نص خطبة: الإيمان المستقر والإيمان المستودع

نص خطبة: الإيمان المستقر والإيمان المستودع

عدد الزوار: 974

2013-07-22

ذكرى أم المؤمنين خديجة (ع):

عظم الله أجورنا وأجوركم بأم المؤمنين خديجة (ع) رمز العطاء المطلق، وجعلها الله شفيعة لنا يوم القيامة، ورزقنا الله التردد على ضريحها الطاهر ما دمنا أحياء.

هذه السيدة الجليلة عاشت الظلامة في مجتمعها المكي، والعلة في ذلك أنها تزوجت يتيماً. هكذا كانت قراءة المجتمع المكي آنذاك. وربما يوجد في هذا الزمن، بعد هذه الطفرة النوعية في الثقافة والقراءة والتفكير، من يحاكي ذلك المشهد المكي.

فقد قاطعتها نسوة قريش حتى في ساعة الولادة، لكن من كان ينتظر فاطمة بنت أسد (ع) في بيته الحرام، كان ينتظر هذه السيدة الجليلة عندما أرادت أن تضع مولودتها، التي أشرقت الدنيا بأنوار مولدها.

ثم لاحقتها الظلامة أيضاً من خلال أقلام التاريخ المشوه، فلم تحظَ بما كانت تشغله من موقع القرب من النبي الأعظم (ص).

فالفترة التي قضاها النبي (ص) في مكة ركزت على بعد أساسي في استحكام هذا الدين، ألا وهو تأصيل الأصول فيما يتعلق بالجانب العقدي، وهو وحدة الذات المطلقة من جهة، ومن جهة أخرى الرسالة الرابطة، ثم المعاد الذي ينتظر سائر البشر، والذي لم يكن يحظى بنصيب من التقديس في ذهنية العرب آنذاك، إذ لم يكونوا يرون إلا الحياة الدنيا: ﴿إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوْتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوْثِيْنَ([1]).

فهذه السيدة الجليلة، بحكم أنها تشغل ذلك الموقع القريب من النبي (ص) كان يُفترض أن يوصِل لنا التاريخ شيئاً عنها في تلك المرحلة، لكن ذلك لم يحدث إلا باستحياء شديد، فلا التاريخ المقلوب المنكوس المشوّه الهجين تكفل بذلك، ولا مدرسة الحديث قدمت لنا شيئاً من عطائها الثرّ، بل على العكس من ذلك، فالنساء اللواتي لم يحظين بالكثير من الوقت من نبي الرحمة (ص) نُقل عنهن الكثير، بل بتن يشكلن أهم مصادر التشريع، لأن التشريع الإسلامي عبارة عن الكتاب والسنة بعمومها، أي الأحاديث الصادرة عن النبي (ص) ونقلتها فلانة أو فلان. فهناك الكم الهائل من الروايات التي تعنى بمسائل كثيرة، من قبيل أن النبي (ص) رأى منيّاً يابساً في ثيابه وهو يريد الصلاة، فنبهته فلانة، فقام بفركه ثم صلى.

أما خديجة (ع) التي نزل جبريل من السماء ليقول للنبي (ص): إذا جاءت فأخبرها أن ربها يقرئها السلام([2])، فلا أثر لها ولا عين في هذا الباب. فأين هي من غيرها؟ ودونك سورة التحريم شاهداً على ذلك.

ثم إنها مظلومة منا، فقبرها على بعد أمتار من الحرم المكي، لكن المحظوظ منا من يمر على قبرها من فوق (الكوبري) فيلقي بنظرة عن يمينه في الحجون، ويرسل سلاماً خجولاً خافتاً. أما من يعتبر أن ذلك مضيعة للوقت فهو موجود أيضاً، لأن السوق لديه أولى من الذهاب إلى أم المؤمنين (ع). وتقطيع الأوقات وتضييعها في مكة فيما يعني وما لا يعني أولى لديه. أما أن يعقد النية من بيته لزيارة قبرها الأقدس في الحجون، فهذا أمر مستبعد.

لقد دفنت السيدة أم المؤمنين خديجة (ع) في مكان مقدس شديد القدسية، فمن ضمن المواقع التي حوصر فيها النبي (ص) وآله هو ذلك الموقع الذي شاء الله تعالى أن يكون مثوىً لشخصيتين عظيمتين تمثلان ركنين مهمين في تأسيس قواعد هذا الدين، وهما أبو طالب (ع) وخديجة (ع).

فحريّ بنا إذا ما ذهبنا إلى مكة أن نجدد مع هذه السيدة الجليلة الصديقة عهداً، فإن تكن قريش قاطعتها، ونابذها العداء من نابذها، فعلينا أن لا نسير في ركبه، ونتخدق في خندقه. فلهذه السيدة فضل كبير على الإسلام وأهله.

قواعد الإيمان وضوابطه:

يقول الإمام الصادق (ع) لهشام: «يا هشام، من سلّط ثلاثاً على ثلاث فكأنّما أعان على هدم عقله: من أظلم نور تفكُّره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عِبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه...»([3]). ‏

نحن اليوم في زمن عسير، ومنزلق خطير، كما أننا في زمن هداية ورشد، فإن لم ننتبه من جهة، ونمسك بأسباب الهداية من جهة أخرى، فإن الأمور سوف تخرج من أيدينا، أما إذا ما انتبهنا وأمسكنا بالأسباب، فإن الأمور والآليات بأيدينا، ولن ينتظرنا إلا النظرة الواقعية لأنفسنا والمحيط من حولنا، لأن الآتي سوف لن يعفو ولن يصفح عمن يقصر.

ففي الحديث الآنف الذكر يحذرنا الإمام الصادق (ع) من أمور ثلاثة هي في حقيقتها جنود نسلطها على أنفسنا، وهي:

1 ـ طول الأمل: فهناك من لديه ذهنية صالحة للتفكر، فلو أراد أن يدرك مقام خديجة لفعل، إلا أنه يعمد إلى عالم بعيد المنال، كأنه سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً.

2 ـ فضول الكلام: فتجده ثرثاراً في المجالس والمواقع، لا يحسن ما يقول. يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): «من كَثُر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار»([4]). ويقول أيضاً: «من كثر شططُه كثر سخطه»([5]).

إن الحكمة تتفجر من جوانب الإنسان متى ما ركن إلى الصمت قليلاً، أو قنن ما يتحدث به في مواطنه.

3 ـ اتباع الشهوات: فهناك من يطغى عليه جانب الشهوة، وإذا ما طغى هذا الجانب فقد طمس مناشئ ومنطلقات ذلك النور في نفسه.

ثم يقول (ع) في هذا الصنف من الناس: «فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه».

إنك اليوم عندما تتضفح بعض المواقع، وتتابع بعض التغريدات، تجد أن معطيات هذا الحديث تنطبق عليها انطباق القذة بالقذة. لذا علينا أن لا نندفع وراء كل تغريدة، ونتماشى مع كل كتابة وأطروحة، وأن لا نبني ذواتاً لا تستحق أن تُبنى، لأنها ما أرادت لنفسها ذلك، ولو أرادت لتخطت الحواجز الثلاثة التي نصح بها الإمام الصادق (ع) صاحبه هشام، وهي لنا نحن بقدر ما هي لهشام.

زمن الفتنة:

في الحديث الشريف: «يأتي على الناس زمان، الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر»([6]). وفي حديث آخر أيضاً: «لا تكرهوا الفتن فإنها تُبير المنافقين»([7]).  وهلاك المنافقين والظلمة لا يعني هلاك الحكام الظلمة فحسب، كما هو عالق في أذهان الكثيرين منا مع شديد الأسف، فتعريف الظالم لا يتناول الحاكم الجائر فقط، فالظلم درجات، ويمكن أن يتقلب الإنسان بين هذه الدرجات حتى يصل إلى مستويات مختلفة.

فالحجاج بن يوسف الثقفي ظالم معروف، ومن يجهل الحجاج وظلمه وتاريخه الأسود؟! والكثير من الطغاة اليوم يتمنى أن يكون لديه ألف حجاج وحجاج. فما هو مبدأ الحجاج ومنطلقه؟

لقد كان بادئ أمره معلماً للقرآن الكريم في الطائف، يعلّم الصبية من ثقيف. وقد كان هذا العنوان آنذاك يعدل الدكتوراه في عصرنا الحاضر. أي أنه كان أقرب للدين من غيره. وقد توعدهم أمير المؤمنين (ع) بالذيّال الميّال، وكان قد تنبأ بقدوم الحجاج للكوفة، واستعراض العتاة المردة من أهلها.

قال (ع): «أما والله ليسلِّطَنَّ عليكم غلام ثقيف الذَّيَّال الميّال، يأكل خَضِرَتَكم ويُذيب شحمتكم»([8]).

وهنا لا بد من ملاحظة، وهي أن البعض ربما يغضب من ذكر اسم الكوفة باعتبار أنها صبت الكثير من المآسي على مدرسة أهل البيت (ع)، وهذه قراءة ناقصة، فبقدر ما صبت من المآسي على هذه المدرسة، فقد احتضنتها أيضاً، ولولا رجال من أهل الكوفة لما عشنا نعيم الولاء لمحمد وآل محمد (ص).

فأهل الكوفة قدموا المِدادين، مِداد القلم، ومِداد الدم، فليس هناك بقعة قدمت من الضحايا والقرابين طاعة ومتثالاً وتصديقاً لمحمد وآل محمد (ص) كما قدمت الكوفة. صحيح أن منها فسقة ومردة، إلا أن هؤلاء في الأعم الأغلب من الوافدين عليها. فالحجاج لم يكن كوفياً، ولا عبيد الله بن زياد، ولا الكثير من أمثالهما، والقائمة طويلة. بل إن معظم من قاتلوا الحسين (ع) في كربلاء لم يكونوا من أهل الكوفة، إنما كانوا من البداة الوافدين عليها، فالكوفة حاضرة وليست بادية، وهؤلاء أعراب لم يستقر الإيمان في قلوبهم طرفة عين أبداً.

ولو أننا رجعنا لكلام أهل البيت (ع) لوجدنا لهم كلاماً آخر في الكوفة، فقد ورد عنهم (ع) قولهم فيها: «تربةٌ تحبنا ونحبها»([9]). وعن أمير المؤمنين (ع): «هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا»([10]). فليتورَّع الذين يجلسون في المجالس ويلعنون أهل الكوفة، وليقدموا عشر معشار ما قدمته الكوفة أولاً قبل أن يتجرؤوا على ذلك.

حقيقة الإيمان:

الإيمان على قسمين: إيمانٌ مستودع مستعار، وإيمان ثابت مستقر. والمصاديق لذلك في القديم والحديث كثيرة، ففي القديم نجد قائمة تطول وتعرض بمن آمن ثم ارتدّ، فالبعض يظن أنه آمن بالله، لكن القرآن الكريم يكذبه في كثير من المواطن، ويؤكد أن عنوان الإيمان لا ينطبق عليه. قال تعالى: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُوْلُوْا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيْمَانُ فِي قُلُوْبِكُمْ([11]). فكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله يحقن بها الدم، ويحفظ بها المال والعرض، أما الإيمان فأمر آخر.

ومما يؤسف له أن هذا المبدأ القرآني، المجمع عليه لدى الفريقين، من حفظ المال والدم والعرض، ما عاد يعصم نفساً أو يحفظ مالاً أو يصون عرضاً، بسبب انقلاب المفاهيم في وسط الأمة، وسوف يأتي يوم يكون فيه الظلم حسناً، والعدل قبيحاً، ويسمى الظالم عادلاً والعادل ظالماً.

فالحديث الشريف يشير إلى الانحراف الفكري، فقد تجد البعض أحياناً مستقيم السليقة، حسن التفكير، إلا أن المعادلة تنعكس بشكل مفاجئ، وتنقلب الأمور، فتراه يشرِّق أو يغرب دون رادع من دين، ولا وازع من ضمير، ولا حافظ من محيط.

ولا بد لي هنا أن أسجل أمراً مهماً، وهو أننا لا ينبغي أن نستخدم مفردة الانحراف الفكري كسلاحٍ ننحر به ذواتاً عصمها الله سبحانه وتعالى. فالسقطة الفكرية ربما تحصل، وقد حصلت في زمن الرسول (ص) وبعده، وإلى يومنا هذا، والآتي من الأيام أيضاً، ولكن ليس لنا أن نجري الأمور على الهوى، ونخضع الذوات التي طرحت فكراً، أو تماهت مع فكر، على أنها خارج دائرة الإيمان والإسلام والعياذ بالله. فبقدر ما نعتب على أولئك الذين شطّت بهم الأقلام والأفكار بعيداً، بقدر ما نعتب أيضاً على أولئك الذين يحاولون أن يضعوا الحلول، ولما يشخصوا بعد أين يكمن الخلل.

وقف أحدهم أمام النبي (ص) يوماً فقال له: يا محمد، اعدل. فماذا فعل النبي (ص)؟ قال له: ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟([12]). هذا هو النبي الأعظم الذي يقول فيه الحق سبحانه وتعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيْظَ القَلْبِ لانْفَضُّوْا مِنْ حَوْلِكَ فاعفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِيْ الأَمْرِ([13]).

فالإيمان المستودع يمكث مع الإنسان لفترة معينة ثم يذهب ويضمحل. وأمثال هؤلاء لا بد أن نسير معهم الهوينى، متَّكلين على هدي محمد وآل محمد، لا على سوط فلان أو فلان.

وقد يدور في خلد البعض أن يسأل نفسه: هل أنا من صنف الإيمان المستودع أو المستقر؟ والجواب عن ذلك أن الإنسان على نفسه بصيرة، فقد ترى أن البعض كثير العبادة، لكنه يسير معها نحو هدف، كما يقول الشاعر:

صلى وصام لأمر كان يقصده    لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما

بل قد لا ينقضي الأمر أحياناً. والأمثلة على ذلك كثيرة، إذ يتعلق البعض أحياناً بالمسجد، أو مقامات أحد الأئمة (ع) من أجل شفاء مريض، لكن المريض يموت، فتنتهي العلاقة بالمسجد أو الحسينية أو الحرم. فالإيمان عند هذا وديعة، والعبادة ما هي إلا طقس يجاري ذلك الاستيداع فقط. وأحياناً يبحث البعض عن النجاح فلا يتسنى له، فينتهي لديه كل شيء.

أما الإيمان المستقر، فهو الذي يصنَّف المرء على أساسه، في من مضى ومن بقي. ولولا هذه المعادلة من التقسيم والتصنيف لاختلط الحابل بالنابل.

والقرآن الكريم يعيننا على بيان معالم الإيمان المستقر، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيْمَاً فَاتَّبِعُوْهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيْلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ([14]). فهنالك صراط مستقيم هو سبيل الله، وحبل ممدود بين الأرض والسماء، وعهد وميثاق بين المؤمن وخالقه، على المرء أن يمسك به.

فأصحاب الإيمان المستقر، مهما تقلبت بهم الأحوال، واضطربت الأفكار، يبقي حالهم ثابتاً مستقراً. فإذا ما قبلوا أو رفضوا كان ذلك على أساس علمي، وليس الخبط العشوائي.

وهناك حادثة حصلت في زمن أمير المؤمنين (ع) تقدِّم لنا مثالاً مقابلاً للمثال الذي ذكرناه سابقاً، من تعليق العبادة على الحاجة، فإن حصلت الحاجة أو لم تحصل انتهت العبادة. ففي أحد الأيام جيء له بعبد قد سرق، أو أن العبد جاء بنفسه لأمير المؤمنين (ع) ليعترف بالسرقة على بعض الروايات. وكما هو معلوم، فإن الحد يثبت على الفاعل إما بالشهود أو الإقرار على النفس، وفي الحالتين كان الحد ثابتاً في حقه. فحوّل الإمام أمير المؤمنين (ع) وجهه عنه، فأعاد عليه، فحول وجهه، وفي النهاية لم يكن للإمام بدّ من إقامة الحد، فقطع يده. فخرج الرجل وهو يمسك يده المقطوعة باليد الأخرى، يستعرض السوق، وهو يلهج بمدح علي (ع)! ويكثر من الثناء عليه. فلما سئل عما وراءه قال: إن أمير المؤمنين (ع) قطع يدي. فقيل له: تثني عليه وقد قطع يدك؟ أي أن البعض كان يحاول أن يحرك في نفسه شيئاً تجاه أمير المؤمنين (ع)، لكنه كان يزداد مدحاً وثناء عليه. كل ذلك لأن لأن الإيمان كان مستقراً في نفسه وليس مستودعاً.

إننا اليوم في مسيس الحاجة لتثبيت الإيمان في قلوبنا، وأن نتعامل مع كل أحد بما يتناسب والموقف، أو ما يتناسب وطبيعة الشخص.

ومما يثير إعجابي في هذا الصدد، كلمةٌ لسماحة سيدنا المرجع (حفظه الله تعالى) عندما سئل في قضية عن شخص، فأجاب: لا أقول شيئاً، حتى لا يُرفع من لا يستحق الرفع، ولا يخفض من لا يستحق الخفض.  

هذا هو ميزان العقل والإيمان، فلم ينسَق السيد المرجع (حفظه الله) وراء خبط العشواء، من التكفير والتضليل، وكأن مفاتيح الجنان والنيران، وضعت بيد فلان وفلان.

إن قسيم الجنة والنار يوم القيامة شخص واحد، وهو من النبي (ص) كنفسه، ألا وهو علي بن أبي طالب (ع). ولسنا كالمسيحيين مع أحبارهم ورهبانهم، إذ يفرقون بينهم صكوك الغفران، فينعمون على من شاؤوا ويحرمون من لم يريدوا. فليس لدينا شيخ ولا مرجع يملك هذا الحق، وسوف نقف يوم القيامة، أنا وأنت، ومرجع التقليد، والعالِم، ومن يدّعي مقاماً معيناً، ومن يزدريه الناس، ومن يحترمونه، على صعيد واحد، حفاة عراة، كل يقول: نفسي. وإن كان العامي يؤاخَذ على غيبة أو نميمة، فإن المرجع يؤاخذ على فتوى يعمل بها الملايين من الناس، إذ ربما سالت الدماء على الأرض بتلك الفتوى.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.