نص خطبة: التلاحم بين أبناء الوطن يفشل مخططات أعداء الأمة
إطلالة تاريخية:
في الحديث الشريف عن النبي (ص): «أفضل العبادة انتظار الفرج»([2]).
بارك الله لنا ولكم ذكرى ميلاد منقذ البشرية الأعظم، الخلف الباقي من آل محمد (عج)، الذي ولد في سرّ من رأى سنة 255 هـ أو 256 هـ . والده الإمام الحسن العسكري (ع) الحادي العشر من كوكبة الإمامة النيرة من آل محمد (ع). أمه السيدة الجليلة نرجس، سليلة الأنبياء، عابدة عالمة زاهدة مجاهدة.
وفي هذه الوقفة أدعو الإخوة والأخوات والأحبة المؤمنين الملتزمين، أن يقتربوا من حياة أمهات الأئمة (ع) فإنها مصدر فيضٍ وعطاء كبير، وأخص بذلك الأخوات المؤمنات، من أمهات وأخوات وبنات فأقول: عليكن أن تقتربنَ من سيرة هذه الكوكبة من النساء اللواتي شرفهنّ الله أن يصبحن ظرفاً لأقدس الأنوار على وجه البسيطة، وهي أنوار محمد وآل محمد (ع).
إن الإمام المهدي (عج) مظهر للإعجاز في كل أدوار حياته، منذ التكوّن الأول، ثم عيشه حالة الغيبة التي نعيشها اليوم فيه غائباً قريباً، يعيشنا وإن لم نلتقه على نحو المكاشفة الواضحة، ولكن ثقوا ـ أيها الأحبة ـ أننا بمرأى ومسمع منه (عج) وأنه يكلؤنا بلطفه وعنايته ورعايته وحرصه على سلامتنا جميعاً.
المولود المعجزة:
وحال الإمام (عج) في التكون الأول كحال عيسى (ع) ومن قبله آدم (ع) فهناك عدم وضوح، ليس عند الخاص أو الموجِد، إنما هو الوضوح المطلق عند هذا وذاك، لكن الشخوص والتجسد الخارجي فرض وضعه عند اللحظة الأولى التي أراد الله سبحانه وتعالى لهذه الروح وتلك، وما هو أشرف منهما، وهي روح الخلف الباقي من آل محمد (عج). فلا وجه لمن يستشكل فيقول: فمثل هذا ابتعد عن منطق السماء الذي يختصرها في حرفين (كن) فيكون. ومن يعيش القرآن عمقاً، ويقترب من المطلق في وحيه، فإنه يعيش هذه الحقيقة ويسلم بها، ومن يتوقف يعيش حالة من الشك والارتياب، وأسأل الله تعالى أن يهيئ له الأسباب كي يصل إلى ما وصل إليه من أراد الحق فأصابه.
أما مسألة النمو، فهنالك الكثير من النصوص التي تطرق أسماعنا، بأنه كان ينمو في اليوم كما ينمو غيره في أسبوع، وفي رواية في شهر. وربما يستغرب البعض من معطى هذا النص عندما يقرع سمعه، وكأن سمعه أُوصد أمام حقائق كثيرة، منها التشكل الوجودي لحقيقة النور الفاطمي لفاطمة بنت النبي محمد (ص). فالزهراء (ع) كانت تنمو في اليوم كما ينمو غيرها في أسبوع، فلا غرابة في ذلك، لأن الموجد والخالق والصانع والمبدع هو الله سبحانه وتعالى الذي لا يمتنع عليه شيء.
أما كلامه في المهد، أو جريان الكتاب على لسانه (عج) فكلنا يعرف أنه ما من إمام من الأئمة (ع) بزغ نوره الأول، إلا وأشار بسبابته إلى السماء بعد أن يرفع رأسه من السجود، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وقد قال عيسى (ع) قبل ذلك وهو في المهد: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً﴾([3]). فعجباً لمن يؤمن بها هنا، ويتوقف فيها هناك! ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُوْنَ﴾([4]).
وفي الروايات أيضاً أن الإمام السابع من كوكبة الأئمة (ع) موسى بن جعفر الكاظم (ع) جاءت فيه نصوص كثيرة أنه تكلم في المهد في مواطن عدة، ولو كان الأمر في موطن أو موطنين، لما تكاثرت الروايات في ذلك لتثبت تلك الحقيقة.
نوادر معجزاته:
أما صلاته على أبيه، فقد كان الجميع يتوقع أن من يصلي عليه هو عمه جعفر، وما إن وضعت جنازة الإمام العسكري (ع) وتقدم إليها عمه، واصطف الناس خلفه، وإذا بغلام رباعي أو خماسي ـ كما في الرواية في سنة ولادته ـ يتقدم نحو عمه، ثم يجذبه من ردائه وهو يقول: «تنحَّ يا عم، أنا أحق بالصلاة على أبي»([5]). وكان هذا بمرأى ومسمع من الجميع.
وصلى الخلف الباقي المنتظر (عج) على جسد والده الإمام الشهيد المقتول ظلماً.
أما الإخبار بالمغيَّبات فهي واحدة من أهم القضايا التي يستدل بها على عصمة المعصوم (ع) لا سيما في تلك الفترات الزمنية، ونجد هذه القضية تتكرر، ابتداءً من زمن النبي (ص) وحتى آخر إمام من تلك الكوكبة. وإن كانت المعجزة الكبرى للنبي (ص) هي القرآن الكريم، إلا أن الناس يتفاوتون في مدركاتهم، فمنهم من يقبل، ومنهم من يطلب من النبي (ص) دليلاً حسياً يعيشه، كأن تخضرّ الشجرة بعد يبسها، أو تجري المياه في الوادي ولا غمام في السماء، أو غير ذلك من المعجزات الحسية.
أما الإمام المهدي (عج) فإنه ما إن قضى صلاته على أبيه حتى استوقفه أحد أتباع الإمام العسكري (ع) فقال: يا غلام، إن بيني وبين الإمام أمراً، فهلا أطلعتني عليه؟ قال: بلى، ادفع لنا الهميان الذي معك. فقال: سيدي، وما في الهميان؟ قال: دراهم. قال: وما عددها؟ فأجابه بعددها بلا زيادة ولا نقيصة. فانكبّ على يدي الإمام مقراً له بالإمامة.
غيبته:
وأما آخر لحظة رؤي فيها الإمام رؤية عين، أمام عيون السلطة العباسية فهي حين خروجه من السرداب، وليس دخوله فيه، وهي واحدة من التحريفات التاريخية، والمواطن التي مستها يد التحريف من كتّاب التاريخ الذين باعوا ضمائرهم وساقوا أقلامهم من أجل ثمن بخس دراهم معدودة. فالإمام كان في سرداب، والسرداب في العراق من الأمور الطبيعية جداً، إذ يلجأ إليها الناس عند اشتداد الحر، ولم يكن حال بيت الإمام بدعاً من أحوال البيوت التي حوله.
لقد كان في سرداب بيته، فوصل الخبر إلى بيت الحاكم العباسي آنذاك، وهو المعتمد، وكانت السلطة العباسية متتبعةً لولادة الإمام (عج)، وقد سجنت من أجل ذلك الكثير من النساء في سرّ من رأى، من أتباع مدرسة أهل البيت (ع) وأجبرتهن على الإجهاض، عندما استظهرت حالة الحمل عندهن.
هكذا كان الحال في التتبع والبحث عن الإمام (ع)، وقد خرج في مثل هذه الظروف من السرداب، وكانت الشرطة تحيط به، فلم يروه.
وربما يقول قائل: هذا من الغلو، ثم يستبيح دماءنا على أساس ذلك، فقد جاء أحدهم ذات مرة لأحد علماء المذاهب الأخرى، فسأله: إني نذرت نذراً أن أدفع مبلغاً من المال لأسفه الناس. فقال له: دونك الشيعة! قال: ولم ذلك؟ قال: لأنهم يعتقدون بإمام في سرداب، فيدفنون المال في الأرض كي يأتي فيستخرج ذلك المال، فهم أسفه الناس.
نعم، الأمر ليس كما يدّعون بأنه دخل السرداب، إنما العكس هو الصحيح، فقد خرج من بين أيديهم كما خرج رسول الله محمد (ص) في ليلة الهجرة، عندما ابتدرت أربعون قبيلة من جزيرة العرب، وقدمت كل قبيلة رجلاً شديداً من أبنائها، فأحاطوا ببيت النبي (ص) وشهروا سيوفهم، وحملوا أسلحتهم، وعلي ينام على فراش رسول الله (ص) وقد مدّ بردة النبي (ص) على وجهه وكأن شيئاً لم يكن.
في تلك الأجواء خرج النبي (ص) وفي يده قبضة من تراب، فألقاها عليهم وهو يقول: شاهت الوجوه. فلم يره أحد منهم، وخرج من بينهم إلى الغار، وحدث ما حدث من النصر، حيث وصل إلى المدينة سالماً، وكانت تلك ليلة عظيمة، يقول فيها النبي (ص): نفس علي (ع) ليلة المبيت يعدل عمل الثقلين.
فلا غرابة إذن أن يخرج الإمام المهدي (عج) من بين أولئك الشرطة الذين حاصروا البيت فلم يشعروا بخروجه.
الاستعداد للظهور:
أما نحن والإمام المهدي (عج) في غيبته فهو ينتظرنا أن نتعرفه معرفة حقيقية بعيدة عن المزايدات، معرفة نستقيها من مصادرها الصحيحة التي أجهد العلماء الأبرار أنفسهم في تنقيح مصادرها وبيان مداليلها، وهي كثيرة.
ولكن من المعيب علينا ـ أيها الأحبة ـ ونحن ننتمي إلى الإمام المهدي (عج) ونعتقد بإمامته المفروضة علينا في هذا الزمن، أن لا نمتلك في بيوتنا كتاباً واحداً يعطينا مداليل تلك الحياة، ويكشف لنا عن مكامن القوة في ذات الإمام الخلف الباقي من آل محمد (عج).
كم منا من قرأ؟ وكم منا من تدبر وأراد أن يجسد؟ كي نقول بعدها: عجل الله لك الفرج. فعجلة الفرج تنسجم مع الاستعداد، ولا استعداد إلا بمعرفة.
فالمعرفة مهمة، وهي أولاً، ثم يليها الانتظار، وللانتظار آليات، منها:
1 ـ الاستعداد الديني: بأن نأتي بالتكاليف وفق الضوابط الشرعية التي يبينها لنا حصون الأمة في زمن الغيبة، وهم العلماء الأعلام البررة الأتقياء.
2 ـ الاستعداد الفكري: فكلنا يعلم أن هناك صراعاً فكرياً يلفُّ الساحة اليوم في أكثر من موطن وموطن. فماذا أعددنا لتلك التيارات الزاحفة من أكثر من مكان ومكان؟ ولعل من أوضح الأمور ما بتنا نتلمس خطره اليوم، وربما نعيش الكثير من أخطاره ما لم تشملنا العناية الإلهية واللطف المهدوي، واليقظة من الجهات المختصة، والمتابعة من الأحبة الذين يعيشون على هذه الأرض الطيبة.
فهنالك إذن صراع فكري علينا أن نتسلح له بما أوتينا من قوة، وما نستطيع أن نصل إليه من حالة الاستعداد.
3 ـ الاستعداد الروحي: وهذا ما لا أدعو الجميع فيه أن يتهيأوا، لأن شاهد الحال يثبت ذلك، فقد أراد البغاة المارقون عن الدين والوطنية أن يفرغوا المساجد والمحافل من أهلها، وأبى أهلها إلا أن يوقّعوا في كل موطن وموطن أنهم أهل الساحة.
ولولا أن هذه الروح تتحرك في وجداننا، وتسيّرنا، وتربطنا بالمبدأ، لما تحقق هذا، ولتحقق لتلك الفرقة المارقة ما أرادت، ولكن هيهات، وسوف تبقى هذه المساجد والحسينيات والمحافل والمنتديات روافد تؤمّن للوطن والمعتقد، ولأبناء هذا البلد الطيب بأهله، القوة والقدرة على الثبات والاستمرار والتضحية، ثم الشهادة، وهي وسام ما منا وليدٌ إلا وهو يتشرف به، اقتداءً بمحمد وآل محمد (ع).
دور الحجة في حياة الأمة:
ورب سائل يسأل: ما هو عطاء المهدي (عج) في غيبة طالت علينا حتى أتعب فيها الكثير، وربما دخل البعض في حالة من اليأس والعياذ بالله؟
نقول: أما المرحلة الأولى فعطاؤه يبدأ مع الغيبة الصغرى، ففي تلك الغيبة كان هناك دور كبير للمعصوم، بواسطةٍ غير معصومة، وقد أحدثت نقلة صعبة التجاوز، ولو لم يكن أتباع مدرسة أهل البيت (ع) على درجة عالية من الوعي والمعرفة واليقظة والتنبّه لما يجري من حولهم، لذهبت السفينة إلى مسافات بعيدة، وإن كان معتقدنا أن للبيت رباً يحميه. كيف لا؟ والخلف المهدي (عج) كان آنذاك ـ ولا زال حتى يومنا هذا ـ يقود السفينة حيث أرادت لها السماء أن ترسو وتصل موقفها الأخير.
كان هذا في زمن الغيبة الصغرى، حيث النواب الأربعة، ولا أريد أن أسترسل في هذا كثيراً.
وأما المرحلة الثانية: فهي الغيبة الكبرى، حيث التحول الكبير والنجاح الأكبر الذي تمثل بالمرجعيات التي وضعت حجر الأساس لمسار الغيبة الكبرى الطويل، فقد بدأت الغيبة الكبرى، ولكن لا أحد يعرف ذلك، فالأمر ليس بيد أحد من البشر، حتى الخلف الباقي من آل محمد (عج) إنما هو بيد الله سبحانه وتعالى. فربما نتفاجأ بالمهدي (عج) في أوساطنا بين عشية وضحاها، وربما نغادر هذا العالم الذي نعيش فيه، وتأتي بعدنا أجيال وأجيال ولا يحصل الإذن بالظهور، لأن المخطط السماوي لا تدركه عقول البشر البسطاء، لأنها مهما أوتيت من الآليات والإمكانيات والقدرات، تبقى محدودة في معرفتها وتشخيصها، وليس لنا إلا أن نسلّم بشيء واحد، هو أن قضية الإمام المهدي (عج) قضية حتمية قطعية أمرها بيد الله سبحانه، كما نص على ذلك كتابه المنزل، وهي البشارة الكبرى، وما جاء من نصوص صحيحة صريحة تقارب الألف نص عن محمد وآل محمد (ع) ناهيك عما ورد عن غيرهم.
مبشرات الفرج:
أيها الأحبة: ما يجري هذه الأيام إنما هو من المبشرات، ولسنا ممن يعيش قنوطاً أو خوفاً، أو ينكفئ في مواقفه، فكما كنا سنبقى، وسنزرع هذا في وجدان أبنائنا وبناتنا لأنها الأمانة الكبرى.
فمن مبشرات الفرج للخلف الباقي من آل محمد (عج) أن الناس يأتي عليهم زمان يعيشون فيه الهرج والمرج، ولا يبقى من الدين إلا اسمه، ولا يتاجر إلا ببضاعة الدين، وهذه كلها اليوم باتت واضحة بينة، وإلا ماذا يعني أن نرى أناساً آمنين في مساجدهم، يسجدون ويركعون لربهم، يضمخون بدمائهم؟ فعلى أي مبنىً وأساس يحصل ذلك؟ أي آية أو رواية ترشد لذلك؟ وأي عالم يتحلى بالتقوى والأمانة والورع والإيمان، بل والإسلام على أقل التقادير، يجيز ذلك لأشخاص، كانت سيرتهم أنتن من النتن، وإن أطالوا لحاهم، وأطالوا ركوعهم وسجودهم، فهم القذر، بل هم أقذر.
لا يحسبن أحدٌ أن هؤلاء نتاج ساعة أو يوم، إنما هم مشروع خبيث تديره مخابرات عالمية في أكثر من اتجاه واتجاه، لذلك استطار شرهم، فلم يسلم منهم كبير ولا صغير، ولم يخلُ من عبثهم مكان مقدس أو غير مقدس، ولا مسلم أو غير مسلم، فالجميع يقتل بأيديهم، لأنهم يعادون الإنسان بما هو إنسان، بل الأكثر من ذلك أنهم نصبوا عداءهم لله تعالى، وهو القادر المنتقم منهم إن شاء الله.
وثقتنا كبيرة بالمسؤولين أنهم سوف يتعقبونهم، ويقطعون دابرهم، ويضعون لهم حداً. وما هذه الحالة التي نعيشها إلا حالة استثناء سوف نتجاوزها، ونعيش كما كنا في السابق، نذهب في آخر الليل حيث نشاء، ونعود متى ما شئنا، فالمرأة تخرج بلا حرج عليها. هذا الذي ننتظره، والواقع الذي لن نتنازل عن أدنى مراتبه، ولنا في الخلف المهدي (عج) ثقة كبرى وعظيمة أنه سيقدم المدد والعون للأمة ولن يتخلى عنها طرفة عين أبداً.
متطلبات الظرف الراهن:
ولدينا هنا وقفة سريعة، هي عبارة عن مطالب ورغبات:
1 ـ سؤالنا الأول: أين دور الحوزة العلمية في هذه المجريات على الساحة اليوم؟ لماذا ازداد دورها غياباً؟ فلماذا لا نرى موكباً يسجل حضوراً في مراسم التشييع والعزاء؟ ولماذا لا نرى بياناً واضحاً صريحاً يلملم الشمل، ويبلسم الجراح ويوزع الرسائل في أكثر من اتجاه واتجاه؟
من حقنا أن نسأل مثل هذا السؤال، ومن حقنا أيضاً أن نعاتب، وإن كان البعض لا يرضيه ذلك.
أيها الأحبة، في العام الماضي من شهر شعبان، خاطبت المرجعية قائلاً: ما الذي تنتظرون بنا؟ هل تنتظرون أن نذبح كالخراف؟ وها نحن اليوم نذبح في شهر شعبان كالخراف.
إلى متى يستمر بوق الفتنة في قناة فدك وقناة أهل البيت (ع)؟ ولماذا تبخل علينا مرجعياتنا بفتوى بحرمة النظر والمشاهدة والمتابعة لهاتين القناتين؟ كما نطالب أيضاً وبنفس القدر ملاحظة هذا الأمر في قنوات الفتنة الأخرى كوصال وغيرها، ولكن بقدر ما نطالب هنا نطالب أيضاً أن تغلق تلك الأبواق.
2 ـ سؤالنا الثاني: أما آن الأوان أن يرى (المجلس الشيعي الأعلى) النور ليأخذ بزمام المبادرة بعد غياب الحوزة وتخليها عن القيام بدورها؟ فنحن نعيش في ثلاث مناطق أو أربعة فيها تركُّز شيعي واضح: الأحساء، وهي صاحبة الكثافة الكبرى، ثم القطيف، ثم المدينة المنورة، والدمام. أما آن الأوان أن يتشكل مجلس على غرار ما شكله الإمام الشهيد الحي آية الله المجاهد السيد موسى الصدر الذي أعطى الأمة دورها؟
إننا لا نبحث عن تشكيل سياسي، ولسنا في هذا الصدد، ولكن هناك قضايا كثيرة، نحن في مسيس الحاجة لطي ملفاتها، وأن يُنهى أمرها. إلى متى نعيش هذا الوضع؟ فنحن لا نعرف لمن نلتجئ؟ ومن نخاطب؟
مساجدنا وحسينياتنا لا تُصدِّر إلا الحب والسلام والأخوة ومناهضة العدوان والظلم، فمتى وجدتم مسجداً من مساجدنا يفرّخ العدوان حتى تُقطع الكهرباء عن بعضها؟ ومتى شكلت حسينياتنا بؤرة للفتنة والقتل اللامحسوب أو المقيد، كي لا نحظى بترخيص لنا في حسينية؟ والأمور كثيرة.
قد يتصور البعض أن الإشكالية في حدود إخفاقة هنا لجهة أمنية مثلاً، لكن الملفات كثيرة، والمقام لا يسمح.
إننا أبناء هذا الوطن، وأقسم بالله ثلاثاً أن أرواحنا فداء لتراب هذا الوطن، ولن نبخل عليه بقطرة دم، ولكن بالمقابل نقول للجهات المسؤولة، والعليا منها: لقد حان الوقت أن تشمل الخيمة الجميع، وأن يشعر المواطن بمواطنته بجميع جوانبها، فهناك من يعبث بالدوائر من المسؤولين الصغار، ويشوهون السمعة للطبقة العليا من القيادة، فلم لا يحاسبون؟
لقد طالبت بتشكيل هذا المجلس قبل ست سنوات، في اجتماع لكثير من الفضلاء، لكنها إلى اليوم لم تجد مساحتها.
فمن هذا المجلس ينطلق الوعي، كما حصل في القدوة التي أشرت إليها. وكذلك النهوض بالمصالح العامة للناس.
وهنا أشير إلى أمر مهم فأقول: نحن مع كل إنسان شريف يسعى من أجل الخدمة العامة ويذيب نفسه من أجلها، وضد أي إنسان يسعى أن يذوّب القضية العامة لصالحه الشخصي كائناً من كان.
من حقنا ـ أيها الأحبة ـ أن نقول لأولئك الذين يعزفون على الجراح في أكثر من مكان ومكان، ولا يرفعون أصواتهم إلا للتسقيط، للجنة تقوم بدورٍ هنا، أو أخرى تقوم بدورها هناك: كفى عبثاً، وكفى شرباً لدمائنا، وتقزيماً لرجالاتنا الذين نذروا أنفسهم من أجل الخدمة العامة.
3 ـ لماذا تراجَعَ دَور أصحاب النفوذ من أتباع هذه المدرسة؟ ولصالح من؟ ومن يقف وراء هذه العملية من التغييب؟
يا وجهاء المجتمع: لا بد أن تمارسوا دوركم، ففي رقابكم عهدة لا بد أن تنهضوا بها، وعليكم أن تديروا ظهوركم لكلام الناس عنكم، وأن تتجهوا حيث تتجه البوصلة منذ يومها الأول، فإن تقدمتم من أجل مجتمعكم فلا يضركم كلمة صدرت من هنا، أو رسالة أرسلت من هناك، فأنتم تتجهون باتجاه مسارين: الرغبة في رضوان الله عز وجل والقبول، والنهوض بالمجتمع لحالة أفضل مما هو عليه.
4 ـ علينا أن نكون يقظين، فهنالك الكثير من العناوين المستجدة تُرفع، ويوقَّع بها بعض الرسائل والبيانات في وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك في مجالس العزاء باتت ترفع بعض الرايات الموقع عليها ببعض الأسماء، فعلينا أن نلتفت لمن يرفعها، ومن هو الذي يقف وراءها؟ وما هو الهدف منها أساساً؟ ثم لماذا ترفع في مثل هذه الأوقات الحرجة؟
كيف نواجه المستجدات؟
إن شعارنا واحد لا نزايد عليه، ولا نقبل سواه وهو: محمد وآل محمد (ع).
أيها الأحبة: هنالك العديد من الأمور التي يجب أن نقوم بها ومنها:
1 ـ أن تقام دورات للتمرّن على كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يحتمل أنهم يسعون من أجل تفجير هنا أو هناك، فهذه لا تحدث بشكل عشوائي. ولنكن صريحين مع الجهات الرسمية فنقول: عليهم أن يفتحوا دورات لتوعية شبابنا بشيء من المعارف التي تعلموها، وأنفقت الدولة عليهم الكثير فيها، وأخذوا بأسبابها كثيراً. فينبغي أن يعيش شبابنا جزءاً من تلك الثقافة لكي يحسن التعامل مع تلك القضايا. ورحم الله الشهداء الذين أزهقت أرواحهم في أيام المهدي (عج) وهي أقدس الأيام وأشرفها، ولكن لو كانت لديهم الخبرة والكفاءة في التعامل مع الإرهابي لكانت الخسائر أقل.
لذا نسألهم، ونلتمسهم، ونرجو منهم، أن يستثمروا هؤلاء الشباب الذين نراهم في الطرقات، يحملون أرواحهم على أكفهم، فلو حصل اختراق ـ لا سمح الله ـ فإنهم لا يمتلكون القدرة الكافية والحرفة في التعامل مع الحدث.
2 ـ الحاجة الماسة لإقامة دورات في الإسعافات الأولية، فالبعض يذهب شهيداً بسبب نزيف لم يوضع له حد، لغياب الخبرة لدى المجتمع في الإسعاف الأولي. وهناك من كان لديه كسر بسيط، لكنه بالحمل السريع أو غير الصحيح، تحول إلى كسر مضاعف. فينبغي أن تكون دورات الإسعافات الأولية قائمة، لأننا لا ينبغي أن نثق بعدونا في لحظة صمت سببها الضعف، فهم يتربصون بنا الدوائر.
3 ـ الحاجة إلى دورات في الدفاع المدني، للتعامل مع الحرائق، وقد لاحظتم ماذا جرى، والخسائر التي حصلت. وهذه أمور مدنية تعزز حالة الأمن والسلامة لدى الناس.
العيون الساهرة:
إن هناك الكثير ممن يستحقون الشكر والثناء في هذه المرحلة، وفي مقدمتهم الجهات الرسمية، ومن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، فالجهات الأمنية لا يمكن الاستغناء عنها لحظة واحدة، لأنها مكمن القوة الأول بعد الله سبحانه وتعالى في حفظ الأمن والأمان، وهم يتحركون وفق مخططات علمية، أما نحن فتدفعنا حالة من الشعور بالمسؤولية والمحبة والخوف والحذر وما إلى ذلك، وفرق بين هذا وذاك.
لا تسمعوا لبعض المغردين المشبوهين، أو المندفعين اللامحسوبين، فثقتنا كبيرة جداً، وستبقى كبيرة بالجهات الرسمية.
والجهة الثانية التي تستحق الشكر والثناء هم بعض الأشخاص، فالكثير منا يجهل ما يقوم به هؤلاء من نشاط وجهد متواصل ليلاً ونهاراً، فنحن ننام وهم يعطون الكثير من وقتهم، وفي هذه المرحلة يشكلون عامل الربط بين الجهات الرسمية والمواقع العامة، من المساجد والحسينيات وغيرها. وقد وجدت لزاماً عليّ أن أذكر هؤلاء بأسمائهم، لأنني مطلع على دقائق الأمور وما الذي يجري، ونسأل الله تعالى أن يدفع السوء والبلاء عنهم، وهم:
1 ـ الحاج الأستاذ يوسف طريفي.
2 ـ الحاج الأستاذ حجي نجيدي.
3 ـ الأستاذ الحاج شاكر العليو.
4 ـ الأستاذ الحاج سلمان بو إدريس.
فهؤلاء الأربعة يصلون ليلهم بنهارهم من أجلنا.
ولنأخذ عينةً من هؤلاء، وهو الأخ الحاج يوسف، الذي يقف الآن تحت أشعة الشمس، فقد كان بمقدوره أن يجلس في مكان ناعم هادئ مكيف، فما الذي جاء به ليقف تحت هذه الشمس المحرقة؟ إنه الحرص علينا أيها الأحبة. وهكذا الإخوة الثلاثة الآخرون الذين ذكرتهم، ونسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان أعمالهم، وأن يحفظهم ويدفع السوء والبلاء عنهم، وأن ينفع بهم.
والجهة الثالثة التي تستحق الشكر هم الكادر الخدمي في جامع الإمام الحسين (ع) هؤلاء الذين نفخر بهم ونعتز، والذين أضع كل واحد منهم تاجاً على رأسي، فكلمات الشكر لا توفيهم، وأقول لهم: لكم مني كل الشكر، وحفظ الله وجودكم، وحفظ المؤمنين معكم.
أما الأخوات المؤمنات الفاطميات الزينبيات فأقول لهن: والله بكنّ اكتملت الصورة، وتم توقيع الرسالة التي راهن المفلسون على أن يمحوها. فهؤلاء النسوة تعلمن من مأدبة فاطمة وزينب (عليهما السلام)، وهن أعرف بالواجب والتكليف الذي ينهضن به.
رحم الله شهداءنا، ودفع البلاء عن هذه البلاد الطيبة، وحماها من كل سوء ومكروه، وكذلك سائر البلاد الإسلامية. ونسأل الله تعالى أن يمن على الشهداء أن يكونوا رفقاء لمحمد وآل محمد (عليهم السلام) وللجرحى بالشفاء العاجل، ولقلوب آبائهم وأمهاتهم وذويهم، أن يمسح عليها الإمام المهدي (عج) بيده الرحيمة، وأن يشملها اللطف الإلهي.
الشكر للمؤمنين الذين قاموا بتسيير الأمور في التشييع الثلاثي، شهداء الدالوة، وشهداء القديح، وشهداء الدمام، رضوان الله عليهم جميعاً، فهذه اللجان لا تقبض ريالاً واحداً لتقوم بواجب، فلماذا يُشكَّكُ في نواياهم المغرضون؟.
نقول لهؤلاء: أيها الأحبة، أنتم شهداء أحياء تمشون على الأرض، لأنكم نذرتم أنفسهم للوقوف في الموقف الذي هو أشد خطراً، وأقرب للاستهداف، فعليكم أن لا تسمعوا لصوت نشاز هنا أو هناك، وعليكم أن تصانعوا وجهاً واحداً يكفيكم سائر الوجوه، فأنتم في غنى عن المديح، فكيف لا تكونون في غنى عن هؤلاء؟
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.