عظم المناسبة وأهميتها -كلمة بمناسبة عيد الغدير الكلمة الأولى
«يَا عَلِيُّ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي»
بارك الله لنا ولكم ذكرى العيد الأكبر، الغدير الأغرّ، واعاد الله علينا وعليكم وعلى عموم المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها الذكرى ونحن عند عتبة المولى.
أبو طالب كفيل النبي (صلى الله عليه وآله) ووالد علي (ع)
الحديثُ عن علي (ع) حديثٌ بامتدادات الزمن لهُ حيث من خلال واقع القضية لهُ حيثٌ آخر ومن حيثُ خصوصية المكان هنالك ما يستوجبُ التوقّف، عليٌ (ع) بَسمةُ السماء لأهل الأرض، الإمام عليٌ (ع) إشراقةُ فجرٍ لمن أراد أن يستضيء بها، وُلد في بيتٍ ومن أفضل بيوتات العرب، هاشم، أبوه أبوطالب، المؤمن المظلوم، صاحب المواقف المصادرة التي لم يجاريه في عظمتها أحدٌ ممن عايشهُ وعايش فترته، إنها الكفالة، الكفالة لمن؟ لأشرف مخلوقٍ عرفته الأرض، بل منظومةُ الأكوان بأسرها، المكفول هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، نحن عندما نبحثُ عن كفيلٍ أو مُربٍّ ليتيم نبذلُ جهداً كبيراً في سبيل أن نتحصل على من يقوم في المسؤولية كما ينبغي، واليتيم الذي نبحثُ عن كفيلٍ له، لا يعدوا حدود دائرة الانسان العادي ولا أقلّ بدور الصبة، أما أن يكون اليتيم بحجم النبي محمد(صلى الله عليه وآله) الذي هو بحجم الدنيا والآخرة، الكفيل الذي يتمُ البحث عنه لابد وأن يكون قد استجمع في داخله خصائص، هذه الخصائص متى ما توفرت قدمت صاحب الحظوة ومتى ما تخلفت كبت به دون الوصول الى هذا العنوان الكبير، كفالة النبي، هذا الذي هو مؤمن قريش كافل النبي المضحّي، الصابر، المجاهد هو أبو علي × صاحب المناسبة، فما عسى أن يكون من تحدر من صلب هذا الانسان العظيم ناهيك عما شمل هذا الوليد من خصوصياتٍ وعناياتٍ مرتبطة برب الأرض والسماء، لكن بالحسابات الطبيعية أبو طالب لم يكن رجلا عادياً، وإنما كان في وقته وما له من الخصوصيات يمثل استثناءاً بين رجالات قريش، هذه الكفالة وفق هذه الخصوصيات استدعت أن يدفع هذا الرجل العظيم الشيء الكثير من الضرائب وإلى يومنا هذا وما زال هذا العظيم يدفع الكثير من تلك الضرائب لا لشيءٍ سوى أنه لعلي (ع) أب، وللنبي كافل.
أيها الأحبة! لو قُدّر لأبي أحدٍ من الصحابة أن يقوم بهذه المهمة، مهمة الكفالة للنبي وشرف أن يكون أباً لعلي أين سوف نجد اسم ذلك الرجل؟ الشوارع، عناوين للشوارع لا تفي، للجامعات لا توفّي، ثم ارتفع في السلم حيث شئت، لكن هذا الرجل العظيم ليس له من نصيب لتاريخ الأمة المدوّن بالأقلام المشبوهة والمأجورة والوضّاعة الا أن يكون في ضحضاح من نار! ونبقى لا لشيءٍ إلا لأنه يمثل الأبوة لعلي (ع)؛ إذن هو رجلٌ بمنتهى الاقتدار وجمع الصفات، لذلك تم اصطفاؤه واجتباؤه وتقريبه وتكليفه بالكفالة للنبي (صلى الله عليه وآله) والأخوة لعلي (ع).
فاطمة بنت أسد؛ جوف الكعبة، ملاذاً لها لتضع مولودها علي عليه السلام
أما الأم فهي فاطمةُ بنتُ أسد هذه المرأة الجليلة العظيمة التي هي الأخرى أيضاً لم تحظى بنصيب كافٍ من العناية إلا من النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (صلوات) حتى نحن لا نستذكرها الا عند الوقوف في البقيع الطاهر ونسلّمُ استطراداً في ذيل من نسلّم عليهم ممن ربما لا يحظون بمقام قربٍ كما تحظى به هذه الانسانة العظيمة، لكن هذه السيدة الجليلة ايضاً اصطفاها الله لتكون وعاءاً طاهراً لثاني أكمل نطفة، لعلي (ع) وحصل ذلك وأبت السماء إلا أن تتدخل لتضع بصمةً تتخطى الليالي والأيام تتعقبها الشهور والسنين ثم تتركب القرون المتعقب يُنهي دور المعقّب وتبقى المفردة كالشمس في رابعة النهار، فاطمة بنت أسد لم، كيف، أين، لأنها أُنيط بها مسؤولية حمل لاهوت الأبد، الانسان الأكمل بين الرجال بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم) هوعلي (ع)؛ لأن النبي يحتاجُ لعلي، فلابد أن يوجد علي؛ لأن الاسلام لا يستغني عن عليٍ، لابد وأن يوجد علي؛ لأن الأمة لا تستغني عن علي (ع) في قولٍ وفعل، لابد وأن يوجد علي؛ لأن الدنيا بسماواتها، بأراضيها لا تستغني عن عليٍ، لابد وأن يوجد علي «ماخَلَقْتُ سَمَاءً مَبْنِيَّةً وَ لا أَرْضاً مَدْحِيَّة...»[2] ودعاء الحديث الشريف الجليل حتماً استقرّت صورته وألفاظه في قلوبكم. الآخرة لأنها تتشوّق لعليٍ لابد و أن يوجد علي؛ إذن وجود علي لابد وأن يأخذ صفةً من التمايُز والتميّز بين سائر من وُلد على وجه الأرض، خاصيةُ المكان لها قيمتُها لها طابعها لها أثرها، استضافة السماءُ علياً، أما في الأرض ولكن في أشرف بُقعة وفي أقدس مكان، جوف الكعبة، الرخامة الحمراء في الموضع الذي وضع الله سبحانه وتعالى يد القدرة فيه؛ لأننا لسنا من المجسمة نقول يدُ القدرة .
أنت العلي الذي فوق العُلى رفعا ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا
وأنت أي علي هنا روعة الشاعر في التجسيد في التصوير في الاستحضار في التعظيم لمقام لمن أراد أن يمدح
وأنت أنت الذي حُطّت له قدمٌ في موضعٍ يدهُ الرحمن قد وضعا
هذه القيمة المكانية ليس لأنها في خصوص مكان وإنما لما يرمُز ذلك المكان إليه، قدمُ علي ويدُ قدرة، نورٌ من السماء ونورانيةٌ في الأرض، أيامٌ ثلاثة والسيدةُ الجليلة يأتيها طعامها من الجنة، تأكل حيثُ شاءت وإن شئت أن تناظر فتعال معي قليلا، مريم واحدةٌ من سيدات نساء العالمين غير أن فاطمة بنت النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هي السيدة لها تحمل واحداً يحمل صفة أولى العزم، الرسالة الممهّدة لخاتمة الرسالات عيسى خليل الله الذي تميّز في خلقته وتكوّنه لكن عندما طرقها الطلق جاءها الأمر من السماء أن تفرغ مكان العبادة للعبادة، ولكن هذه السيدة الجليلة عندما جاءها المخاض وطرقها الطلق وصارت تتلفت في جنبات بيت الله الحرام تبحثُ عن ملاذ، عن اولئك القوم الذين لم يفقهوا الا المكاء والتصدية يطوفون حفاة عراة هكذا كان الواقع قبل الاسلام، لما ظنّوا أو وجدوا أو تقرّر عندهم أنها سوف لن تهتدي ملاذاً الا جوف الكعبة اسرعوا في احكام اغلاق الباب ظناً منهم أن قدرة الأرض تقفُ حاجزاً دون قدرة السماء إرادة السماء، أمر السماء، احدوثة السماء، فأكملت السيدة الجليلة دورتها لتقف في الاتجاه المعاكس للباب، ليثبت في صماخ التاريخ الآية التي لا تمحى، على مقربة من الركن اليماني، في الجهة المعاكسة لباب الكعبة وقفت السيدة الجليلة يجللها الحياء والخجل وتخطرها العفة والكرامة، في حالةٍ من العروج الملكوتي تمتماتٌ على اللسان وتسبيحٌ في جنانها يسترُ من علي، أخ النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دقائق وإذا بحائط الكعبة ينفرج عن ابتسامةٍ من جماد لم يعرف لها التاريخ مثيلاً ونظيرا، الابتسامة لمن؟ الابتسامة لذلك المكوّن والكائن والمستقرّ في أحشاء هذه السيدة الجليلة، نورٌ يسعى بين يديها، دخلت الى الكعبة، وضعت مولودها، تمت المراسيم، ملائكةٌ في صعودٍ ونزول، في اليوم الثالث انفرج الحائط من جديد هي لم تخرج من الباب الأول المرصود من عتاة قريش حتى لا يقولن أحدٌ أن ذلك وليدة واحدة من الصدف، نظرية الصدفة، حسابات الصدفة التي بُني عليها الكثير من التنظير والاستنتاج الفكري عند الغرب لفترة طويلة من الزمن لم تكن احدوثة غرب إنما كانت لها ما لها من أثر في بناء فكر وتثبيت مدرسة في يوم من الأيام لا السماء تتدخل في الأولى من باب التأسيس التأسيسُ ربما يُنسى لكن الثانية من باب التأكيد قد تُسدي جميلاً لشخص في يوم من الأيام وتأتي عليه عادية زمن لكن إذا قمت بذلك الواجب مرة أخرى لا يتخلّف ذلك الانسان المكرم والذي اُسقي الصنيع الجليل من أجله من لوازم ذلك الفعل أيضاً خرجت حيث دخلت أما في هذه المرة هنالك ثمة إضافة وإضافة في منتهى الروعة والجمال، دخلت المولود في جوفها خرجت المولود بين يديها، دخلت عتاةُ قريش يمنعونها من دخول الكعبة من الباب الطبيعي، خرجت يستقبلها النبيُ الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نورُ الإمامة يُشرق من وجه علي نور النبوة يُشرق من وجه النبي محمد نوران تمازجا من الأرض الانطلاق والى السماء العروج الحديث الشريف يا علي «أنت مني بمنزلة النور من النور» نحن لا نفرق بين نور عليٍ ونور محمد؛ لأن نور علي هو نور محمد ونور محمد هو نور علي.النبي دلل على ذلك والسماء دلتنا عليه {واَنفُسَنا واَنفُسَكُم}[3]
كفالة النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي(ع)
أيها الأحبة خرج عليٌ لعالم الوجود كان محتما على النبي أن يقوم برد الجميل لعمه أبي طالب صاحب الكفالة في المرّة الأولى شيمةُ أبي طالب، حسن قراءة أبي طالب، ايمان أبي طالب، ربما دفعه لاحتضان النبي أما في هذه المرحلة وإن كانت الخصائص في النبي وأكثر مما هي في أبي طالب إلا أن للسماء تدخلاً مباشرا، قام النبي بكفالة علي يقول عليٌ (ع): «كنت للنبي الزم له من ظله». أيها الأحبة نحن عندما نذوبُ في علي عندما نعشق علي عندما نتفانا من أجل علي نحن لا نقدّس عن عاطفة وإن كانت العاطفة في هذا المكان والمقام محمودة ولكن هذا ما فطرنا عليه؛ لأننا تولدنا من صلبٍ طاهر ورحمٍ طاهر؛ لأن الصلب والرحم من فاضل النطفة من فاضل الطينة «شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا» الولاء، المحبة، المصداقية في الولاء والمحبة، من عالم الذر قبل هذا العالم نحن عجنا النص الشريف «خُلقوا من فاضل طينتنا عُجنوا بماء ولايتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا»« لذلك هذه الوجوه المستبشرة وهذه القلوب النيرة والأرواح التي تعيشُ مساً ملكوتياً من نوع خاص شفّر بشفرتين شفرة الولاء لعليٍ والمحبة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم).