نص خطبة :البُعد الرياضي بين تأسيسات عهد الرسالة والواقع المعاصر
قال تعالى: ﴿الَّذِيْنَ يُبَلِّغُوْنَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدَاً إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيْبَاً﴾([2]).
وقال عز من قائل: ﴿الَّذِيْنَ يَكْتُمُوْنَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلْنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُوْنَ﴾([3]).
وفي الحديث عن النبي المصطفى (ص): «أيما رجلٍ آتاه الله علماً فكتمه وهو يعلمه، لقي الله يوم القيامة ملجماً بلجام من نار»([4]).
وعنه (ص) أنه قال: «إذا ظهرت البدع في أمتي فليُظهِر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله»([5]).
العقل نعمة إلهية:
يُعدُّ العقل من أكبر النعم على الإنسان على وجه الأرض، فبالعقل يشق طريقه صوب الذات المطلقة، وبه يهتدي طريقه صوب العسل المصفى، وبه ينتحي عن دائرة الظلام والضلال إلى دائرة الهدى. ولم يرسل الله تعالى نبياً ولا رسولاً ولا ولياً ولا وصياً إلا جعل العقل أمامه، فمن الحريِّ بمن يدَّعي الانتماء لدينٍ أن يقتدي برسول الديانة التي ينتمي إليها، ويجعل من العقل دليلاً.
وقد اقتربت من العقل مدارسُ عدة، وكلٌّ منها أعطته تعريفاً بما يتماشى وروح مدرسته. فهو عند الحداثيين والعقلانيين المتنورين بالمفهوم الغربي عبارة عن الآلة التي توصل إلى الأحكام العامة والخاصة. وعلى هذا التعريف مأخذ خطير، ربما غاب عن ذهنية أولئك الذين يتحركون باتجاه التنوير والحداثة، وقد يركبون أحياناً سفينة العلمنة. وخلاصة المأخذ أنه يكتنز بين جنباته شحنة قوية من شحنات السلب، وهي ملازمة له، مما يستوجب كل الأسباب المؤثرة إلا ما عيّنه العقل وأدركة. والخطورة تكمن في أن هذا العقل قد ينتهي بالإنسان المدعي له على أساس هذا التعريف إلى رفع اليد عن كل ما لا يدركه العقل، ومن لوازمه إنكار الرسالة، ثم إنكار الذات الواجبة الوجود. وهذا مما ينبغي أن يلتفت إليه شباب اليوم الذين يسيرون نحو ركب الحداثة، وعليهم أن يعطوا لهذا الجانب أهمية كبرى، وذلك لا يلغي ما يمكن أن يسيروا وفقه من معطيات المدارس الحديثة في تطوير الجانب الفني والأدبي وغيرهما من المساحات.
ولا إشكال أن للعقل علاقة وثيقة بالدين، بل لا حساب ولا ثواب ولا عقاب إلا بناءً على أن العقل له حضوره، لذلك رُفع القلم عن ثلاثة، ومنهم المجنون حتى يفيق. فالعقل قيمة سامية نُثاب ونعاقب على أساسها.
وفي الشريعة الإسلامية المقدسة مجموعة من المسلَّمات والضروريات والبديهيات التي يدركها المرء لأقرب وأدنى التفاتة، وفيها كذلك مجموعة من الأحكام قد تستعصي على الكثيرين، ما لم يكن للعقل نصيب، بحيث يؤخذ به إلى دائرة على أساس منها يمكن أن يتحرك في فضاءات الأدلة ليخلص إلى النتائج. فالفقيه في فقاهته والحكيم في تأصيله والفيلسوف في بابه، والسياسي فيما يعنيه من شأنه، وهكذا دواليك في شؤون الحياة كلها.
وهناك نسبة بين العقل والدين، ينبغي أن يلتفت إليها المرء، والنسبة بينهما ــ كما يقول المناطقة ــ هي العموم والخصوص من وجه، وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه الشباب، ولما يترتب عليه من أثر، فربما انفرد العقل بمجموعة من الأمور، لكن الدين لم يوافقه على ذلك المنتَج، كما أن العكس صحيح، فقد يكون هنالك منتج ديني لكن العقل يضع مجموعة من نقاط التحفظ. وهنالك مشتركات بينهما، فقد يتفقان فيما بينهما، وهو في الأعم الأغلب، أي أن العقل يتفق مع الدين في الكثير من المساحات.
الميزان العقلي في تطبيق الأحكام:
وبناء على هذا يقع الخلط بين المتلقين والمتلقفين ومن يجرون وراء تطبيقات الأحكام بين هذه الأبعاد الثلاثة، فتصدر الأحكام خبط عشواء، بين ضلال وتضليل، ويبقى الميزان الذي أرجأه الله تعالى إلى يوم الحساب، يوم توضع الموازين القسط، لا كما توضع اليوم لدى البعض، حيث يشرّع كيف يشاء ويقنن ويفتح أبواب الجنان لمن شاء وأحب.
وقد تلتبس الأمور فتصل إلى مرحلة أخرى، بحيث إن من يدّعي الاجتهاد والفقاهة اليوم ــ وهم كثر ــ لا يفقه ما يفقهه العامي البسيط من أبناء المجتمع في مساحة المباحات، بحيث بات من يعمل المباح يلام على فعله، بل يخرج من الدين. فشرب الماء مباح، لكنك إن لم تقبل قدح الماء من زيد من الناس، تكون قد ضربت العقيدة، وخرجت من الدين، وهو ما نراه في الكثير من الأحيان.
وكذا الحال في المستحبات، فالبعض يدعي الاجتهاد والفقاهة، لكنه لا يفقه مورد المستحب، فزواج فلان من الناس مستحب، وتهنئة المتزوج والتبريك له وإدخال السرور عليه كلها أمور مستحبة، لا تُلزم أحداً الحضور في المناسبة، ولكن قد يحصل لدى البعض أن فلاناً إن لم يحضر زواج فلانٍ من الناس فهو ضالٌّ مضل من أهل النار. ومثله لو مات أحد من الناس، ولم يحضر فلان مجلس الفاتحة. وهكذا الكثير من المستحبات التي نُعرض عنها فلا نعمل منها شيئاً. فلمَ لا يقال: من لا يصلي صلاة الليل فهو حطب جهنم؟ أو من لم يزر الموتى فهو من أهل النار؟ وكم في المقابر من الموتى الذين لم يزرهم أحد، مع أن زيارة الميت في قبره مستحبة. وعلى هذه فقس ما سواها.
لذا فإن دعاة الفقاهة والاجتهاد اليوم، تغيب عن أذهانهم وتعمى عليهم حتى مثل هذه المسائل التي يفقهها أبسط الناس، لأن العقل أُغلق وعُطِّل وأسقط من دائرة الحركة، وأصبح لا يرى إلا ما كان مقرراً مسبقاً، لا ما تحرك به العقل وانتهى إلى نتيجة.
ما هو العقل؟
إن العقل عبارة عن القوة المدركة التي يتمتّع بها الإنسان، مستكشفاً من خلالها الحقائق العامة أو القضايا الكبرى من خلال المعلوم البديهي.
ومن المؤسف أن يصبح البديهي اليوم نظرياً، فمن البديهيات أن يشكل الواحد مع الواحد اثنين، إلا أن البعض قد يراه أربعة! ففي الفقه مثلاً نجد أن وجوب صلاة الظهر ضرورة دينية لا يمكن إنكارها، فلو أن أحداً رأى غير ذلك فقد أنكر هذه البديهية.
وللعقل مساحة ومجال خاص، وهي مساحة الأدلة العقلية المثبتة لوجود الصانع، وهو الله تعالى. لذا فإننا في الأمور ذات الطابع الأصولي، لا ينبغي أن نحاكم أحداً ما لم نقف على حدود المستوجب لما انتهى إليه من النتائج، ولا يجوز غير ذلك شرعاً، حتى لو كان مستوجباً للتوقف في قضايا عنوانها الضرورة في الدين.
فمن باب المثال، نجد اليوم أن الفضاء الإعلامي مفتوح، ومجالات التشكيك متعددة، وهناك غزو عام، حتى أصبح الفكر المسيحي المغلق في بيوتنا، بحكم القنوات التي تعمل في الاتجاه الذي ترغب أن تصل إليه. وكذلك أصحاب الفكر العلماني (المنحرف)، وهذا قيد احترازي، فليس كل علماني منحرفاً، إلا ما ترتب على فعله الانحراف، وهو إدارة الظهر للدين، وهؤلاء ـ بحمد الله ـ لا وجود لهم في مجتمعنا لا سيما المجتمع الأحسائي، فهناك مجموعة من الحداثيين المتنورين ممن يطمحون للتحليق في الآفاق فكراً وأدباً وفناً، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن يلتزموا بلوازم نُلزمهم بها نحن، ونحكم عليهم بالمروق من الدين وفقاً لتلك اللوازم التي نتصورها. ومن المؤسف أن نكون سبباً في تدمير تلك الذوات الطيبة الشابة دون أن نتثبت في الحكم. فمن الذي منحنا السلطان والحكم الديني لنحكم على شاب تمظهر ببعض المظاهر والقوالب اللفظية، التي قد لا يعي الكثير مما تكتنزه من معنى؟
ومن القضايا المهمة ما يتعلق بعالم القبر، فهناك نصوص مأثورة علينا أن نسلّم بها إن كانت صحيحة الأسانيد، أما ما وراء ذلك فقد لا يسلم به العقل. فمن سبيل المثال حضور منكر ونكير في القبر، الذي يعدّ من المسلمات عندنا، رغم أنها ليست من المسلمات عند أصحاب التخصص. فلو فرضنا أن هناك من درس وقرأ وسأل فانتهى إلى نتيجة، أن عالم القبر عالم خاص، وهو سر من الأسرار، فانتقال المرء من عالم الحياة إلى عالم البرزخ يعني أنه دخل مرحلة قبل مرحلة الدار الآخرة، فمن كان مسلماً عليه أن يسلم لمعطيات الديانة الإسلامية الواصلة بالطرق المعتبرة، ومنها عالم البرزخ. فالتأمل والنظر لا يعني المروق من الدين، ولا ينبغي أن نلغي عقول البشر، فالله تعالى منحنا هذه القوة، وأكرمنا بها، وميزنا عن المخلوقات الأخرى لكي نتعقل بها ونقرأ وفق معطياتها.
ومن أسوأ (الفيروسات) المدمرة للعقل أن تلغي كينونتك لتنساق وراء من لا يدرك معنى العقل، فالمصيبة والطامة الكبرى أن أدع الآخر يفكر نيابة عني، فبقدر ما أعطاه الله من عقل أعطاني مثله، غاية ما في الأمر أن هناك من يقرأ ويسأل ويفكر وينفتح ويتلاقح فكرياً ويَنتقد ويُنتقد ويصل، وهناك من يقصر في هذا الجانب.
من هنا لا ينبغي أن نلقي تقصيرنا على الطرف الآخر لنغطي ما فينا من قصور وتقصير ونقص.
نعم، هناك الكثير من القضايا التوقيفية في الشريعة التي يجب أن نتعامل معها توقيفياً. ففي الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع): «إن السنة لا تقاس، ألا ترى أن امرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها. يا أبان، إن السنة إذا قيست محق الدين»([6]). فالصلاة عمود الدين، ولو قسناها على الصيام، لكان الواجب أن تقضي الحائض الصلاة لا الصيام.
معطيات التنوير:
تحدثت عن التنوير في الأسبوع الماضي، وقلت: إنه من أهم المفاهيم التي تولِّد إثراءً في الساحة. وللتنوير القدرة أن يلبي جميع المتطلبات لجيل اليوم الذي اختار لنفسه التموضع في موضع لم يكن عليها الجيل في المجتمعات السابقة، لكثرة الروافد الموجودة اليوم، والوسائل التي تزود هذا الجيل بالعلم والمعرفة.
فمما يقدمه التنوير في هذا الجانب:
1 ـ توجيه الجيل صوب الحقيقة، والنأي به عن عالم الخرافات والجعليات والبدع التي تتحول بمرور الأيام إلى ثوابت دينية، من قبيل ما يحصل في بعض المظاهر من إبراز حالة الحزن على أهل البيت (ع)، فلا شك ولا إشكال أن إظهار الحزن عليهم (ع) من تعظيم الشعائر، وفيه الثواب العظيم، ولكن هل إن إظهار الشعيرة المستحبة أهم من القيام بالواجب الشرعي المعين المفروض؟ فما نراه اليوم في بعض الأطراف لدى بعض الجماعات أن هنالك تسويقاً يُجنَّد له بشكل غير طبيعي في هذا الجانب على حساب ذاك، أي على حساب الواجبات، والمصاديق في ذلك لا حصر لها.
فمن ذلك مثلاً (زفة القاسم) فما هو الأصل في هذه الظاهرة؟ وأين مصدرها؟ ولكن هل هناك من يستطيع التصريح بأنها لا أصل لها ولا منشأ؟ أم أنه يُرمى بعدم الاعتقاد بمقامات أهل البيت (ع)! وأنه ضالّ؟
وهكذا نجد أن (زفة القاسم) تقام لبعض الشباب الذين قضوا في حوادث السيارات وهم يقودون سياراتهم بسرعة كبيرة جداً، وتُنفق الأموال الطائلة في هذا الباب. كل ذلك لأن هذه (الزفّة) أضحت راسخة في العقول وكأنها من ثوابت الدين. ولو سلمنا جدلاً بذلك، فلا الشاب الميت هو القاسم، ولا من وراءه هو الحسين (ع) فالقاسم تقدم لساحة الوغى، وهذا لساحة الانتحار، وإتلاف النفس، وفجيعة الوالدين، وتدمير المجتمع، وهدر طاقات الوطن.
أيها الشباب: إن اتجاه المجتمع نحو الحقيقة أمانة في أعناقهم؛ لأن الله تعالى أعطانا الوسيلة، وهي العقل، وعلينا أن نستثمرها، لا أن نهرول ونحثّ الخطى خلف شعارات هنا وهناك لا ندري ماذا يراد بنا من ورائها.
علينا أن ندقق وننظر في كل شعار يطرح، ونسأل أنفسنا عما يراد به منا. وكذلك في الجلسات، علينا أن نسأل عن كل جلسة ومن وراءها، وما يترتب عليها من آثار سلبية أو إيجابية. إن الوضع خطير، والقادم أخطر، ما لم نتناهَ في الحيطة والحذر.
2 ـ الحراك الفكري: فالتنوير يستدعي الحراك الفكري، وقد مرت بنا فترة من الخواء الفكري، حيث تشبعت أذهاننا بأفكار لا أساس لها، ولا تصمد أمام أول ريحٍ من النقد، أما اليوم فإننا نستطيع أن نحرك الفكر بسبب ما نقرأ وما نرى. فللعقل مقتضيات، إذا ما فعّلناها فسوف نصل إلى نتيجة.
3 ـ التعليم من أجل الوصول إلى الحقيقة، والبحث والتحقيق بعد ثبوتها: يقول تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوْا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ﴾([7]). حتى لو أن أحداً وصل إلى النتيجة، وتصور أن هذه هي النهاية، فإن العلم لا نهاية له، إذ من الممكن أن تكون النتيجة غير ذلك، فالكثير من القضايا المسلّمة ذهبت أدراج الرياح.
4 ـ فتح آفاق جديدة للبحث والمتابعة العلمية: فنحن اليوم بأمس الحاجة لاستثمار العديد من الوسائل، ومنها الانترنت، وما ترتب عليه من تفريعات في عالم اليوم، فنحن إلى اليوم لم نقترب من معظم مساحاته في الجانب الإيجابي، إنما نقترب من (الدردشات) وأمثالها مما يدفع باتجاه صحبة المكاشرة، ومن يسخر منك قبل أن يضحك معك.
5 ـ تقوية روح القدرة على حسم القرار: فبقدر ما أدعو لعدم تسليم عقولنا للآخرين، أدعو كذلك أن لا تكون قراراتنا بأيدي غيرنا، لأنك أنت المسؤول عن قرارك، وبقدر ما يحمل قرارك من القوة والضعف، بقدر ما يقترب من مساحة الإلزام. فمن أراد أن يتقدم خطوة في أمرٍ ما، عليه أن يكون القرار بيده هو دون غيره، وهذه القوة الدافعة مصدرها التنوير، أما من لا يعيش حالة التنوير فإنه ينتظر غيره ليمنحه القرار، ثم يندفع وراءه.
الرياضة في المفهوم الإسلامي:
في الحديث الشريف عن النبي الأعظم (ص): «أحب اللهو إلى الله تعالى إجراء الخيل والرمي»([8]).
وعن أبي البختري أن الإمام الصادق (ع): كان يحضر الرمي والرهان»([9]).
وعن سيد الساجدين، وإمام السالكين، الإمام علي بن الحسين (ع): «أن رسول الله (ص) أجرى الخيل وجعل سبقها أواقيّ من فضة»([10]).
فهناك ألعاب رياضية كانت في زمن النبي (ص) كسباق الخيل والرماية وتسلق الجبال وأمثالها، وكان النبي (ص) يحضر المسابقات، ويخصص الجوائز.
وهنا يتضح ميزان العقل المتنور والآخر المتجمد، والعقل الفاعل والآخر الباطل، فلا يقولنَّ من يقول: إن تلك السباقات لم يكن فيها كرة، فلو كانت الكرة في زمن النبي (ص) لما ألغاها، لكن أسس الرياضة آنذاك كانت الخيل والرماية.
هذا هو ديننا، وينبغي أن نحبب الناس به، ولا نبعده عنهم، بل إن هذا الدين يدعو لما هو أكثر من هذا وذاك لو كانوا يعقلون.
ومن أمثلتنا المعاصرة على ذلك، أن السيد القائد (حفظه الله تعالى) عندما يكرِّم منتخب بلاده الوطني، ويمنح كل فرد منهم سيارة في بطولة أمم آسيا، فإما أن يقال: إنه فقيه، والفقيه لا يتحرك إلا وفق الدليل الصادر عن محمد وآل محمد (ص) ، أو أن يقال غير ذلك، فمن كانت لديه الجرأة على التصريح أن يخبرنا إن كان هذا الرجل ليس فقيهاً، فليُرحنا ويستريح، وأنا أعتقد أن البعض يحمل في ضميره تجاه السيد القائد ما هو الأسوأ، لكنهم يدركون أن العصا غليظة.
الإنجاز التاريخي لنادي الفتح:
لقد حقق نادي الفتح إنجازاً تاريخياً لهذه المحافظة الكريمة العزيزة المقتدرة بأهلها، لكن البعض حاول أن يصطاد في الماء العكر، وأنا أطمئن ذلك البعض وأريحه فأقول: لستَ بحاجة أن تصطاد في الماء العكر، لأنني لا أسبح في المياه العكرة، إنما أسبح في ماء صافٍ، يرى فيه من يرى بوضوح، أما عن خفاش يتحرك تحت جنح الظلام وسواد الليل، فلا يعنيني أمره.
وأما من انتقد كتابة القصيدة في نادي الفتح، فلم يطّلع الغيب، ولم يملك مشاعري وأحاسيسي ليعرف ما تنطوي عليه، فهذا مشاعري وأحاسيسي أنا.
لما سبق أسامة بن زيد على ناقة النبي (ص) العضباء، وهو راجع من تبوك في المعركة الفاصلة، وقد أجرى الإبل، جعل الناس يقولون: سبق رسول الله (ص)، فقال النبي (ص): سبق أسامة([11]).
إن أهمية الفوز في المجتمع الأحسائي كبيرة جداً، فنحن في محافظة مغلقة، لا نملك حتى صحيفة باسم المنطقة، ولا إذاعة ولا تلفزيون، لكن نادي الفتح استطاع أن يفتح المنطقة على جميع المساحات الإعلامية بفرض وجوده في الواقع. فحضور الأسماء في جميع الأوساط الإعلامية المحلية والخارجية يعد مكسباً رائعاً. ألم يخلق نادي الفتح الانتصار مما هو أقرب للعدم؟
كما أن هناك نشاطاً سياحياً ينتظر هذه المنطقة، وقد دفع النادي باتجاه تحقيقة، فالسائح القادم للمنطقة سوف يسأل ويبحث ويتابع ويحقق وسوف يضع يده على شذرات هي أكثر جلاءً من النجوم في حالك الظلام، لأن الأحساء وَلود، أنجبت العلماء والفضلاء، وهم الذين فهموا خطاب النبي (ص) عندما دعاهم للرسالة الحقة. فيحق للأحسائي أن يفخر بأصله وجذوره.
كما أن هذا الإنجاز الكبير فتح لنا باباً، وهو باب التراصّ الاجتماعي، فمن حضر قبل ليلتين في ساحة النادي ورأى الفرحة العارمة، وكيف كانت القلوب على بعضها، أدرك أن بعضنا من بعض، وهذا هو أساسنا، ولا يستطيع أحد أن يزايد على وحدتنا ولحمتنا، فالأحساء تجمعنا، وليس هناك من يفرقنا.
فالرياضة مكسب كبير، وهي إن لم تتعارض مع بعض الواجبات في أوقاتها المحددة، تعتبر عملاً مباحاً، وهذا أقل ما يقال فيها.
إننا نبارك لنادي الفتح، إدارةً وإشرافاً ولاعبين وجماهير، ونتمنى لهم مستقبلاً أفضل، فلو أن الدورة الآسيوية في العام القادم أقيمت عندنا، فماذا ستكون الحال؟ تصوروا أن ست عشرة دولة ستكون حاضرة في رحابنا، ألا يعني هذا أننا سافرنا بالأحساء بعيداً؟
ولكن يبقى الأمر مرهوناً أيضاً بأهل الأحساء وما عليهم أن يفعلوا، فعليهم أن يبرزوا الجوانب الأخرى، ومنها طيبة هذا البلد وشرف أهله وكرمهم ونخوتهم وعلمهم وأدبهم وفنهم وتراثهم ومحبتهم للناس، ففي إحدى الدراسات التي أقيمت في الإمارات حول أكثر مدينة تمتلك من العناصر القابلة للأخذ بالمشهد السياحي في المنطقة، ومنها العنصر البشري، ظهر أنها محافظة الأحساء!
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.