعي عنوان العلم والمعرفة يجيز لنفسه، من خلال فضاء مفتوح، أن ينعت النبي (ص) بأنه (بائع خمر)([7])، وهذا هو موروث اليهود والنصارى في عيسى (ع)، أو ينعته بأنه ممن يعاقرها، فما الذي حصل؟ كل ما حصل لا يتعدى اعتذاراً بسيطاً. ولو أنك اقتربت من مساحة صحابي لم ير النبي (ص) إلا مرة واحدة لاتهمتَ بالردة والضلال، ولأصبح دمك هدراً. والقادم سيكون أعظم، وسوف لن تسلم الذات المقدسة لله تعالى من المساس، لأن من يسقط حرمة القرآن يسقط حرمة الخالق، ومن لا يراعي قيداً أو شرطاً مع النبي (ص) فسوف لن يراعيه مع الله تعالى، والموروث المشوه يساعد على هذه القضية، فمن يعتقد أنه يرى الله تعالى كما يرى الشمس في رابعة النهار، ومن يدّعي أن الله تعالى ينزل على حمار أسود في ليلة ظلماء، وهو غلام أمرد، فليتوقع ما سوف يأتي.

لقد ناشدت الزهراء (ع) الأمة أن تفعل هذا الأمر، لا لنفسها لتعود فدك، والإمام أمير المؤمنين (ع): وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غدٍ جدث؟([8]). 

ويقول في مناسبة أخرى: اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسةً في سلطان، ولا التماس شي‏ء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم‏ من‏ دينك،‏ ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك([9]).

‏أما عن المرحلة الثانية، فهي الدفاع عن المجتمع الواحد في نسيجه، والذي بات معرضاً للخطر أيضاً، وقد ورد في الحديث الشريف: «نعمتان مكفورتان: الأمن والعافية»([10]). فالأمن الاجتماعي ضرورة إنسانية ودينية وأممية، والإخلال بالتوازن في وضع الأمن الاجتماعي معناه ضياع الأمة، لأنه لا أمة إلا من خلال مجتمعات تعيش النظم فيما بينها في دائرة الأمن والأمان.

وهذا الأمن تارةً يقرأ على صعيد حفظ النفس والأموال والأولاد للمجتمع، وهو البعد المادي الصرف، وتارةً يكون في بعده المعنوي، بأن يُحفظ للإنسان فكره وانتماؤه ومعتقده، أما إذا صودر هذا المثلث منه، فما الذي يستحق أن يبقى الإنسان من أجله في هذه الحياة؟ فإذا سُلخ من هويته الأدبية والفكرية والدينية فلا قيمة لحياته بعد ذلك.

إن الدفاع عن المجتمع الواحد يبدأ بالدفاع عن أفراده، فما يخص الفرد يخص الآخر وعلينا أن لا نقول: إن ذاك لا يعنيني، فإن حدث خطأ في شارعٍ ما، ثم لم تحصل ردة الفعل المصحِّحة، فتوقع عن قريب أنها ستكون في بيتك، وإذا حصل في دائرة عملي أنا ثم تجاوزتَ فتوقعه في دائرة عملك، وإذا حصل في مسجدك الذي تتردد عليه ثم لم تحدث تصحيحاً فانتظره في سائر المساجد، وهكذا الأمر دواليك.

هنالك قيم أدبية كبيرة في وسط الأمة هي عبارة عن الموروث الذي وصل إلينا عبر آباء شرفاء وأجداد أتقياء، أوصلوا لنا ذلك الموروث في أدب الحوار والمقابلة والمعاشرة، سواء مع الخاصة أم العامة، وهذا المكتسب ينبغي علينا أن نحافظ عليه، وأن نشد بقوة بين جميع أجزائه.

ثم إن هنالك مكتسبات عامة ينبغي أن نلتفت إليها وأن نحافظ عليها، ومن تلك المكتسبات: الطرق والحدائق العامة والمستشفيات والجامعات ثم سائر الدوائر التي تجسد هذا الواقع. بل ينبغي أن نحرص على تلك المكتسبات العامة أكثر من الحرص على بيوتنا، لأن البيوت إنما تنشأ من خلال الحفاظ على هذه المؤسسات العامة، ولعل من أبسط الشواهد التي أستطيع أن أسوقها في هذا المقام ما يقوم به بعض الشباب من تجاوز على تلك الممتلكات.

فمثلاً، عندما تسعى دائرة رسمية لتصحيح وضع في حديقة من الحدائق تجد أيادي العبث تمتد إليها، وهذا ليس ملكاً لشخص بذاته، فلا أمين البلدية له الملكية الخاصة، ولا العامل في البلدية له الملكية الخاصة، إنما هي ملكية عامة يشترك فيها الحاكم والمحكوم، فينبغي أن تكون هنالك مسؤولية، فعندما تأتي إلى حديقة مستصلحة يعمد الأبناء لقطع الأشجار فيها، أو اللعب في المربعات الخضراء، أو إسقاط أعمدة الإضاءة، أو التعدي على زجاج المدارس، أو الكتابة على الجدران، وأحياناً بألفاظ لا تصدر إلا من سقط المتاع بين أبناء المجتمع، فعلام يدل ذلك؟ هل يدل على رشد أمة، أو نضوج فكر، أو ارتقاء في التعاطي وتحمل المسؤوليات؟ أو هو فرع من التخلي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

بعضنا يتصور أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود أن يطلب الأب من ولده أن يصلي، ولكن أن يرى من يعبث بالممتلكات العامة فهذا لا يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن الحفاظ على الممتلكات العامة أحد مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه حفظ للمصلحة العامة، ومتى ما عاش المجتمع حالة من التكامل في منظومة المؤسسات العامة الخدمية استطاع أن يرشد ويكمل، والعكس صحيح أيضاً، أي أن الأمور ستكون سلبية وتحدث حالة من الضياع.

أما الدفاع عن النفس، فإني أرجئه إلى الأسبوع القادم لأهميته. ويحضرني الآن حادثة وقعت في قم المقدسة، أيام كنت فيها للتحصيل العلمي، والحادثة وقعت بين طفلين حدث بينهما شجار كالشجار العفوي الذي يقع بين الأطفال عادة ([11])، فمد أحد الطفلين يده إلى برعم من شجرة، وهو عادة ما يكون ليناً سهلاً، فكسره، فأجابه الطفل الآخر ـ الذي يبدو أنه تربى في أسرة تحترم نفسها، وتحترم المكتسبات العامة، وتعيش عمقاً دينياً يتعاطى مع المعصوم وأهل بيت العصمة على أساس من الوعي والحكمة والإيمان الحركي الذي يغذي مسيرة الإنسان ويأخذ به إلى درجات السمو والرفعة ـ قال: لماذا تعتدي على الشجرة؟ إنها ملك لصاحب الزمان (ع).

فلو لم يكن هذا الطفل قد تربى في البيت والمدرسة وجلسات الذكر، ولو لم يكن رجل الدين قد أخذ أثره فيه، فهل ينغرس هذا الأمر في ذهنية مثل هذا الطفل؟

تنبيهات:

في ليلة الأربعاء القادمة بحسب الظاهر ذكرى شهادة الزهراء بنت النبي محمد (ص) وسيكون المجلس بعد الصلاة.    

أما صلاة الفجر فستكون الساعة الرابعة اعتباراً من يوم غد.

كما أشير هنا إشارة بسيطة، أن بعض الأخوات المؤمنات لا يفترض أن يسألن في قضايا تخرج عن حدود دائرة الأسرة، حتى وإن كان المخاطب رجل دين، لأن أسرار الأسر ينبغي أن تكون بين الزوجين، ويفترض أن لا يطّلع عليها حتى الأب والأخ والعم والخال والأخت، وعندما تشرك طرفاً آخر في حل هذه القضايا فمعنى ذلك أنك أضعت الكثير من  أسباب الإصلاح.

والأمر الآخر، علينا أن لا نندفع في الكثير من القضايا، فحتى لو جاءك من تعرفه، وأخبرك أن حدثاً ما حصل بين فلان وأهله مثلاً، فلا تسمع من طرف واحد، كائناً من كان المتحدث معك، فلا أحد ينقل إليك قضية إلا ويجعلها في صالحه هو، لا في صالح الطرف الآخر. فاحتمال الحق في الطرف الثاني وارد. لذا فإنك عندما تريد أن تتخذ قراراً، أو أن تدخل في دائرة الإصلاح، فعليه أن يسمع من الطرفين، سواء كانا زوجاً وزوجة، أم اثنين اختلفا في ميراث، أو ما إلى ذلك من القضايا المتعددة في حياتنا.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.