قم المقدسة : العلامة السيد محمد رضا السلمان في ذكرى ميلاد أمام المتقین

قم المقدسة : العلامة السيد محمد رضا السلمان في ذكرى ميلاد أمام المتقین

عدد الزوار: 2394

2011-06-21

 نص کلمه العلامه السید محمد رضا السلمان

                                                                بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، ثم اللَّعنُ الدائمُ المؤبَّدُ على أعدائهم أعداء الدين.

﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي

اللهم وفِّقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيَّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا ربَّ العالمين.

﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُوْنَ ~ عَنِ النَّبَأ العَظِيْمِ ~ الَّذِي هُمْ فِيْهِ مُخْتَلِفُوْنَ[2]

بارك الله لكم ولنا ولشيعة علي (ع) وآل علي، ذكرى مولد علي (ع)، ورزقنا الله وإياكم شرف المثول بين أعتاب مشهده الطاهر في الدنيا، والشفاعة على يديه في الآخرة.

من عليِّ الإمامة إلى عليِّ القيادة مسافةُ زمن... مرت عبر محطاتُ توقف كثيرة، إلا أنها وصلت إلى الهدف، حيث تحقق شطر من حلم الأنبياء، واستعيدت قطعةٌ من فدك المغصوبة، علي يدي إمام الأمة (قدس سره).

هناك محاور ثلاثة سوف أمر عليها سريعاً، هي:

1 ـ قداسة الولادة وشرف المكان.

2 ـ البعد الحقيقي في عبادة المولى علي (ع).

3 ـ الاستخلاف، بين تشريع السماء وفرضية الأرض.

 

  • 1 ـ قداسة الولادة وشرف المكان:

في مكة المكرمة، وفي وادٍ غير ذي زرع، تكتنفه جبالٌ شاهقة من الحجر الصلب الأصم، وفي بقعة خاصة وزمان خاص، تخرج امرأةٌ من بيتٍ كلُّه طُهر وقداسة، لتقصد بيتاً هو مصدر القدس والطهارة، يجللها الحياء والخجل، حتى تكاد تعثر بذيلها، والنور يملأ جميع جوانبها... السماء تترقب، والأرض تنتظر، وسيد البشر يأخذ موقعه المناسب في المكان المناسب والزمن المناسب، ليجتمع نور الإمامة مضافاً إلى نور النبوة في محمد (ص).

السيدة الجليلة تخطو الخطوات الأولى في الحرم الطاهر المطهر... سادات قريش ينفرجون سماطين... حالة من الذهول تسود الموقف وتملأ الجنبات، فتسير في ثبات وخشوع، لا ترفع رأسها إجلالاً وتعظيماً لقدسية المكان... همت أن تصلي، وكأن ثمة من يمنع هذه السيدة الجليلة أن تؤدي طقساً إلا أن تأخذ موقعها في الأقرب من الموقع الذي أُمرت الأمة بأسرها أن تتخذ منه مصلىً لها.

همت بدخول الكعبة، فأغلق الباب بوجهها... عالجته فلم ينفتح، هذا وقريش تمانعها. ثم أخذت دورتها قاصدةً الوقوف عند الحجر الأسود، وقبل أن تصل إلى ذلك المكان، وفي الاتجاه المعاكس للباب الموصد، كانت هناك ابتسامةٌ لحائطٍ لم ير الكونُ مثيلاً لها، حيث انشقَّ الجدار، فدخلت السيدة الجليلة، ثم رجع الجدار إلى ما كان عليه، وكأنَّ شيئاً لم يكن.

في داخل الكعبة تَبتَّلت وتعبدت، وانصهرت قرباً، وذابت وجداً... أنوارٌ من داخل الكعبة وأنوار من خارجها... موضع الرخامة الحمراء التي باشرتها يد القدرة، أبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يكون موضعاً مشرَّفاً بميلاد علي (ع):

                              إنت العلي الذي فوق العلا رفعا       ببطن مكةَ وسط البيت إذ وضعا

                              وأنت أنت الّذي حطت له قدمٌ       في موضـع يده الرحمن قد وضعا

أيامٌ ثلاثة والسيدة في جوف الكعبة، ولا تسَل عمّن كان يُطعمها ويسقيها، فإن من بيده تدار رحى الوجود كان بمقربة منها... إنه علي.

وفي اليوم الثالث أرادت أن تخرج، فعالجت الباب، لكنها لم تتمكن أن تخرج من الطريق الطبيعي ، لا لشيء إلا لتكتبَ تلكم البابُ المشرفة شاهداً على من حاول أن يتنكر له من كان حاضراً.

وانشق الجدار من جديد، وخرجت السيدة الجليلة، وأنوار علي (ع) تملأ المكان... علي يشير بسبابته إلى النبي (ص) والنبي يقرِّب بين ساعديه، والسيدة الجليلة تدفع وليدها في يد الكفيل، النبي الأكرم (ص)... نور يمازج نوراً.

أقول: ما عسى أن تكون إشراقة تلك اللحظات، ونور وجه علي (ع) يباشر ويمازج ويختلط مع نور الإشراق من وجه النبي محمد (ص).  ولد علي (ع) وتكفَّله النبي (ص) وأجرى المراسيم عليه. ومرت الأيام، وعلي (ع) في كنف النبي (ص) يرفع له في كل يوم عَلَماً. ولكن لماذا وقع على علي (ع) ما وقع من الظلم والتجني؟ ولماذا حاول البعض أن يقصيه عن المشهد في أضيق دوائره، وتعقَّبه في أوسعها؟ هل هو عدم العلم بحقيقة الشيء، فيلتمس لهم حينئذٍ شيءٌ من العذر؟ أم هو عدم القدرة على تفهم الواقع الذي كان يعنيه علي (ع)؟ أم هو الحسد القاتل في أدنى مراحله ؟

هذه فرضيات ثلاث ربما اشتركت في نفسية البعض، وربما انفرد بعضهم في البعض منها، لكن المصدر والأساس يبقى ضمن هذه المنظومة.  علي (ع) بقي على هذه الحال، والأمة تتنكر له، ولو أردت التوقف في كل محطة من المحطات لطال بنا المقام، وتعذر علينا الاستقصاء.  الكل ممن عايش علياً (ع) يعلم أنه الأعبد والأقضى والأعلم والأشجع والأكمل والأصبر، وأن ما من خَصلة كمال إلا وهي في علي (ع). وما استقرت في نفس بشر واحدة من خصال الكمال إلا بفضل علي (ع)، ولولاه لما كان بمقدور أحد أن يستجمع واحدة من خصال الكمال التي تشكل نثاراً في أكثر من موطن وموطن.

وبناء على هذا فمن الطبيعي، والطبيعي جداً، أن يحصل ما حصل، والسبب في ذلك أن الكامل دائماً وأبداً يُعرِّي الناقص، وهذا ما نلمسه وندركه في مسيرتنا الحياتية التي نعيشها بكل آناتها، وما تحتمل من منعطفات وانكسارات في بعض مواطنها.

الإمام علي (ع) عرَّفته لنا السماء فيما يربو على ثلاثمائة آية، كما أن السنة المطهرة الواصلة إلينا بالطرق المعتبرة، قدمته لنا بما لا مزيد عليه.

إن عظماء البشر من صدر الإسلام إلى يومنا هذا، سواء ممن دخل في الإسلام أم ما زال يعيش في حياض ديانات أخرى، بل حتى أولئك الذين لم يتدينوا بدين ولم يتمسكوا بمذهب معين، اقتربوا من مساحة علي (ع) في بُعد واحد، فملكهم وأسرهم وألزمهم أن يقولوا مقولة الحق التي أصّلت لها من قبل السماء.

الإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي كان علماً من أعلام الطائفة، وقيل إنه أحد أصحاب الإمام الصادق (ع)، وممن سمع منه، سئل عن الإمام علي (ع) في أكثر من لون ولون من صيغ السؤال. منها أنه سئل عن الدليل على أن علي بن أبي طالب (ع) هو إمام الكل، فأجاب: الدليل هو احتياج الكل إليه، وغناه عن الكل.

فمن من صحابة النبي (ص) ممن تقدم وتصدر، وأقصى وأبعد، كان يحظى بهذه الخاصية ويمتاز بهذه الميزة؟ ودونك من تقدم ومن تعقب، ودونك مشرحة التاريخ إذا ما أردت أن تلج من بابها لتصل إلى ما هو ا لمراد.

ويُسأل الخليل مرة أخرى: لم هجر الناس علياً (ع) مع قربه من النبي محمد (ص)؟  فالإمام علي (ع) قريب من النبي بلا شك، وهو الأساس الثاني في بناء الإسلام، وهذا ما يثبته أهل هذا الدين قاطبة. فيقول الخليل: بهر والله نورُه نورهم، وغلبهم على صفو كل منهل، والناس إلى أشكالهم أميل.

فالإنسان الكامل لا يبحث إلا عن الكُمَّل، ولا يأنس إلا بمن يعيش الكمال، والعكس صحيح، فمن لا يمتلكون صفة الكمال يبحثون عن أناس لا يتصفون بها، حتى لا تحصل حالة من التمايز في مواطن تقتضيها بعض الأمور.

وسأله أحدهم ذات يوم عن الفضائل التي كان يتمتع بها علي (ع) فقال: ما أقول في رجل أخفى أعداؤه مناقبه حسداً([3])، وأولياؤه خوفاً()، وظهر بين هذين ما ملأ الخافقين().

هذا هو الإمام علي (ع) في هذا الجانب.

  • 2 ـ عبادة علي (ع):

يتصور البعض أن تركيز الإسلام على مفهوم العبادة إنما أراد من ورائه أن يقود الإنسان إلى موطن التصاهر على إطلاقه، والتذلل في كل مساربه، لكن علياً (ع) يرفض هذه القراءة رفضاً باتاً، بل إنه يأخذ من هذه العبادة عامل قوة وانطلاق إلى أهداف سامية قد لا يصل الإنسان إليها ما لم يتروض من خلال هذا الطريق.

إن الإمام علياً (ع) كان متفرداً في عبادته وفي علمه وسياسته، وهذه الأضلاع الثلاثة إذا ما جُمع بينها ثم فككت وقرئت كل واحدة منها على حدة، ثم أجريت عملية التركيب من جديد، استطاع الإنسان أن يقرأ علياً (ع) كما ينبغي، أما إذا أحدثنا خللاً في الفك والتركيب على أساس من القراءة المتقدمة، فلن نهتدي إلى فك حرف من شفرات علي (ع) المشفرة بكلمة في موضع صعب جداً. فهو باب علم مدينة الرسول (ص) إلا أن هذا الباب أُغلق لمدة ربع قرن من الزمن، وحتى عندما آلت الأمور إليه لم يكن بمقدوره أن يغادر أكثر من مساحة إلا في كوة صغيرة أطل من خلالها على عالم الشهود من حوله، وأفرغ من خلالها ما أمكنه أن يفرغ، من علم جمٍّ، وأدب رفيع، وسياسة محكمة وقراءة دقيقة.

إن هذا الإمام العظيم، يمثل باب علم مدينة رسول الله (ص) وقد أُمرنا أن نأتي المدينة من خلاله، فلا إسلام بغير علي، ولا معرفة للنبي بغيره، ولا يستقر الإيمان إلا بعلي.

دخل أعرابي إلى مسجد النبي محمد (ص) وكان حول النبي جمع من الأصحاب، وهو يأخذ مكانه في صدر المسجد، وعليٌّ (ع) يشغل أحد أطراف المسجد، فوقف الأعرابي يتصفح وجوه الجالسين، وهو الذي لم يكن لديه قبل ذلك معرفة دقيقة بالأشخاص، فلما رمقهم ببصره وتصفح وجوههم أخذه نور النبوة، لكنه تريث ثم سأل سؤالاً بسيطاً يحمل الكثير من المداليل: أين علي؟ فاستغرب الحاضرون، ثم أعادها ثانيةً وثالثة، والقوم كأن على رؤوسهم الطير... أعرابي من الصحراء في مسجد النبي (ص) وبمحضر رسول الله (ص) ويسأل عن علي! فقيل له: هذا علي، فرآه وقد جلس في إحدى زوايا المسجد ضمن حلقة الأصحاب()، فابتدأ الأعرابي بالسلام على علي (ع) ثم شفعه بالسلام على النبي محمد (ص) فقام له أحدهم، وقال له: يا أعرابي قد أخطأت السنة، حيث قدَّمت على النبي من قدمت(). فقال له الأعرابي: مهلاً، لقد أمرني رسول الله محمد (ص) بذلك وأنا في الصحراء. فأخذ الرجلُ الأعرابيَّ من مجامع ثيابه، وضيق عليه الخناق قائلاً له: أعرابي ويكذب على رسول الله في مسجده! قال: والله ما كذبت، إنما هو الذي أرشدني إلى هذا، أليس هو القائل: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها؟!

أما كان الحري بالأمة أن تفقه هذا الموقف الذي فقهه هذا الأعرابي؟ خصوصاً أولئك الذين زاحموا النبي (ص) حتى في مجلسه، بل آذوه حتى في بيته فنزل القرآن بذلك، وهم أولئك الجمع الذين ينادونه من وراء الحجرات، والذين تكفل التاريخ بسرد أسمائهم، وجعلنا في غنىً عن ذكر ذلك.

لم تكن عبادة علي (ع) عبادة الخائف الهارب، كما أنها لم تكن عبادة المتاجر المرائي، وإنما كانت حق العبادة: ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك().

من كان من أصحاب النبي (ص) يفقه هذه المفردات؟ ومن كان منهم يتعاطى العبادة على هذا الأساس؟

  • 3 ـ أهمية القيادة في واقع الأمة:

لو جمعنا الروايات والمواقف التي وقفها الرسول (ص) مبيناً هذا الأمر، لوجدنا أنها تربو على ما ورد في غيرها من المواطن، تلك هي روايات الولاية لعلي (ع).

إن الإمام علياً (ع) لو لم يكن علياً الإمام، فما عساه أن يكون ؟

إنني أدعو الإخوة الأحبة، السادة والمشايخ الأفاضل، عندما يرغب أحدهم أن يقرأ التاريخ فعليه أن يقرأه من خلال زاويتين: التاريخ الواقعي السردي الذي وصل إلينا، والتاريخ الافتراضي، فمن خلال قراءة النص على أساس من التاريخ الافتراضي نستطيع أن نقرأ ونستنطق ثم نستنتج ونرتب، أما إذا بقينا أسرى لتاريخ واقعي، أي لحدث جرى ومضى، فإننا لن نستطيع أن نستفيد من معطيات الحدث.

إن القيادة تُقرأ من خلال السماء تارةً، وفي ذلك آيات ونصوص، وما من نبي إلا وأكد مفهوم الإمامة والقيادة في وسط الأمة، وكذلك النبي (ص) المشرع أعطى الكثير في ذلك.

وتارةً تقرأ من خلال الخلافة والاستخلاف على أساس من الوضع والتباني بين الناس، بأن يقدموا من يقدموا على أسس متفاوتة، منها ما يكون على أساس من فرض القانون، ومنها ما يكون على أساس من فرض القوة، ومنهم من يجريها على أساس حصر دائرة الظلم في مربع الظالم، ومنهم من يجريها على أساس حالة التمرد على واقع مرير متقدم، وتختلف القراءات فيما بينها.

إن السماء أرادت الإمام علياً (ع) إماماً وقائداً وزعيماً، لأنه الأنموذج الأكمل، لكي يأتي من يأتي بعده ولا بد أن يكون بهذه المواصفات، لكن الأمة أبت إلا أن تدير ظهرها لعلي (ع).

النبي الأعظم يغادر الدنيا، والنهج الطبيعي أن تكون الخلافة في بيت علي (ع) لكن الواقع الخارجي أن الخلافة أبعد ما تكون عن هذا البيت، والأسباب أكثر من أن تعد وتحصر، فهناك نفسيات لا تسل عنها، رُوضت أو لم تروض، لكنها في يوم من الأيام بايعت وأعطت القياد لعلي (ع) وآلت الأمور إليه بعد هنٍ وهنٍ.

ففي الكوفة كان علي (ع) الإمام والخليفة، فهو الإمام عندنا، والخليفة في المساحة الأوسع، فكانت الحروب الطاحنة، إذ القُرّاء قتل الكثير منهم، والصحابة ذهبوا ضحية الحروب، وعلي (ع) يفرغ على الأمة... إيه لو لقيتُ أذناً واعية! فكان يتوجع ويتألم في السنين الخمس الأخيرة أكثر مما كان عليه الأمر قبل ربع قرن من الزمن، لأن الفرق الثلاث من الناكثين والقاسطين والمارقين، لم تتحرك فيالقها إلا عندما آلت الخلافة إليه (ع).

ثم قتل علي (ع) ودخلت الأمة في متاهة لها بدء، وليس لها نهاية حتى يأذن الله تعالى للخلف الباقي من آل محمد (عج). مع تقلب على نحو الضعف والقوة بين فترة وأخرى.

وشاء الله تعالى أن تتعرف البشرية على علي وآل علي، فقيض الله للأمة رجلاً من سلالة علي (ع) تربى على معطيات مدرسة علي (ع) وسار على أساس من هديه، وتحرك بناءً على معطيات مدرسة علي (ع)، والتف حوله النخبة، والكوكبة المصطفاة التي حملت على أيديها أرواحَها، متاجرةً مع السماء، لا ترجو شيئاً من حطام هذه الدنيا، لذا استشهد منهم من استشهد، وكتب لله للبقية منهم البقاء لتستمر المسيرة.

وعلينا هنا أن نقرأ تأريخاً في حدود إمام الأمة (رضوان الله عليه) الذي يمثل ومضة من ضياء علي (ع) ومحمد (ص) على أساس مما أسّستُ فيما تقدم من الكلام، لأنه يعني التاريخ، فالإمام انتقل وخلف وراءه تركة ثقيلة جداً، لكن الله تعالى أعدل من أن يترك الأمة تضيع في مشارب وطرق متقاطعة، فقيض الله لها للمرة الثانية، لطفاً بهذه الأمة، رمزاً من رموز هذا البيت الهاشمي، هو السيد القائد (حفظه الله تعالى).

أيها الأحبة: إذا أردنا أن نقرأ علياً الإمام، فعلينا أن نقرأ علياً القائد اليوم، فإن ما تجرعه علي (ع) ذلك اليوم من الغصص، يتجرعه سيد الأمة اليوم، وأخشى ما نخشاه أن يكون لكلام إمام الأمة الراحل من المصداق في الخارج ما يتلبس به، عندما قال: إني لا أخشى عليكم أمريكا، مهما اشتد ظلمها، لكني أخشى عليكم منكم.

أيها الأحبة: نحن لم نعش الأيام التي عاشها علي (ع) وحرمنا الكثير، لكن الله ابتلانا وامتحننا وأدخلنا في دائرة امتحان مباشر أن نحمل من الصدقية ما ينبغي، وأن نغادر مساحة الكلام، فما تمر به الطائفة اليوم هو بمنتهى الخطورة والحساسية، فإما أن نحافظ على هذا الموجود، وهو عبارة عن قطعة من فدك، وسوف تتسع إن شاء الله تعالى، أو نفرط به، وعندئذ لا نكون أفضل حالاً ممن فرط في ذلك اليوم.

نسأل الله تعالى أن تكون هذه الأمانة موصولة بيد الخلف الباقي من آل محمد (عج)، وأن يجعلنا نقدم ما أمكن أن نقدم، في سبيل أن تصل الأمانة ليد صاحب الأمانة، فإن فدك لا يليق بها إلا أن تكون بيد من له الحق، وهكذا سيكون إن شاء الله، على يد سلسلة من الفقهاء الأمناء الذين يحمون هذا الكيان.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، وجعلنا وإياكم من السائرين على هدي إمام الأمة، المستضيئين بأنوار خلفه.

والحمد لله رب العاملين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.